فى حوار تلفزيونى بإحدى القنوات حذر ضيف البرنامج من سموم الأفلاتوكسين Aflatoxins القاتلة الفتاكة التى تصيب مستهلكى البصل المغطى بمسحوق جاف أسود اللون يشبه الهباب فى مظهره، وقد أثار ذلك الفزع فى قلوب ربات البيوت والمستهلكين بصورة عامة خاصة أن هذا عرض شائع منتشر فى الأسواق والبيوت المصرية لفطر ممرض للنبات، ضعيف التطفل، هو الفطر Aspergillus niger ولا يفرز الفطر المسبب لمرض هباب البصل أى «توكسينات»، ويستخدم صناعيا فى إنتاج حمض الستريك، وهو حمض مفيد وشائع استخدامه صيدلانياً كمادة محمضة ومضادة للأكسدة، ويضاف إلى بعض الأغذية بغرض إضافة الطعم الحامضي لها، والمشروبات الغازية، والصلصة الخاصة بالسلطات لتعزيز النكهة. أما سموم الأفلاتوكسين، فلم يدرك العالم الخطورة الحقيقية لها حتى عام 1960 حيث ثارت ضجّة كبيرة فى بريطانيا حول تأثير السموم الفطرية عندما نفق حوالى مائة ألف ديك رومى صغير العمر فى انجلترا نتيجة التغذية على بذور فول صويا ملوثة بالفطر، واتضح بعد تحليلها إنها ملوّثة بالأفلاتوكسينات aflatoxins ورفع هذا الحادث درجة التحذير من أن هذه السموم تنتج من الفطريات مجهرية الحجم، وقد دفع هذا الحادث المسئولين إلى رفع مستوى التحذير للمواطنين من التغذية على أى منتج غذائى يظهر به تلوث فطرى مفرز للسموم، ويعتبر فطر Aspergillus flavus أكثر أنواع الفطريات إنتاجاً للأفلاتوكسين، وقد اشتّق إسم السمّ من إسم نوع الفطر، فحرف A من اسم الجنس Aspergillus, وحروف fla من اسم النوع flavus, ثم كلمة سم toxin بعد ذلك. وتنمو مستعمرات الفطر في التربة والخضراوات المتحللة والقش والحبوب المخزونة بطريقة غير صحيحة مثل الكاساڤا، والذرة وبذرة القطن والفول السوداني والأرز وبذور السمسم وبذور عباد الشمس والمكسرات والقمح، ومجموعة متنوعة من التوابل، عندما يتم استعمال مثل هذه الأغذية الملوثة، تدخل السموم الفطرية في الإمدادات الغذائية العامة حيث توجد في أغذية الإنسان وأعلاف الحيوانات والطيور، وبدورها فإن الحيوانات والطيور التي تتغذى على الأغذية الملوثة تنقل السموم الفطرية إلى اللحوم، ومنتجات الألبان، والبيض. ويتأثر الأطفال وصغار الحيوانات بشكل خاص بالتعرض للسموم الفطرية، مما يؤدى إلى توقف النمو، وتأخر التطور، وأضرار بالكبد، والإصابة بسرطان الكبد، أما الكبار فهناك تفاوت فى تعرضهم لأضرار السموم الفطرية، لكنهم أيضاً معرضون للخطر، ولا توجد حيوانات لديها مناعة من السموم الفطرية، وتعتبر السموم الفطرية من بين أكثر المسرطنات المعروفة بعد دخولها الجسم، ومع ذلك فإن معظم سلالات الفطر لا تنتج أفلاتوكسينات، مما يؤكد أن إنتاج هذه المجموعة من السموم حتى فى السلالات المنتجة لها تحتاج إلى توافر ظروف بيئيّة وفسيولوجية محدّدة . وعلى ذلك فإن إثارة بلبلة الرأى العام، وتشويش جمهور المستهلكين وربات البيوت بصورة وهمية، والإنذار بخطر غير محتمل هو أسلوب مرفوض، وليس من المنطق وضع الفطريات كلها فى قفص الإتهام، فهناك قائمة من الفطريات المفيدة التى لا نستعنى عنها، بداية من خميرة الخباز المستعملة فى صناعة الخبز إلى البنسلين «المضاد الحيوى المعروف»، ثم شرائح فطر عيش الغراب التى تزين فطائر البيتزا الشهية، وفطر «هباب البصل» المتهم الذى ثبتت براءته، ويكفى غسل البصل بماء الصنبور لإزالة الجراثيم السوداء، وحفظه فى مكان جاف مهوى !! د. محمد على أحمد أستاذ الفطريات وأمراض النبات بزراعة عين شمس