مع بداية الموسم الدراسى من كل عام، تزداد مناقشة الكثير من هموم التعليم وقضاياه، كما تبرز على الساحة الكثير من الأفكار والمقترحات التى تستهدف نهضة العملية التعليمية، بحضور جميع أطرافها التى تشمل المدرسين والطلاب والمناهج الدراسية ومقرراتها والأنشطة المدرسية وبيئتها الحاضنة، إلى جانب أولياء الأمور. ومن بين تلك الأفكار والمقترحات تبرز الدعوة إلى الاهتمام بالتعليم الفني، ويُقصد به التعليم الزراعى والصناعى والتجارى والفندقي، الذى يتنوع بين مدارس السنوات الثلاث ومدارس السنوات الخمس، بتخصصات كثيرة ومتشعبة، ويبدو أن مسألة الاهتمام بالتعليم الفنى قضية قديمة إذ ناقشتها الصحف منذ سنوات بعيدة، وهى تتجدد بين الحين والآخر، حيث دعا الكثير من الكتابات الصحفية خلال سنوات القرن العشرين إلى وجوب اقتران التعليم النظرى بالتعليم العملي، ومن جانب آخر التركيز على أهمية التعليم الفنى بأنواعه المختلفة، إعمالًا بمبدأ أنه يجب ألا يعيش الطالب ليتعلم وإنما يتعلم ليعيش، وأن التعليم الفنى يمنح الطلاب ثقة كبيرة ودرجة عالية فى الاعتماد على النفس وإمكانية البدء فى تنفيذ مشروعات صغيرة عقب التخرج، دون انتظار وظيفة حكومية، ما يعد الطلاب لمواجهة معترك الحياة وتحقيق الذات. إن مصر دولة زراعية صناعية تجارية، ما يوجب علينا استثمار هذه المزايا فى تجويد نوعية التعليم، حتى يناسب احتياجات المجتمع، ومن ثم مواجهة الكثير من المشكلات مثل مشكلة البطالة التى يعانيها البعض من خريجى المدارس والجامعات، وهى مشكلة اقتصادية- اجتماعية معقدة، ترتبط بزيادة عدد الخريجين- بالأخص فى الكليات النظرية- عن حاجة سوق العمل، فضلًا عن مشكلات أخرى مثل قلة الإنتاج وشيوع نمط الاستهلاك بين المواطنين، وبالتالى انخفاض التصدير وازدياد الاستيراد. لقد أصبح الاهتمام بالتعليم الفنى (العملي) ضرورة واحتياجًا أساسيًا، ولعله الأمر الذى عبرت عنه المادة 20 من دستور سنة 2014 التى تنص على أنه: تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره، والتوسع فى أنواعه كافة، وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل. ويتطلب الأمر مجموعة من الخطوات والجهود، منها مثلًا لا حصرًا: تطوير مناهج التعليم الفنى وبرامجه التعليمية بما يناسب مصر القرن الحادى والعشرين؛ الإعداد الجيد للمدرسين وتوفير الاحتياجات والإمكانيات المطلوبة من عدد وآلات وخامات وورش ومعامل؛ توعية طلاب المدارس منذ المرحلة الابتدائية بأهمية هذا النوع من التعليم، عبر المناهج والأنشطة المختلفة التى تبين أهمية كل مهنة وحرفة، وكيف أنه لا غنى عن الفنيين فى مختلف المجالات والقطاعات؛ عقد بروتوكولات تعاون بين مدارس التعليم الفنى ومؤسسات المجتمع، الرسمية منها والمدنية، فى إطار مشاركتها المجتمعية، لتدريب الطلاب خلال فترة الصيف نظير مكافآت تتناسب ومشاركتهم فى العملية الإنتاجية، مما يسهم فى ترسيخ مبدأ التلمذة الذى يتولى فيه الأسطى تدريب وتأهيل مجموعة من الصبية يتعلمون المهنة على يديه؛ الاستفادة من الدول المتقدمة فى هذا النوع من التعليم عبر التعاون المشترك وتبادل الخبرات. أن تتحول المدارس الزراعية والصناعية والتجارية والفندقية إلى مدارس إنتاجية، لها منافذ بيع ومعارض دورية مما يُعد خدمة للمجتمع، ومجالًا خصبًا للعمل أمام المدرسين والطلاب، يزيد من كفاءة الدارسين وفاعليتهم فى المجتمع؛ حث الجهات المانحة للقروض، مثل البنوك والصندوق الاجتماعى للتنمية ومنظمات المجتمع المدنى التى تعمل فى مجال توفير المنح والقروض والتدريب على إعداد دراسات الجدوى وإجراءات التقييم والتقويم.. إلخ، على تبنى خريجى تلك المدارس، ومساعدة الجادين منهم فى تنفيذ مشروعات صغيرة، وهناك الكثير من قصص النجاح فى هذا الشأن؛ تصحيح الصورة الذهنية عن التعليم الفني، بتأكيد أنه ليس تعليمًا يخص الفقراء وحدهم أو الفاشلين من أبناء المجتمع، حيث يفضل البعض التعليم العالى النظرى بغية الحصول على شهادة عالية بغض النظر عن جدواها وفائدتها للدارس والمجتمع، وهنا يأتى دور الإعلام فى توضيح حقيقة التعليم الفنى عند الجمهور وأولياء الأمور منهم، وترغيب الطلاب فيه، بالتركيز على احتياجات البلاد ودوره فى علاج الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وتأكيد أن العمل الشريف ليس عارًا بل مدعاة للكرامة والفخر. لمزيد من مقالات ◀ د. رامى عطا صديق