هزت حادثة مقتل سيدة برصاص زوجها المجتمع المصري الذي صدمة ان تحدث هذه الجريمة من زوج علي درجة من الوعي.. وحتي وإن لم تكن تلك الحادثة هي الأولي فإنها أصبحت مؤشرا وجرس إنذار علي انتشار العنف الأسري وتفكك المجتمع وانعدام الثقة وتلاشي الأحساس بالأمان الذي ربما يصل إلي تلاشي فكرة الأسرة ذاتها... فقد انتشر الجفاء بين الأب وابنائه وبين الأم وابنائها وبين الزوج وزوجته, مما أدي إلي ظهور العقد النفسية التي تطورت إلي حالات مرضية وسلوكيات عدائية وإجرامية. وتعد ظاهرة العنف من الظواهر القديمة في المجتمعات الانسانية, فهي قديمة قدم الأزل, وقد تطورت وتنوعت بأنواع جديدة, فأصبح منها العنف السياسي, والديني, والأسري الذي تنوع وانقسم هو أيضا إلي العنف الأسري ضد المرأة والعنف الأسري ضد الأطفال والعنف الأسري ضد الشباب وضد المسنين. وقد بينت الدراسات أن الزوجة هي الضحية الأولي للعنف الأسري وان الزوج بالتالي هو المعتدي الأول, يأتي بعدها الأبناء والبنات كضحايا, إما للأب أو للأخ الأكبر.. ويتنوع العنف الأسري ما بين العنف المقصود الواعي الذي يشمل جميع الممارسات العدوانية الواعية المدعومة بإرادة واصرار سواء أكانت مبررة أم غير مبررة وتوجد أشكال متعددة لهذا النوع من العنف أو العنف غير المقصود الذي يشمل الاعتداءات الجنسية علي الأطفال الذي يحدث غالبا بفعل تأثير المخدرات, وكذلك الهياج والتصرفات الخارجة عن المعايير, والحرمان من حاجات الطفولة, مثل: التعليم والصحة والغذاء الكافي والمناسب. ومن أسباب العنف الأسري كذلك الجهل بأصول التربية, فالكثير من الأمهات يرددن عبارة ابنائي لا ينفع معهم إلا الضرب وأيضا الضغط النفسي الذي يفرضه الزوج علي زوجته, وعدم التوافق بين الزوجين وسرعة الغضب وعدم كظم الغيظ والتدخل من قبل أهل الزوج أو الزوجة في كل كبيرة وصغيرة, وهذا يجعل الزوجين يثوران لأدني سبب ولا يقومان بحل مشاكلهما بأنفسهم بروية وعقلانية. وعن التحليل العلمي لهذه الظاهرة أكدت الدكتورة نجوي خليل مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ان أغلب جرائم القتل والعنف التي تحدث في إطار الأسرة يغلب عليها أسباب خاصة بعدم الحرص علي كرامة الآخر, وعدم توافر عناصر المودة والرحمة الواحدة, وكذلك بسبب الاحتياج إلي بدء حياة زوحية, وتوفير مسكن, وبالتالي يحدث صراع بين الأخوة, أو بين الوالدين والابنة أو الابن للحصول علي سكن لهم لأسباب خاصة بالميراث في المناطق الريفية, إلي جانب ضغوط الحياة اليومية سواء من حيث الزحام وعدم توافر القدرة المالية لتغطية احتياجات الأسرة, إلي جانب عدم توافر القدر المناسب من التعليم والثقافة الدينية اللازمة لتفادي حدوث أي نزاعات داخل الأسرة الواحدة. فعندما يحدث خلاف في أسرة يمكن مواجهته بالحوار الهادئ, الذي يعرض وجهة النظر ووجهة النظر الأخري التي تناقضها من أفراد الأسرة الواحدة سواء كانوا زوجين أوأبناء ووالديهم أو أشقاء مع بعضهم البعض أو أفراد الأسرة الواحدة مع أولاد عمومتهم أو اخوالهم بسبب خلافات أخري خاصة بحقوق مالية أو تمس الكرامة. تغير اجتماعي وأضافت د. نجوي أن المجتمع يمر بحالة تغير في أسلوب المعيشة اليومية واحتياجاتها فقد صارت التطلعات الحياتية أكبر من قدراتنا, وهذا قد يدفع البعض من قليلي المعرفة إلي العنف مع الآخرين للحصول علي مكاسب ليست من حقهم, في حين أنه يمكننا لتحقيق ما نتمناه أن نزيد من جهودنا في العمل, وندقق فيه, بحيث نكون مطلوبين, فأي فرد ناجح في عمله تطلبه الكثير من الجهات, وبالتالي يزيد دخله ورزقه, إلي جانب ذلك فمن الممكن أن يحصل الانسان علي احتياجاته من خلال أفراد أسرته بمساعدة بعضهم البعض بالاتفاق وليس بالنزاع. موضحة أن الوضع المجتمعي في شكله الحالي سيؤدي إلي تصدع الكثير من الأسر التي لاتعرف السبيل. القويم لعلاج المشكلات والخلافات الأسرية داخل الأسرة الواحدة بحوار متعمق ومتزن والرجوع لكبار الأسرة, والعائلة والعمل بنصحهم وإرشادهم, لأن ذلك في النهاية يصب في مصلحة الأسرة. تسهيل الجريمة من جانبها أكدت الدكتورة مها الكردي استاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن