تحتفل جموع الشعب المصرى بمرور 45 عاماً على انتصارات حرب أكتوبر المجيدة التى أثبتت للعالم أن القوات المسلحة المصرية قادرة على ردع كل من يحاول أن يمس أراضيها وتحقيق المعجزات, حيث أعطت دروساً فى فنون القتال يتم تدريسها حتى وقتنا هذا فى جميع المعاهد العسكرية الكبرى على مستوى العالم, كما أنها حطمت نظرية الأمن الاسرائيلى المستندة الى ركيزتى الحدود الآمنة والتفوق العسكرى والتكنولوجى الاسرائيلى المطلق على العرب، فلم تكن حرب أكتوبر مجرد حرب تحرير لأرض سيناء، بل كانت حربا لبعث الروح والإرادة المصرية من جديد، فقد غيرت هذه الحرب الخريطة السياسية للشرق الأوسط وحطمت حالة الركود ودعمت مركز العرب وأعادت للعسكرية المصرية والعربية مجدها العريق، ولقد تحدت حرب أكتوبر الكثير من العقائد والنظريات، فعلى المستوى الإستراتيجى حققت المفاجآت بعد ان خدعت أحدث وسائل المخابرات المعادية وهزت العقائد والنظريات التى اعتنقتها إسرائيل، وعلى المستوى التكتيكى تغلبت على اصعب الموانع المائية ودمرت اقوى الدفاعات المحصنة. ولعل أهم الدروس المستفادة من هذه الحرب هو تكامل جهود مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية المنسقة لتنفيذ خطط الخداع الإستراتيجى والتعبوى التى تم وضعها فى يوليو 1972 خلال اجتماع الرئيس السادات مع رئيس المخابرات العامة ومدير المخابرات الحربية ومستشار الأمن القومى والقائد العام للقوات المسلحة لتحقيق عنصرى المفاجأة والمبادأة اللذين يسمحان لمصر بالتفوق على التقدم التكنولوجى والتسليحى الإسرائيلى عن طريق إخفاء أى علامات للاستعداد للحرب وحتى لا تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة إجهاضية للقوات المصرية فى مرحلة الإعداد على الجبهة، وقد تعاونت أجهزة المخابرات العامة والعسكرية فى تحقيق أهداف الأمن القومى من خلال الحصول على المعلومات عن العدو الاسرائيلى لصالح تأمين كيان الدولة، وحرمان العدو من جمع المعلومات التى تسمح بكشف استعدادات مصر العسكرية، برصد ومطاردة الجواسيس الذين زرعتهم إسرائيل لاكتشاف نوايا مصر للهجوم، وقد كشفت الوثائق الاسرائيلية المفرج عنها مؤخراً أن المخابرات المصرية كانت تعمل على تمرير معلومات مضللة لإسرائيل لإخفاء نوايا مصر للهجوم، مع التوسع فى الاعتماد على العنصر البشرى فى ترسيخ القناعة لدى المسئولين الإسرائيليين بالاسترخاء العسكرى، بالتوازى مع تمرير المعلومات السرية المزيفة للعدو بهدف تضليله عن طريق مصادر جهاز المخابرات العامة ومنهم رفعت الجمال «رأفت الهجان»، أحمد الهوان «جمعة الشوان»، مع إنشاء إذاعة عبرية موجهة الى إسرائيل، والتى كانت تخدم خطة الخداع الاستراتيجى، فضلاً عن استخدام اللهجة النوبية لتشفير الرسائل المهمة بين القوات أثناء معارك الاستنزاف لتضليل معترضى تلك الرسائل. وكما نجحت قواتنا المسلحة فى تحقيق النصر واستعادة الكرامة وتحريك الموقف السياسى العسكرى لتهيئة المجال للقيادة السياسية لبدء معركة السلام التى استمرت سبع سنوات حتى نجحت فى تحرير كامل التراب المصرى فى سيناء الغالية لتعود إلى أحضان الوطن، تخوض حالياً حرباً شرسة ضد الإرهاب الموجه والمدعوم من قوى إقليمية ودولية، وتنفذ عمليات عسكرية شاملة سيناء 2018 للقضاء على التنظيمات الإرهابية المسيطر عليها من أجهزة استخبارات دولية، بعد أن شارك تنظيم الإخوان