إذا كان الحق فى الحياة هو أسمى حقوق الإنسان، فإن الصين تستحق أعظم جائزة لحقوق الإنسان فى العالم. الصين التى خلّصت أكثر من سبعمائة مليون فرد من مواطنيها من براثن الفقر، وانخفضت فيها نسبة الأمية من نحو 75% عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، إلى نحو 3% حاليا، وارتفع متوسط عمر الفرد من أبنائها من ستة وثلاثين عاما فى سنة 1949 إلى نحو ستة وسبعين عاما فى سنة 2015، وقفز متوسط الدخل السنوى للفرد فيها من ثلاثمائة واثنين وثمانين يوانا فى عام 1978 إلى نحو خمسة وخمسين ألف يوان «الدولار الأمريكى يساوى 6.9 يوانات» فى 2016، حققت ما لم تحققه أمة أخرى فى تاريخ البشرية! مفهوم الصين لحقوق الإنسان مرتبط بالثقافة والفلسفة الصينية وتاريخ الصين ومسيرة تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. لأسباب تاريخية وفكرية يضع الصينيون حق الإنسان فى الطعام الكافى واللباس الدافئ والمسكن الآمن على قمة أولويات الحقوق. وبعبارة أخرى، فإن حق الإنسان فى الحياة مقدم على الحق فى أى شيء آخر. وفقا للمعايير الدولية للفقر، فإن الصين خلال الفترة من عام 1978، أى منذ الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى التى دشنت سياسة الإصلاح والانفتاح فى الصين، وحتى عام 2010، استطاعت أن تخرج أكثر من ستمائة مليون فرد من هاوية الفقر. وحسب البيانات الصينية، تخلص سبعمائة مليون صينى من الفقر بنهاية عام 2017، ومازال فيها نحو ثلاثين مليون فقير، تعهدت الحكومة الصينية بتخليصهم من الفقر المدقع تماما بحلول عام 2020، أى بعد ستة عشر شهرا من الآن. فى سنة 1980، كانت نسبة الفقراء فى الصين إلى عدد السكان 84%، انخفضت إلى نحو 3% حاليا. فى الثامن والعشرين من نوفمبر 2015، وخلال مؤتمر حول مكافحة الفقر والتنمية عُقد فى بكين، تعهدت القيادة الصينية باتخاذ إجراءات حاسمة لمساعدة السبعين مليون فقير بالصين على التخلص من الفقر، والتمتع بالخدمات الاجتماعية الأساسية بحلول 2020. وحسب ما جاء فى هذا المؤتمر، تشمل المهام الرئيسية للحكومة خلال هذه الفترة، ضمان حصول الفقراء على المأكل والملبس والتمتع بالتعليم الإلزامى والخدمة الصحية والمسكن. خلال المؤتمر المشار إليه، وصف الرئيس شى جين بينج مكافحة الفقر بالمهمة الشاقة، وقال: “لن تُترَك منطقة فقيرة واحدة ولا شخص يعيش فى الفقر، عندما تحقق البلاد هدف بناء المجتمع الرغيد الحياة على نحو شامل بحلول عام 2020. وحث الرئيس الصينى الحكومات على كافة المستويات على تنفيذ إجراءات دقيقة لضمان حصول الفقراء فى المناطق الريفية على الغذاء واللباس والتعليم الأساسى والرعاية الطبية والمسكن الآمن. وطالب السيد شى الحكومات المحلية والمسؤولين، وبخاصة فى المناطق الأقل نموا بجعل الحد من الفقر على قمة أولوياتهم، وقال إن التنمية الصناعية عنصر أساسى فى الحد من الفقر، وينبغى الاستغلال الأمثل للموارد المحلية لتطوير الصناعات وضمان تشغيل الفلاحين المتعطلين عن العمل. بعد ستة أيام من ذلك المؤتمر، كان الرئيس شى يلقى كلمته فى قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقى التى عقدت فى سبتمبر 2015 فى جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، والتى أعلن فيها أن بلاده وأفريقيا رفعتا العلاقات الثنائية بينمهما إلى شراكة تعاونية إستراتيجية شاملة ودشنا مرحلة جديدة فى التعاون المربح للطرفين والتنمية المشتركة. وحث الرئيس شى على بذل جهود موحدة لتعزيز “خمس دعامات رئيسية”، وأعلن عن عشر خطط كبرى لتعزيز التعاون المربح للطرفين، وأعلن أيضا عن تخصيص ستين مليار دولار أمريكى للتنمية فى أفريقيا. وأشار الرئيس شى إلى أن الصين حاليا، بتقنياتها ومعداتها وخبرائها الماهرين ورأس المال، أصبحت فى وضع يتيح لها مساعدة أفريقيا على تحقيق التنمية الذاتية المستدامة. وقال إن الصين لديها التزام قوى بدعم أفريقيا فى تحقيق التنمية والازدهار على وجه الخصوص. تركز المساعدات الصينية لأفريقيا على