تظل قضية إصلاح مجلس الأمن الدولى من القضايا التقليدية التى تثار فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام دون أن تترجم عمليا إلى خطوات على أرض الواقع, رغم أن التحديات الخاصة بتهديد السلم والأمن الدوليين تزداد كل عام وأصبح العالم أكثر اضطرابا، او بينما تحول البيت الزجاجى فى نيويورك إلى ساحة للتصارع والتنافس وتبادل الاتهامات بين الدول الكبري, وفقدت الأممالمتحدة ومجلس الأمن مصداقيتهما كممثلين للنظام القانونى الدولى مناط بهما حفظ الأمن والسلم العالميين, وهو ما تجسده القضية الفلسطينية بجلاء. معضلة إصلاح مجلس الأمن الأساسية تكمن فى الخلل فى النظام الدولى وحالة الاضراب التى يعيشها منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى الآن, فبعد انتهاء النظام الدولى ثنائى القطبية الذى ساد إبان الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الغربى والشرقى, وتسبب فى حالة شلل لمجلس الأمن بسبب اسراف القوى الكبري, الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي, فى استخدام الفيتو تجاه الأزمات التى يعالجها المجلس وتنخرط فيها الدولتان وتتعارض قراراته مع مصالحهما, ساد النظام أحادى القطبية الذى تسيطر عليه الولاياتالمتحدة منذ التسعينيات من القرن الماضي, وانعكس ذلك فى زيادة نشاط المجلس واستعادة دوره فى معالجة الأزمات والصراعات الدولية بسبب غياب استخدام الفيتو, لكن تم توظيفه سياسيا من قبل الولاياتالمتحدة حيث تم تفعيله فى الأزمات التى يراد له أن يتدخل فيها كنوع من إضفاء الشرعية على التدخلات الأمريكية كما حدث فى أفغانستان والعراق وليبيا, لكن مع دخول النظام الدولى مرحلة جديدة خاصة بعد الربيع العربي, وسيادة حالة من الضبابية حول شكل وهيكل هذا النظام نتيجة للتصارع بين الولاياتالمتحدة التى تسعى بكل السبل للحفاظ على هيمنتها عليه, وبين روسيا والصين اللتين تسعيان لإقامة نظام متعدد الأقطاب, انعكست تلك الحالة سلبيا على مجلس الأمن, حيث عاد مرة أخرى لحالة الشلل وعجز عن معالجة الكثير من الصراعات والحروب، خاصة فى العقد الأخير نتيجة للإسراف فى استخدام الفيتو من جانب الدول الدائمة العضوية, خاصة أمريكاوروسيا والصين, وهو ما انعكس فى حالة الصراع فى أوكرانياوسوريا واليمن وليبيا, حيث فشل المجلس فى التعامل مع تلك الأزمات أو إنهاء الصراعات فيها, نظرا لأن الدول الكبرى منخرطة بشكل أو بآخر فيها, واستخدامها حق الفيتو ضد أى قرارات تتعارض مع مصالحها أو مصالح حلفائها, والنتيجة أن ذلك تسبب فى إطالة أمد تلك الصراعات وأصبحت إدارتها خارج المجلس من قبل تلك الدول واختزل دور الأممالمتحدة فقط فى الجوانب الإنسانية. مجلس الامن الدولى بتركيبته الحالية ونمط العضوية فيه واحتفاظ الدول الخمس الكبرى بحق الفيتو أصبح عاجزا عن مواجهة المصادر الجديدة غير التقليدية للسلم العالمى، خاصة الحروب الأهلية وكذلك انتشار الأسلحة النووية وتصاعد خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية وتزايد مخاطر تفكك الدولة الوطنية وانتشار الأمراض الخطيرة والتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، والتى تفوق ضحاياها ضحايا الحروب التقليدية التى صمم مجلس الأمن وقتها للتعامل معها خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وتعد الحرب بالوكالة أخطر مصادر التهديد الآن التى يقف المجلس عاجزا عن التعامل معها, فالدول لم تعد تحارب بعضها البعض بشكل مباشر, وإنما عبر وكلاء وحلفاء يعبرون عن مصالحها وينفذون أجندتها, ولعل الحالة الإيرانية أبرز مثال على ذلك, حيث لم تدخل إيران فى حروب مباشرة مع الدول الأخرى ولكنها تتدخل فى الكثير من الدول والصراعات عبر أذرعها العسكرية مثل حزب الله اللبنانى وميلشيا الحوثى الانقلابية وميلشياتها المتعددة فى سوريا والعراق مثل فصائل الحشد الشعبى وغيرها, وتسببت تلك التدخلات الإيرانية فى زعزعة استقرار وأمن تلك الدول وإطالة أمد الحروب فيها وفى تصاعد خطر الإرهاب, ومع ذلك لم يستطع مجلس الأمن معاقبة إيران عبر آليات محددة تردعها عن دعمها للإرهاب وتطوير برنامجها الصاروخى الذى تزود بها حلفاءها فى تلك الدول. كما أن الدول الكبرى تتدخل فى الصراعات المختلفة سواء بشكل مباشر عبر التدخل العسكرى، أو بشكل غير مباشر عن طريق دعم أحد حلفائها فى الصراع عسكريا وسياسيا كما تجسده الحالة السورية فى إطار صراع المصالح والنفوذ بينها. خطورة الحروب بالوكالة أنها أدت إلى زيادة دور الفاعلين من غير الدول, مثل تنظيم داعش الإرهابى وميلشيا الحوثى وحزب الله والميلشيات المسلحة فى ليبيا وغيرها, على حساب الدولة الوطنية وهو ما يقوض الوحدة الأساسية التى قام عليها النظام الدولى والعلاقات الدولية لعقود طويلة, خاصة مع تصاعد الحروب التجارية بين الدول الكبرى إلى جانب الحرب بالوكالة. عشرات المشروعات التى طرحت من جانب الدول أو المنظمات الإقليمية لإصلاح الأممالمتحدة ومجلس الأمن إلا أنها تحطمت جميعها على صخرة رفض الدول الكبرى التنازل عن مميزاتها داخل مجلس الأمن, ولذلك لن يحدث الإصلاح ما لم يكن هناك نوع من التوافق العالمى خاصة بين القوى الكبرى على إصلاح المنظمة ولكن بعد إدراك أن الخطر يطول الجميع وأن المصلحة العالمية تقتضى ذلك لمواجهته. لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد سيد أحمد