السبب الرئيسي في زيادة نسبة العنف الأسري بأشكاله المتعددة المتمثلة في العنف, الفظي وصولا إلي العنف البدني, الذي يصل الي درجة القتل هو زيادة جرائم العنف المتعددة في المجتمع, وتكثيف إلقاء الضوء عليها من قبل وسائل الإعلام الأمر الذي جعل الجريمة سهلة وبسيطة لدي المتلقي مما جعله يعتاد الجريمة. وعلم النفس يقول إن تكرار مشاهدة أمر معين بصفة دائمة يجعل الانسان يتعود عليه وقد يمارسه بسهولة فمشاهدة أفلام الرعب تؤدي إلي نوع من التخفف النفسي للضغوط الحياتية, لأن المتلقي يتوحد بالمشاعر, والأدهي من ذلك أن هناك كثيرين لديهم عدم نضج انفعالي وبالتالي تجدهم دائما يرغبون في تقليد مشاهد العنف المختلفة سواء داخل محيط الأسرة أو خارجها. علما بأن أول مراحل العنف هو العنف الأسري فالأب والأم يمارسانه علي الأولاد والاخوة يمارسونه علي بعضهم البعض, وبالتالي فإن هذا العنف يصل مع الوقت للخارج. وأضافت د. مها حل مشكلة العنف الاسري يتمثل في القيام بتنشئة جيل جديد يعرف كيفية التعامل مع الآخر باحترام, وليس بعنف وأن يساعد المجتمع كله علي ذلك بدءا من الأسرة والمؤسسات الدينية وكل الكيانات, وكذلك بتطبيق القانون علي الجميع بعدالة وعدم البطء في اجراءات التقاضي وتحقيق العدالة حتي نقضي علي ظاهرة الحصول علي الحقوق بالأيدي. ظاهرة عالمية من جهتها أكدت الدكتورة إيمان الشريف أستاذ علم النفس الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن العنف الأسري منتشر علي مستوي العالم سواء في الدول المتقدمة أو في الدول النامية وفي مصر ينتشر العنف الأسري بكثرة في المناطق الحضرية ويتقلص في الارياف خاصة في الوجه القبلي( الصعيد) وذلك بسبب اختلاف نظام الزواج في الحضر عنه في الريف, حيث يتميز في الحضر بأنه يتم في أغلب الاحيان دون تكافؤ ما بين الزوجين في المستوي المادي والتعليمي والاجتماعي والثقافي وما يؤدي- خصوصا عند الرجل الي شعور بعدم المساواة مع الزوجة وبالتالي يحدث نوع من الكبت الداخلي للاحساس, والشعور بالنقص ويترجم ذلك في عدة مشاهد عنيفة من الرجل تجاه المرأة تبدأ بالالفاظ, وتصل إلي حد العنف السلوكي بالمعاملة السيئة والاهانات وغياب الود والرحمة وبالتالي يكون رد فعل الزوجة مبادلته التصرفات ذاتها لتصل الامور إلي العنف البدني الذي قد يتطور الي القتل. وبالنسبة لعدم وجود احصائيات للعنف الأسري ونسبته في المجتمع أشارت د. ايمان الي أن ذلك يرجع لصعوبة حصرها لأنها لا تمثل الارقام الحقيقية للأسرة لأن غالبية المشاكل لا يتم اعلانها, بل تفضل الأسرة التغطية عليها كما يوجد تسامح إلي حد كبير داخل الاسرة في حالات العنف ولا يتم الاعلان عن المشكلات الكبري مثل القتل وغيره, وأوضحت أن أي مجتمع يكون فيه الكثير من المتناقضات مثل الفساد الاجتماعي والاخلاقي, فإن ذلك يؤدي إلي كثير من الانهيار, ولكن لابد أن يكون لدينا أمل في الإصلاح, وفي حياة أفضل. حراك عنيف ويري الدكتور محمد عبد الظاهر أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس وعضو المجالس المتخصصة أن العنف الاسري يشبه العنف المدرسي, وعنف الشوارع, وهو يحدث نتيجة عنف متبادل بين أفراد المجتمع وبعضهم البعض, وبين الحكومة وأفراد المجتمع, وهو له اشكال متبانية قد يكون لفظيا أو جسديا. وبطبيعة الحال هناك عوامل دولية وإقليمية أدت إلي تصاعد العنف, فأمريكا, وهي اقوي دول العالم, والتي تعد القدوة والمثل الأعلي, تحل مشكلاتها بإستخدام العنف, كما حدث في العراق وافغانستان, وكذلك هناك عوامل اقليمية فالقوة في المنطقة هي التي تحل المشكلات, وبالتالي فإن ثقافة العنف أصبحت ثقافة سائدة وأصبح الناس ينظرون إليها علي أنها قوة, ولذلك ليس من الغريب أن تتشابه المواقف بين الدول والأفراد, وأصبح العنف هو الوسيلة والمثل لحل المشكلات, فكان لابد من أن ينتقل ذلك إلي الابناء وإلي الآباء عبر وسائل الإعلام والاحداث اليومية, كما أن الحراك الاجتماعي داخل المجتمع يتسم بالعنف, فهناك طبقات تتجه إلي أسفل بعنف وهناك طبقات تتجه إلي أعلي أيضا بعنف, وهذا نتيجة سلوكيات غير مشروعة يقرها المجتمع, ولا يقاومها مما يوجد مناخا يتسم بالعنف.