الإرهابى فى مؤامرة خطيرة بفتح أراضى سيناء لكافة أشكال العصابات الإرهابية والإجرامية لتكوين ميليشيات مسلحة يمكن استخدامها فى مواجهة القوات المسلحة، ولعلنا نتذكر مقولة: الحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين, والتى جعلت من رجال القوات المسلحة والشرطة هدفاً مشروعاً للأنشطة الإرهابية فى سيناء لكسر إرادة المقاتل المصرى وهيبة المؤسسة العسكرية، إلا أن انتفاضة الشعب المصرى فى ثورته المجيدة فى 30 يونيو أعادت الدولة المختطفة إلى أصحابها الحقيقيين، بعد أن رفض محاولات طمس الهوية المصرية، وتدنيس احتفالات الشعب بانتصارات أكتوبر التى منحوها للقوى والتيارات المتأسلمة وبدلاً من تكريم أبطالها الحقيقيين الذين قدموا أرواحهم فداء لوطنهم قدموا الإرهابيين والمتطرفين ليتقدموا الصفوف على منصة أكتوبر، بل وكرموا المجرمين الذين قتلوا شهيد الحرب والسلام الرئيس الراحل أنور السادات. ويقوم أبناء القوات المسلحة بملحمة بطولية فى مواجهة المخاطر والتهديدات التى يتعرض لها الأمن القومى المصرى على مختلف الاتجاهات الإستراتيجية، سواء فى الاتجاه الشرقى لتطهير سيناء من الإرهاب لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية التى يفتتح الرئيس السيسى عددا من المشروعات القومية بها خلال الأسابيع القادمة ومنها أربعة أنفاق أسفل قناة السويس لربط سيناء بالوطن، وكذا الاتجاه الاستراتيجى الغربى الذى تبذل فيه قواتنا المسلحة جهوداً جبارة للسيطرة على الحدود الليبية وتأمينها بعد أن أصبحت الأراضى الليبية مرتعاً لجميع التنظيمات الإرهابية بما فيها قيادات الصف الثانى من تنظيم القاعدة وداعش التى تم نقلها عبر الأراضى والموانى التركية لتسيطر على مخازن أسلحة الجيش الليبى وتشكل تهديداً خطيراً للأمن القومى المصرى وللاستقرار الإقليمى، فضلاً عن الاتجاه الإستراتيجى الجنوبى سواء بتأمين الحدود البرية ضد محاولات الاختراق والتهريب والهجرة غير الشرعية، أو البحرية التى تتعرض لمخاطر التواجد العسكرى الدولى فى جنوبالبحر الأحمر ومضيق باب المندب حيث تتولى وحدات الأسطول الجنوبى حماية المياه الإقليمية والاقتصادية المصرية ومساعدة الدول الشقيقة فى مواجهة المخاطر والتهديدات التى يتعرض لها أمن البحر الأحمر وخليج عدن. لقد استطاعت المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن والمخابرات إجهاض المخططات التى كانت تستهدف إفشال الدولة المصرية بعد 25 يناير، ومازالت بعض القوى الإقليمية والدولية تمارس أدواراً محددة لمواصلة تنفيذ تلك المخططات وسيأتى اليوم الذى تكشف فيه القيادة السياسية المصرية عن البطولات التى حققتها مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية للحفاظ على الدولة المصرية من الانزلاق إلى الفوضى التى تمر بها حالياً دول عربية شقيقة لم تفطن مؤسساتها وقياداتها لحجم المخططات والمؤامرات التى تستهدف أمنها واستقرارها، ولا أدعى أننا كنا بعيدين عن المصير الذى آلت إليه تلك الدول ولكن حماية الله لمصر تأتى لحكمة يعلمها، فقد سخر لها من أبنائها رجالا حملوا الأمانة وصدقوا ماعاهدوا الله عليه ليعبروا بها من المؤامرات والأزمات التى تعرضت لها، ولهذا فإن التحية والتقدير واجبان لأبطال القوات المسلحة فى عيد النصر، وحفظ الله مصر وبارك شعبها العظيم. لمزيد من مقالات لواء. محمد عبدالمقصود