خرجت علينا الأخبار تبشرنا أن حكومتنا تدرس خفض أيام العمل فى الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال إلى أربعة أيام. وتصبح الإجازة ثلاثة أيام. مع زيادة عدد ساعات العمل اليومية حتى لا يخل هذا النظام بالأداء المطلوب من الموظف. قيل فى الأسباب: حتى نحل مشكلات المرور المستعصية. وتهدأ الشوارع من الزحام بسبب ذهاب الموظفين لأعمالهم والعودة منها. بما يمكن أن يكون له تأثير إيجابى على حالة المجتمع وأدائه والصحة النفسية لأفراده. وقيل كلام عن ترشيد الإنفاق. وقيل أيضاً أننا فى أمس الحاجة للترشيد الآن. ونُشِر أيضاً أن رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، أصدر قراراً بتشكيل لجنة لدراسة المقترح برئاسة الدكتور صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة. الذى صرّح للإعلام فوراً بأنه تم تشكيل اللجنة برئاسته. وأن هدفها دراسة تقليص عدد أيام العمل ببعض الجهات الحكومية. وأكمل الدكتور الشيخ: أن اللجنة برئاسته تضم فى عضويتها ممثلاً عن وزارة التخطيط، وهيئة الرقابة الإدارية، وعضواً من أمانة الشئون التشريعية بمجلس الوزراء. ولفت إلى أن الخطوط العريضة للدراسة تقليص عدد أيام العمل ببعض الجهات الإدارية دون المساس بأجور العاملين، ودون الإخلال بإنجاز العمل وأداء الخدمات للمواطنين فى موعدها. التصريحات لا تنتهى، ومنها نعرف أن دراسة المقترح تتم وفقا لقرار مجلس الوزراء 1145 لسنة 2018، وأن الدراسة ستتم من خلال الاستماع لمقترحات الهيئات الحكومية فى القرار. وعن آلية العمل خاطبت اللجنة جميع الوزراء لسماع آرائهم فى الأمر. مع الاهتمام بشكل خاص بشركات المياه والغاز والكهرباء. وعلمت أن اللجنة استدعت أعضاء فى مجلس النواب وخبراء فى الإدارة لتطرح عليهم الفكرة وتستمع إلى آرائهم قبل البدء فى تنفيذها. لا بأس بما تم فى حالة واحدة كونه الحل الوحيد ولا مفر منه. ولا توجد أى حلول أخرى غيره. أيضا أن نضع فى الاعتبار الآثار الجانبية والنتائج السلبية لفكرة مد الإجازة يوماً جديداً بعد أن كانت يومين. من باب التذكير: فى ستينيات القرن الماضى كانت الإجازة يوماً واحداً فى الأسبوع. وكان العمل ستة أيام ممتدة. وكان المناخ العام يركز على أن الإنتاج هو الحل السحرى لكل مشكلات مصر وهمومها. وأن الاعتماد على النفس خير معبر عن معانيها وخير مبرز لخيراتها. وأن اللجوء لخارج البلاد يجب أن يتم فى أضيق الحدود الممكنة. وفى ظروف لا يوجد حل سوى الاستيراد فقط. سألت نفسى وأنا أتابع هذه الأخبار المتتالية، وأين رأى الشعب المصرى؟ من الذى اهتم بأن يعرفه؟ من الذى نزل للشارع ليسأل الناس الذين هم أصحاب الحق الأول والأخير فى الوطن عما يريدون؟ وعما يمكن أن يريحهم؟ ويستريحون له فى مصير عمل الأجهزة الحكومية؟. لن أناقش إلا عموميات. ولن أتوه فى الأرقام التى ربما يُتَوِّهنا فيها رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. وأنا لا أدرى ما علاقة جهازه بالأمر لكى يتولاه من الألف إلى الياء. على الرغم من قوله إن لديه فى الجهاز جهات تدرس الأثر النفسى والأثر الاجتماعى والأثر الاقتصادى لتطبيق القرار. هل يختلف أحد معى فى الأثر النفسى الناتج عن زيادة عدد أيام إجازات الحكومة يوما جديداً؟ ونظرة المواطن لحكومة من المفترض أنها تعمل فى خدمته ليلاً ونهاراً، تخدمه حتى وهو نائم فى بيته. تقدم له ما يبحث عنه حتى قبل أن يقوم بالبحث عنه. هذا هو مفهوم الحكومة فى الوجدان الشعبى المصرى. يتحدثون كثيرا عن مشكلة المرور. وما يقدمونه من حلول يشكل نوعا من الهروب إلى الأمام. فكثافة المرور لها حلول أخرى كثيرة. ويجب دراستها على الطبيعة. وأنا أكتب دون أن يكون لدىَّ يقين بأرقام السيارات. وشوارع مصر التى لا تحتمل الزحام. من البشر الذين يمشون على الأرصفة. ولا من السيارات التى تحتل نهر الشارع. فضلاً عن ركن السيارات صفوفاً متراصة بالشوارع التى تجعلها غير صالحة للسير. عندما أشاهد شوارع مصر المزدحمة أسأل نفسى أحياناً: ألا يمكن وضع ضوابط لاستيراد السيارات من الخارج؟ ولتصنيعها فى الداخل؟ ألا توجد فى وزارة الداخلية دراسات عن عدد السيارات المسموح بوجودها؟ وتحديد للرقم الذى يمكن أن يبدأ الخطر بعده مباشرة. والعمل على هذا الأساس. ما أتعس شعباً يجد نفسه أمام مشكلة. فلا يحددها ولا يعرف أبعادها ولا يدرك مخاطرها قبل أن يواجهها ويقتحمها. لأن المعرفة نصف الطريق للوصول إلى حلول صحيحة وحقيقية لمشكلاتنا المزمنة. أما أن نترك الوضع على ما هو عليه ونهرب إلى منطقة أخرى. فذلك يعنى أن المشكلة التى هربنا منها يمكن أن تلد لنا مشكلات أخرى ونتوقف بعد فترة ونردد المثل الذى يقول: - وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا. لو سألت نفسى عما تحتاجه مصر الآن، لقلت مصر فى أمس الحاجة للعمل والمزيد من العمل. والإدراك الجمعى لنوعية المخاطر التى تهدد بلادى وطريقة مواجهتها. ولا أعتقد أبداً أن مد الإجازة الأسبوعية من يومين إلى ثلاثة أيام يمكن أن يشكل حلاً لأى مشكلة من مشكلات الواقع المصرى الآن. كنت أتصور من المسئولين أن يعودوا إلى تجربة إجازة اليوم الواحد. وأن يتعاملوا مع المشكلات الناتجة عن ذهاب الموظفين إلى العمل والعودة منه. ثم ما هو رقم الموظفين فى مصر كلها الذى لا يتعدى ستة ملايين موظف. الذى يمكن أن يربك الحياة اليومية فى شوارع مصر. لدرجة أن نزيد من أجلهم الإجازة يوماً جديداً. هذا النمط من التفكير يمكن أن يوصلنا فى النهاية لأن يكون الأسبوع كله إجازة. أو ربما فكرنا بهذه الطريقة فى أن يقوم الموظفون بأعمالهم من منازلهم. ولا يكلفون أنفسهم عناء الذهاب إلى أماكن العمل. ألم نصل إلى العالم الافتراضى الذى قضى على المسافات والبعد والقرب؟ وجعل مستحيلات الزمن الماضى ممكنات سهلة التطبيق. بل متاحة. لعبد الرحمن الأبنودى بيت شعر جميل: - إذا مش نازلين للناس، فبلاش. عودوا للناس. اسألوهم. استمعوا لهم. هم أصحاب المصلحة الجوهرية والأساسية فى وطننا. لمزيد من مقالات يوسف القعيد