العين مرآة الروح، وجمالها يتعلق بلونها واتساعها، وأيضاً بطريقة النظر والتعبير بها، هناك عيون تحكى، وعيون تبرق، وعيون تجذب، وعيون تثير الحيرة، وعيون تكره، وعيون تذبح وتقتل. .............................. ومن تلك العيون، عيون السندريلا: سعاد حسنى، عيونها صندوق الدنيا، وبحر هادر لا تتوقف أمواجه وهى تصدم قلوبنا، فى شقاوة وشغف ودلال ومكر وخبث وحب عظيم، عيونها طاقة حب تطل على وجه الدنيا، تحوطها تفصيلات لوجه شرقى بكر صبوح، ونظراتها زلزال لكل الثابت ولكل ما استقرت عليه الأمور، تلك النظرات التى اختزلت كل الأمنيات المحبطة والآمال المنهارة والتاريخ القاسِى والفقر القديم الخالد للمرأة العربية، ثم أطلقتها كأنهار خمر، تسكر وتطيح وتجذب وتحضن وتقبل، وأحيانا تشنق وتقتل وأحيانا أخري- غامضة - تدمر العقل وتزلزل الفؤاد. وإذا كان نصف جمال العيون طريقتها فى النظر، والنصف الآخر فى الرسالة التى تحملها، إلا أن عيون سعاد حسنى هى «عين عفريت» نظراتها عاصفة سموم فى صحراء ناعسة، وإعصار استوائى مدمر لكل الأحراش والغابات والأفكار العربية، ومن المؤكد أكثر أن « نن» عيون السندريلا الأسود يظل هو بؤرة كل هذا الإشعاع، تحيط به عيون متسعة كعيون آبار المياه فى صحرائنا. لم تكن سعاد حسنى ممثلة، أو فنانة، أو بنت شقية تتدرجت فى الصعود حتى النضج، لا، كانت هذا وأكثر. فلم تكن ذات الجسد النحيل قادرة على أن تطغى على تضاريس جسد تحية كاريوكا أو هدى سلطان، ولم تكن بالطبع تحتمل أن تكون فى شفافية فاتن حمامة وخنوعها، أو فى انكسار ماجدة الصباحى الدائم، ولم تكن هامسة كلبنى عبد العزيز ومريم فخر الدين. وبالتالى ووسط هذا الطوفان الأنثوى الذى ملأ شاشتنا وحول «فرشاتنا الفقيرة» إلى جحيم مستمر، ظهرت قدراتها التى لم يكن أحد قد استغلها من قبل، وهى قدرات العيون، النظرات المركبة والصريحة والمتسعة والحائرة والتى تستوعب كوارث الكون، وهى نفسها العيون التى تحتويك وقت الهزائم، تلك العيون التى تضعك فيها وتمتصك لآخر قطرة حتى تذوب وتختفى. هى عيون الأنثى التى تريدها الشاشة العربية الشبقة، إنها عين أنثى حقيقية، خبرت الحياة بمكر ولؤم وقلق ولهفة حبيبة فى اشتياق لحبيبها، وهنا، دعنى أخذك من يدك وأملأ قلبك ببعض الذكريات. انظر لها وقد فزعت وهى فى «فرشة» صديق الزوج إبراهيم خان، فى «غروب وشروق» لم تولول ولم تصرخ، بل استوعبت الكارثة بعيونها، وامتصت المصيبة بنظرة واحدة، ثم بدأت تدارى الجسد الطاهر، وهى تعلم وسط كل ذلك أنها فى المركز الأقوى، وتعلم حدودها كزوجة مع زوجها، لذا لم تنفجر فيه أو تنهره مع أنها على خطأ، ولم تولول كما تولول النساء، ولم تحاول الفرار والهرب بصفتها خائنة، لا لم يظهر وسط كل هذه الكارثة غير لمعان عيونها وهى تتقبل الأزمة وتمتص الكارثة. وبنفس تلك القدرات تقبلت أزمتها التى تلقتها عندما أجبر زوجها «أبو العلا شكرى سرحان» على طلاقها، إنها «فاطمة» الفلاحة القديمة قدم هذه الأرض التى تقف عليها، فإذا كان المكر له أنواع، فسيظل مكر المرأة هو الأول دون منازع، فها هى فى عرين الأسد وفى فراشه الوثير صلاح منصور ولم يطل منها قبلة واحدة، هذه هى المرأة، والتى تتحول فى لحظات إلى الانكسار عندما تتعامل مع ضرتها الفذة سناء جميل إنها حرب العيون بين الزوجة الأولى والثانية، المكر القديم والخالد، التقلب فى النيران والشوك إلى أن تظفر بما تريد، حتى ولو بعد شهور وقرون طويلة، يقينها كأنثى أن ما تحمله فى بطنها هو الحقيقة حتى ولو كانت على الورق هى زوجة العمدة، لذا فإن خبر حملها من زوجها الأصلى اتسعت عيونها وامتلأت بفرحة الطمأنينة والانتصار، تلك الفرحة التى لم نرها طوال أحداث الفيلم، فرحة قوية وقادرة على زلزلة الظلم القديم وتحطيمه أيضا، وصعود منصة التتويج والحصول على كل الميراث. بنفس قدرات العيون تتحرك سعاد حسنى على الشاشة، فى «صغيرة على الحب»، لعبت بنا سعاد حسنى كما لم يلعب بنا أحد من قبل، تحولها لفتاة لم تتجاوز الأثنى عشر عاما إلى فتاة ناضحة بنهدين وخدين وعيون تمتلىء بالرغبة، كل ذلك أخرجته فى هذا الأوبريت الخالد العالمى والذى لم يتكرر فى شاشتنا، - أوبريت «صغيرة على الحب» - أوبريت يعتبر أحد العلامات فى تاريخنا السينمائى، كانت ترقص بعيونها قبل جسدها، تتقلب بين أحضان ملائكة الجنة وتتقافز بين شباك صيادى البحر كسمكة تناضل من أجل حريتها، ثم أدخلتنا بتلك العيون نار جهنم لنمرح مع الشياطين ونحتسى كئوس الخمر، هذه هى العيون التى تمرح بحب وشغف وقدرات لم نرها فى إحدهن قبل أو بعد ذلك. بهذا المكر المحبب والدهاء اللذيذ تحركت عيون سعاد فترات كبيرة على الشاشة العربية، وبهذا المكر والدهاء استخدمته فى «السفيرة عزيزة»، بين رغبتها فى حبيبها وبين نظراتها بأن تراه رجلا يستحقها، وليسحق فى سبيل ذلك أخوها القوى عدلى كاسب ذلك الجزار القوى المغتصب ميراثها، كيف لها وفى ليلة دخلتها أن تحطم غرفة النوم بنظرة واحدة، هذه النظرة ليست نظرة طلب أو رغبة أو استعطاف، بل نظرة أن تجد نفسها مع رجل حقيقى بين أربعة جدران، تظهر عيون السفيرة عزيزة، رغم براءتها الأنثى الدفينة التى تبحث عن بعل يمتلك العقل قبل الفؤاد، ويسيطر على الفؤاد قبل الجسد. وبنفس القدرات تتسع عيون سعاد حسنى لتصبح مصلوبة خلف القضبان، إنها «فايزة» والتى يخفق قلبها خلف تلك الجدران العالية والكابية، لكنها استطاعت بأشعة نظرات عيونها أن تزيح الجدران وتخترق القبضان، وتنطلق فى «الحب فى الزنزانة»، هنا عبرت فايزة كل تعبير عن الأنثى المحبوسة، والتى تبحث عن الحبيب بعيون قلبها وهم يتبادلون أرغفة الخبز، تحمى العيون وتتسع كأرغفة الخبز الطازج إلى أن تعثر على الحبيب، لكن هذه العيون التى تبرق بالأمل، تنكسر وينطفئ بريقها عندما تكتشف عند خروجها من السجن إنها لاتزال محبوسة، ليست خلف جدران، بل وسط طوفان من الفساد والجرائم الكبرى والمكر البشرى العظيم، لذا فأن عيونها ظلت محبوسة ولم تنطلق وتخرج أشعتها إلا عندما تلتقى بحبيبها حتى ولو كان مكان اللقاء مقبرة تمتلىء