آه يازمن.. ضاع فيه الحب وسيطرت الكراهية والعنف والإجرام حتى بين أفراد الأسرة الواحدة. فهذا رجل يقتل زوجته وأبناءه فى الحى الشهير، ويبقى السؤال: هل هى الديون أم الأمراض العقلية والنفسية ، أم أن هناك أسبابا أخري؟.. أم تقتل طفلها الصغير لأنه شاهدها فى أحضان عشيقها.. أم أخرى من دمياط تلقى بطفلتها فى الترعة لتموت غرقاً لأن زوجها يكره إنجاب الإناث.. وفى محافظة الإسكندرية غاب إحساس الأبوة وتجمدت مشاعر الأب الذى أراد تأديب ابنه فظل يضربه بلوح خشب حتى الموت.. فلماذا تسللت الجريمة من الشارع إلى داخل الأسرة؟ ولماذا تحول الدم بين أفرادها فى لحظة ضعف أو غضب إلى مياه؟ تعالوا نبحث معاً عن الإجابة فى هذا الموضوع. د. محمود عبد الرحمن حمودة أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر يقول: إن الأسرة المصرية منذ عدة عقود حدثت بها متغيرات بسبب عناصر اجتماعية وتربوية كثيرة، عندما تغيب الأب للعمل بالخارج لسنوات، وتهتم الأم بعملها أكثر من اهتمامها بالبيت والأبناء.. فأصبح هناك انفصال بين الأولاد والأب والأم ومعها سيطر التفسخ الأسرى وفقدان الإحساس وتبلد المشاعر والعواطف الذى أدى بالضرورة إلى سيطرة العنف بين أفراد الأسرة الواحدة.. والطامة الكبرى انتشار الألعاب المليئة بالعنف وكذلك «الانترنت» بما فيها من المواقع الإباحية.. وهناك الزحام السكانى فى أحياء ضيقة أدت إلى وجود الشروخ والخلل التربوى والأنانية وغياب القدوة وانتشار الجريمة والميل إلى العدوانية مع انتشار المخدرات. الاستفزاز الإعلامى ويرى أستاذ الطب النفسى أن المنظومة الإعلامية مسئولة أيضاً عن انتشار عنف الأسرة بسبب الأفلام التى تروج للعنف والبلطجة والمسلسلات الدرامية التى تظهر القصور والفيلات الفاخرة وتظهر عناصر الرفاهية الزائدة مما يبث فى النفوس الضعيفة الوهن والضعف والتطلع وفساد الأخلاق فيحدث العنف الأسرى ويؤدى الاستفزاز الإعلامى كذلك إلى السخط والكراهية بين أفراد الأسرة فكل شخص من حقه أن يحلم حسب قدرته ولكن إذا كانت أحلامه أكبر من طموحاته وقدراته فيؤدى ذلك إلى العنف، ويتحول كل فرد داخل تلك الأسرة إلى وحش كاسر دون قلب رحيم، ومن هنا فالمنظومة الإعلامية مطالبة بتقديم الصدق والمنطق والواقع وتبعد عن الأحلام الزائفة حتى يعيش الجميع الواقع وليس الأحلام المحطمة. صراع الأزواج توضح د. هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع أن العنف الأسرى لدى بعض الأسر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمتغيرات الدوافع والكوامن النفسية والاجتماعية.. فالمواطن ابن التنشئة والتربية الأولي.. أقصد الطفولة المبكرة، تتراكم الأحداث داخله خاصة لدى الأطفال الذين ينشأون فى بيئة اجتماعية سليمة، فهم يخرجون للمجتمع أسوياء أصحاء وينضجون ليكونوا آباء وأمهات صالحين على العكس عندما يخرج النشء محطماً نفسياً فيصبح قنبلة عندما تتحول المنازل إلى ساحات للمعارك، وتحاول الزوجة السيطرة على المنزل، والزوج هو الآخر يسعى جاهداً ليكون صاحب الكلمة.. ومعها يضيع الأولاد خاصة لدى الطبقات الفقيرة التى تنجب بكثرة فنجدهم يعانون تدنى الخصائص السكنية والصحية والتعليمية، ومعها ينتشر العنف الأسري. وتوصى د. هدى لعلاج العنف الأسرى بضرورة الاهتمام بالتربية السليمة داخل الأسرة ومناهج الأخلاق والدين داخل المدرسة وشرح القيم فى وسائل الإعلام. محاذير مهمة ويشير د. سيد صبحى أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة عين شمس إلى أن ما حدث هو نوع من أنواع الخلل فى الأشخاص أنفسهم، وتحملهم العبء الأسرى وليس فى المجتمع ذاته، فالأسرة المصرية مازالت متماسكة ومترابطة رغم المشكلات الإقتصادية. والأب المصرى لايزال هو الأب الذى يراعى مرضاة الله فى كل ما يفعله، وكل ما يحصل عليه من رزق، رغم البعد الاقتصادى الذى نعانى منه جميعاً، فدائماً الأب المصرى يتحمل.. والأم المصرية ترعي.. فلا نستطيع أن نجعل منها ظاهرة تنتشر، ولكن جميعها وقائع لها أسباب ولها دوافع معينة. من هنا نستطيع أن نضع مجموعة من المحاذير أمام الأسرة المصرية أهمها ما يلي: - على الأب أن يعلم أن دوره القيادى يلزمه الحرص على الحنو والمودة فى التعامل مع زوجته لأنها أم أبنائه وشريكة الحياة التى اختارها أماً لأبنائه. - إشراف رب الاسرة على أبنائه الإشراف الذى يتميز بالعطف والحنو والفهم المتبادل. - ضرورة حرص الأب على أن يتحمل المسئولية كاملة كربان سفينة بها الأسرة، وذلك رغم البعد الاقتصادى الذى دفع الأب أن يعمل أعمالاً كثيرة غير عمله الأصلي، ينبغى أن لا يعيقه عن القيام بدوره فى الإشراف اللصيق على أبنائه وزوجته. ومن هنا ينبغى أن ننبه الأذهان إلى أن الأسرة هى الحضن الاجتماعى الذى يجب أن نساعده على أن يكون دافئاً وعطوفاً. وتتم المساعدة من خلال الاهتمام بالزوجة الأم والأبناء بنين وبنات.. تلك هى القضية.. قضية اهتمام تبعدنا أن نسمع أو نرى عن جرائم أسرية كما سبق وذكرنا فى المقدمة.. فالتعميم مرفوض، ولكننا ننبه الأذهان لأهمية دور الأسرة، ونحرص على أن نقدم لها التسهيلات التى تمكنها من أداء دورها الأداء السليم.