منذ سنوات نشرت مجلة الإيكنومست ملفا كاملا تحت عنوان «من قتل الصحيفة؟» وتنبأت بموت آخر صحيفة خلال خمس عشرة سنة على الأكثر، وأن القاتل هو الكمبيوتر والانترنت، وعندما نقلت هذا السؤال للأستاذ هيكل قال: بلاش كلام فاضى وهذه لغة المحبطين والكسالى والمتهربين من مسئولياتهم، لكنه مؤشر خطر أنتم الصحافة المصرية تحتاجون لثورة والأهرام حتى الآن هو المؤهل لقيادتها!. تذكرت هذا الموقف وأنا أتابع فى يوم واحد أعراض الأزمة التى تعانيها الصحافة المصرية من ثلاث زوايا، الأولى: عبر عنها الأستاذ عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين، بأن زيادة سعر الصحيفة يشبه الدواء المر الذى يجب أن تتجرعه الصحافة للتعافى، ودعا النقيب أيضا المؤسسات الصحفية لخوض معركة البقاء بمشروعات مشتركة مثل مصنع للورق والأحبار وشركات للتوزيع للتخفيف من تكاليف النسخة وسعر بيعها للقارئ، فالنسخة الواحدة تصل تكلفة إنتاجها حاليا نحو عشرة جنيهات، ويراهن نقيب الصحفيين على ارتباط القارئ بصحيفته كخدمة تنويرية. أما الدعوة الثانية فعبر عنها الأستاذ عباس الطرابيلى مؤسس ورئيس تحرير صحيفة الوفد لعدة دورات، واشترى الصحيفة بخمسة ملليمات عام 1945 لكنه الآن يرفض زيادة السعر إلى 3 أو4 جنيهات!،لأننا يجب أن نعمل ما علينا كصحفيين ومؤسسات تجاه مهنتنا، قبل ترحيلها على القارئ المثقل بالأعباء. فلنجرب أولا تخفيض عدد الصفحات إلى 8 صفحات، وثانيا منع التعيينات الجديدة وتخفيض الرواتب إلى النصف أو 25 % وإلغاء أى حوافز أو بدلات لمدة 5 سنوات، وبين دعوة النقيب عبد المحسن سلامة رئيس أكبر مؤسسة صحفية «الأهرام», ودعوة المخضرم عباس الطرابيلى بالتقشف دعوة ثالثة عرضها الزميل محمود مخالى مدير التحرير السابق ويقترح بقلب جامد! أن تعرض المؤسسات الصحفية توزيع الجريدة للقارئ مجانا تقريبا ولأن الزيادة المقترحة على سعر الصحيفة لا تمثل شيئا أمام تكاليف الطباعة والتوزيع والشحن والورق والأجور!. وحمدت الله أن الرهان على العمل الجماعى للأسرة الصحفية جاء من سيادة النقيب بصفته نقيبا وبحكم رئاسته للمؤسسة الأكثر تأهيلا لقيادة ثورة فى الصحيفة الورقية، مما جرأنى بالتفكير معه بصوت عال وآمل أن يجد فى هذه «الوصية» ما يفيد. إن التحدى الآن بين المواقع الالكترونية والصحف هو المدة الزمنية بين لحظة وقوع الخبر وبين تناول الصحف ووصوله للقارئ التى تصل إلى 10 ساعات، ففى الصحافة الالكترونية هذا الفاصل يساوى صفرا فى حالة النقل المباشر أو نصف ساعة أو أكثر قليلا وفى التليفزيون قد يصل إلى ساعتين أو ثلاث ما لم يبث على الهواء، ومهما حاولت الصحف المطبوعة فإن أمامها عائقا إضافيا هو المسافة بين مكان الطبع ومحل إقامة القارئ، لكن ماهو الحل؟ الحل فى طباعة الصحيفة فى حجر القارئ ومكان إقامته، فى جميع محافظات مصر بديلا عن المطبعة المركزية العملاقة وتكاليفها الباهظة فى الصيانة وقطع الغيار وأسطول النقل الذى لا يغطى محافظات مصر بل ولا حتى أحياء القاهرة نفسها!. وهذا النوع من المطابع الدوارة الصغيرة ستوفر تكاليف مطابع الأوفست العملاقة، والمياه والتكييف والتبريد والعمالة والكهرباء والبناء ولاتشغل المطبعة أنك جيت مثلا أكثر من ركن فى غرفة صغيرة فى مبنى عادى وتطبع أى كمية من الصحف تحت طلب القارئ، وتوزع فى المدينة وضواحيها بدراجة أو تاكسى، كما يمكن عمل طبعات إقليمية برفع صفحة أو اثنتين من النسخة الأصلية التى يتم تجهيزها فى القاهرة أو مركز الطبع لتغييرها فى الإسكندرية أو الوادى الجديد أو العريش أو حتى حلايب أو مطروح التى لا تصلها الصحف من الأساس!. ولا يستغرق تغيير الصفحات حسب الطبعات إلا ثوان معدودات ونسبة الفاقد صفر لأنك ستطبع حسب الطلب والمسافة بين الطبع والقارئ لا تستغرق خمس دقائق!. أعرف أنه من الضرورى الآن الاتفاق مع وزارة الاتصالات والمعلومات على عمل أكواد للتصفح باشتراكات محددة لكتاب أو صفحات او خدمات عبر المواقع الالكترونية، وتشجيع الأقسام الصحفية - وليس الإنتاجية - على العمل من منازلهم ويكفيه يوم واحد للحضور أو يومان وليس أربعة أيام للاستفادة من الانترنت، لكنى مازلت أراهن على أن الأهرام هو المؤهل لقيادة هذه الثورة، وهى لا تصعب دراستها على الهيئة الوطنية للصحافة التى أصبحت تدير المؤسسات وتستطيع أن تخصص نسبة من ال 5% لإنشاء شركة لطباعة الصحف بالأقاليم!. وإذا كنا نسعى لإضافة قارئ جديد وإقناعه بأن الصحيفة تتفاعل معه وتعبر عن قضاياه فإن القارئ الكنز ليس فقط الأعمار الشابة المتمردة على أى سلطة ولكنه القارئ الموجود فى أعماق الريف ونجوع الصعيد والذى يعتبرنا «صحف حكومة» لأننا ننطق باسمها ونعيش فى العاصمة بعيدا عن همومهم ، أما طباعة الصحيفة فى قريته أو محافظته فستكون ضربة قاصمة لشعوره بالتهميش! لمزيد من مقالات ◀ أنور عبد اللطيف