عشرة مجالات، أهمها جهود التصنيع وتطوير الخدمات الزراعية والمالية والتنمية الخضراء والسلام والأمن. التعهدات الصينية فى قمة جوهانسبرغ لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، سبقتها تعهدات مماثلة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما أعلن الرئيس شى فى كلمته عن تأسيس صندوق لدعم تعاون الجنوب- الجنوب وتوفر مليارى دولار أمريكى للمرحلة الأولى لدعم الدول النامية فى تنفيذ أجندة التنمية لما بعد 2015، ومواصلة الاستثمار فى الدول الأقل نموا لتبلغ اثنى عشر مليار دولار أمريكى بحلول عام 2030، وشطب الديون الحكومية بدون فائدة الواجبة السداد فى نهاية عام 2015، والمستحقة على الدول الأقل نموا، والدول النامية الداخلية والدول النامية الجزرية الصغيرة. كل هذه الجهود تدعم الاستقرار وتهيئ بيئة مناسبة للنمو الاقتصادى بما يساعد على تحسين مستوى معيشة أبناء أفريقيا والحد من الفقر، وزيادة الاستثمارات فى القارة السمراء، التى بلغ عدد الفقراء فيها ثلاثمائة وثمانية وثمانين مليون شخص، يشكلون نحو 43% من سكانها، وفقا لتقرير للبنك الدولى الصادر فى أكتوبر 2015. إن مساهمات الصين فى أفريقيا لاتقتصر على الدعم والمعونات والاستثمارات، وإنما الأهم هو تجربة الصين فى مكافحة الفقر التى يمكن لدول أفريقيا أن تستفيد منها. الصين لا تقدم لفقراء العالم السمكة فحسب، وإنما أيضا تعلمهم الصيد. لقد تجاوزت مساهمة الصين فى تقليل عدد الفقراء فى العالم 70%. الصين هى أكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان الذين تم انتشالهم من الفقر المدقع، وفى صدارة دول العالم التى أنجزت الأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة. إنه إنجاز هام فى قضية حقوق الإنسان بالصين، ولكنه لا يعنى انتهاء مهمة مساعدة الفقراء فبسبب الفجوة الكبيرة فى الدخل والفجوة بين المناطق المختلفة والفجوة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، ستبقى مشكلة الفقر النسبى لمدة طويلة. بعد عام 2020، سيكون المحور الهام لأعمال الحكومة الصينية فى مساعدة الفقراء هو حل مشكلة الفقر النسبي، فذلك عمل مستمر ستثابر عليه الصين. تتحمل الصين، كأكبر دولة نامية فى العالم، مسؤوليتها فى دعم شعوب العالم للتخلص من الفقر، وتقدم معونات للدول النامية، وخاصة الدول الأكثر فقرا، لمساعدتها على التخلص من الفقر. قدمت الصين لمائة وست وستين دولة ومنظمة معونات بلغ حجمها أكثر أربعمائة مليار يوان، وبعثت ستمائة ألف موظف لتقديم مساعدات للدول النامية وألغت ديونها المستحقة على الدول الشديدة الفقر سبع مرات. بالإضافة إلى تقديم معونات طبية إلى تسع وستين دولة ومساعدات متخصصة لأكثر من 120 دولة نامية لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ولتعزيز التبادلات ومشاركة الصين والدول الأخرى فى القضاء على الفقر، أنشأت الصين والبنك الدولى وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى ومنظمات دولية أخرى «المركز الدولى للتخلص من الفقر» فى الصين. منذ عام 2014، ينظم هذا المركز «المنتدى الرفيع المستوى للقضاء على الفقر والتنمية» و»منتدى الصين- آسيان للتنمية الاجتماعية والقضاء على الفقر» و»مؤتمر الصين- أفريقيا للقضاء على الفقر والتنمية»، وغيرها. كما دربت الصين أكثر من 2600 موظف فى مجال القضاء على الفقر ينتمون لألف ومائتى دولة نامية. فى السادس والعشرين من سبتمبر 2015، خلال اجتماع طاولة مستديرة للتعاون بين بلدان الجنوب فى نيويورك، أعلن شى جين بينج عن مبادرة «المئات الست لمساعدة الدول النامية، والتى تعنى مائة برنامج لخفض الفقر ومائة مشروع للتعاون الزراعى ومائة برنامج للترويج التجارى ومائة برنامج لحماية البيئة وتغير المناخ ومائة مستشفى وعيادة ومائة مدرسة ومركز تدريب مهني. تواصل الصين المساهمة بحكمتها وقوتها فى دفع جهود المجتمع الدولى لتخفيف الفقر وتحقيق أجندة التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة.