لم تكد تمر أيام قليلة من العام الجديد حتى فاجأت كوريا الشمالية العالم بتجربتها النووية الهيدروجينية وهى الأخطر فى تدميرها بعد تجاربها النووية الثلاث السابقة لتزيد من درجة سخونة منطقة شرق وجنوب شرق آسيا, فى الوقت الذى تشتعل فيه النيران والصراعات فى مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط الذى تنتشر فيه الحروب الأهلية والطائفية والعرقية وتصاعد خطر الإرهاب والتطرف ومشكلات اللاجئين وانهيار الدول, وهو ما يجعل المشهد العالمى أكثر صراعا واضطرابا. وفى الوقت الذى تتزايد فيه مخاطر وتهديدات السلم والأمن العالميين نتيجة للانتشار النووى والحروب الأهلية وغياب التنمية وانتشار الفقر والتخلف وازدياد حدة الفجوة بين الشمال والجنوب, فإن مجلس الأمن، وهو الجهة المنوط بها حفظ السلم والأمن العالميين, يقف عاجزا أمام معالجة تلك التهديدات وجعل العالم أكثر أمنا، حيث لا يتناسب دور المجلس مع حجم المخاطر المتزايدة, ولأن المجلس هو متغير تابع للنظام السياسى الدولى وتفاعلات أطرافه من القوى الكبرى, فإن حالة الاضطراب فى النظام الدولى انعكست سلبيا على دور المجلس ووظيفته الأساسية, فمن ناحية تزايدت مصادر تهديد السلم الدولى غير التقليدية بشكل متصاعد خاصة الإرهاب والحروب الأهلية والانتشار النووى وتزايد ضحاياها من آلاف القتلى وملايين اللاجئين والتدمير لمؤسسات الدولة وهى تفوق ضحايا مصادر التهديد التقليدية والتى تراجعت بشكل كبير وأبرزها الحروب بين الدول. ومن ناحية ثانية فإن نمط التحالفات الدولية قد تغير بشكل جذرى من التحالفات القائمة على أسس أيديولوجية, كما كان إبان الحرب الباردة, إلى تحالفات مصلحية ومؤقتة وهشة وتتسم بالتناقض, كما أن النظام الدولى يمر بمرحلة انتقالية من نظام القطبية الأحادية الذى ساد بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتى إلى مرحلة التعددية القطبية مع الصعود القوى للدور الروسى فيه وانخراطها فى العديد من الأزمات العالمية كما برز بشكل كبير فى الأزمة السورية وقبلها الأزمة الأوكرانية, ولم تعد الولاياتالمتحدة هى الفاعل الوحيد فى توجيه مسارات التفاعلات الدولية, كذلك النمو الملحوظ للدور السياسى الصينى العالمى فى العديد من الأزمات الدولية, ونظرا لأن الدول الكبرى الثلاث تحظى بحق الفيتو فى مجلس الأمن الدولى، فقد عجز المجلس عن التعامل مع العديد من الأزمات, خاصة الأزمة الأوكرانية أو الأزمات فى سوريا واليمن أو مواجهة التهديدات النووية لكوريا الشمالية وردعها, لارتباط هذه الدول الكبرى بشكل مباشر أو غير مباشر بتلك الأزمات وتناقض مصالحها ورؤاها بشأن معالجتها مما أدى إلى عدم التوافق حول حل سياسى بشأنها، وطرحت الحلول السياسية لتلك الأزمات خارج إطار المجلس, رغم إصداره العديد من القرارات بشأنها إلا أنها لم تفض فى النهاية إلى حلول وتسويات سلمية نهائية. وذات الحال فيما يتعلق بقضية الإرهاب وسبل معالجته, فرغم اتفاق الدول الكبرى على مواجهة خطر الإرهاب باعتباره المصدر الرئيسى لتهديد السلم العالمى, إلا أن التناقضات بين الدول الكبرى والإقليمية بشأن وضع تعريف لمفهوم الإرهاب وما هى الجماعات الإرهابية أو الدول التى ترعاه, قد انعكست أيضا على فشل المجلس فى معالجة تلك القضية رغم صدور عشرات القرارات التى تعالج قضية الإرهاب, بل ان الدول الكبرى وسياساتها قد ساهمت فى تصاعد المشكلة, وهو ما أبرزته تجربة التنظيمات الإرهابية فى منطقة الشرق الأوسط حيث لا توجد رؤية موحدة بشأن التعامل مع كافة التنظيمات المسلحة. وفيما يتعلق بقضية الديمقراطية فقد أخفق مجلس الأمن الدولى أيضا فى دعم الديمقراطية ومحاربة الاستبداد باعتباره العامل الاساسى فى نشر الإرهاب والتطرف نتيجة للقمع وغياب الحرية, ورغم توسع صلاحيات مجلس الأمن فى العقدين الأخيرين فيما يتعلق بتوصيف مهددات السلم الدولى ومنها غياب الديمقراطية وجرائم الإبادة الإنسانية, إلا أن حالة كوريا الشمالية وحالات الاستبداد فى الكثير من دول العالم قد أوضحت فشل المجلس وانتقائيته فى التعامل مع الأزمات الدولية, إضافة إلى تهديدات السلم الدولى الأخرى مثل انتشار الأمراض العالمية ومخاطر التغيرات المناخية والانبعاث الحرارى وانتشار التصحر والجوع والفقر, كما فى إفريقيا, وكلها تنذر بكوارث عالمية ومخاطر كبيرة لا تقل عن مخاطر الحروب والصراعات. وفى ظل عالم أكثر اضطرابا ويتجه إلى الصراع أكثر من السلام والتنمية, مع تزايد مصادر التهديد وأمام اضطراب النظام الدولى وتناقضات المصالح والمواقف بين الفاعلين الرئيسيين فيه, فإن الرهان الوحيد هو أن يقوم مجلس الأمن بدوره الفاعل وفى أداء وظيفته الأساسية فى حفظ السلم والأمن الدوليين واستغلال سلطاته وصلاحياته الواسعة وفقا للفصل السابع من الميثاق فى التدخل لمواجهة تلك التهديدات وفى فرض الحلول السياسية الملزمة للأزمات المشتعلة فى منطقة الشرق الأوسط, ومواجهة تهديدات كوريا الشمالية النووية والتهديدات النووية الإسرائيلية, وذلك تحت مظلة الشرعية الدولية وفى إطار تحقيق العدالة الدولية. وإذا كان تفعيل دور مجلس الأمن مرهونا بإصلاح المجلس سواء من حيث توسيع العضوية أو معالجة نظام الفيتو, وهو أمر صعب تحقيقه نتيجة لفشل محاولات ومشاريع الإصلاح السابقة, فإن حجم التهديدات التى يواجهها العالم حاليا, تتطلب عدم الانتظار لما بعد إصلاح المجلس, وإنما تفعيل دوره فى ظل وضعه الحالى خاصة وأن عملية الإصلاح غير واضحة المعالم أو التحقق فى الأفق المنظور, كما أنها تتطلب أيضا تكاتف جميع الدول, سواء الكبرى أو الإقليمية, لمواجهة تلك الأخطار التى تتسم بالعالمية وصعوبة مواجهة دولة لها بمفردها, وأن تنحى صراعاتها المصلحية الضيقة وتتحمل مسئوليتها الأخلاقية والإنسانية فى قيادة العالم إلى المسار الصحيح الذى يكون فيه أكثر أمانا وازدهارا. لمزيد من مقالات د . أحمد سيد أحمد