بالموتى، لتجعل تلك المقبرة باتساع حدقة عيونها تمتلىء بهذا الحب الذى ظلت تحجبه إلى أن ترى حبيبها، نظرات عيونها هنا حطمت قسوة وبؤس المقبرة، حتى عندما اكتشفت أن الفئران أكلت النقود، لم تنهر ولم تبك، بل ابتسمت وطلت فى عيون حبيبها تخبره بأنها معه، وانه حبيبها. ونفس النظرات استمرت معها ومع حبيبها «اللص ماهر» فى فيلم «المشبوه»، تتحول العاهرة هنا إلى امرأة بيت، وتلقننا درسا كيف تحافظ على هذا البيت حتى لو صاحبه غير موجود، فما يهمها فى هذه الحياة هو ابنها ثم « راجلها»، زوجها، كيف تحميه، كيف تهبط على أقدامه المرهقة وتغسلها، وكيف أيضا تحتويه عندما يخرج من السجن وهى تقف فى جلباب رث وبين يديها صابون الغسيل تحتضنه بشغف وتتسع عيونها كانثى تنتظر هذا الراوى المحبوب للجسد الشارقى، فنجد تلك النظرة مستمرة وهى معه فى الفراش، نظرة امرأة سوف تجن على زوجها، تشعل له سيجارة، وتلكزه فى جسده، وتفك السلسلة الذهبية شقى العمر وتقدمها له هى تعلم إنه سيدها وهى أيضًا تعلم أنها الملكة، لكن تلك العيون تمتليء بالفزع وتصعق لأنها أجرمت لاول مرة جرما حقيقيا عندما يذهب إليها الزوج ويجدها ترقص، هذا الفزع الذى سيظل مصاحبا لها إلى أن تعود لها نفس النظرات الحانية التى تحتضن الكون عندما يعود إليها ابنها وزوجها. بنفس تلك القدرات عبرت فى «أهل القمة» عن تقلباتها الفقيرة وحاجتها كأنثى ورغبتها كأم بعد ذلك، ولم تهرب هذه النظرات بعيدًا عن أرض «موعد على العشاء»، فى هذا الفيلم سوف ترى عيون «إلهام- سعاد حسنى» تشرق وتبتهج عندما ترى أحمد زكى، ونفس العيون تصبح كابية دامعة عندما يشاهد الزوج السيىء «شكرى حسين فهمى» أو حتى عند ذكر اسمه، شاهد عيونها وهى تحتضن وتتعلق فى كتف أحمد زكى عندما يعلق لها الصورة أو وهى تنتظر صوته على الهاتف، وانظر لها وهى ترى جثته فى المشرحة، نفس العيون تصبح دائرية لحبل مشنقة كى تشنق فيه نفسها وزوجها السادى حسين فهمى وهى تضع له السم فى الطعام، ولان الحياة اصبح ليس لها معنى دون الحبيب فهى تتناول السم أيضا كزوجة مذبوحة. وفى مسلسل مسلسل «هو وهى» كانت حالة مختلفة، كل المسلسل كان شيئا مختلفا عشر حلقات عبرت فيها سعاد حسنى عن تقلبات الأنثى المصرية، بالعيون وارتفاع الحاجب، وضمة الفم، والشفاة المرتعشة التى ترتبك عند ذكر اسم الرجل، أو وهى تتوعد هذا الرجل، أو وهى تصمم على ما فى عقلها حتى ولو كان هذا سبب خراب بيتها، هى أنثى فقط، ولتطلق العنان لعيونها بعد ذلك لتعبر عنها. ستظل عيون سعاد حسنى تقدم لنا الكثير، كلما شاهدناها، وستظل هذه العيون هى أرق وأقوى عيون عبرّت عن الأنثى فى تدرجاتها وانتصارتها وانكسارها، سواء كانت تلك الانثى فى الغيط، أو خلف المكتب، أو فى الشارع أو بين مدرجات الجامعات أو سلالم البيوت او خلف أسوار السجون. إن سعاد حسنى لم تكن ممثلة بقدرما كانت أنثى حقيقية لم نرها فى الشارع أو البيت أو الغيط، بل سكنت داخل قلوبنا الذكورية التى تريد أن تحول تلك القلوب إلى: سجن لأى أنثى.