قطري يقتل أخته ويصيب الأخري بأرض اللواء.. المذيع إيهاب صلاح يقتل زوجته.. سيدة تتخلص من زوجها شنقا.. أب يقتل ابنتيه.. ابن يذبح والده في المسجد.. عناوين أصبحت تتكرر يوميا علي صفحات الحوادث ولا تختلف إلا التفاصيل, حتي صارت حدثا عاديا لم تعد ترتعب منه الآذان ولا تقشعر له الأبدان.. وكأن البيت المصري قد تحول إلي مسرح للجريمة.. وكأن القتل أصبح الحل الأمثل للمشكلات الأسرية.. وبعد أن كان جريمة مخططة أصبح يحدث كل يوم. أما المتهمون فصاروا أشخاصا عاديين, رب أسرة وأم, وأخ وابن, تحولوا في يوم وليلة إلي مجرمين. أما الضحية فهم أقرب الأشخاص إليهم.أحمد الشريف محاسب يري أن أغلب الجرائم تتم بسبب الوصولية والأنانية فالزوج يقتل طمعا في أموال الزوجة, والزوجة تقتل بسبب الخيانة. والغريب أن تصل الأمور داخل الأسرة الواحدة إلي درجة القتل.ويوضح سامي شاكر مدرس ألا أحد يقدم علي هذه الخطوة إلا إذا كان يعاني من مشاكل نفسية متراكمة ومزمنة. ويري ضرورة وجود تكافؤ بين الزوجين علي المستويين الاجتماعي والثقافي ليكون الزواج ناجحا علي الأقل من الناحية النظرية.أما محمود حسن عامل فيتعجب من ارتفاع معدلات العنف داخل الأسرة والتي يكون سببها خلاف أسري بسيط ولأسباب غير مقنعة لزهق روح إنسان, ويري أن الزوج لديه رخصة للتخلص من زوجته بالطلاق دون الحاجة إلي العنف. كما يتعجب من أن بعض مرتكبي هذه الجرائم من المثقفين.وتوضح سميرة تاج الدين موظفة أن هناك موجة من العنف تسيطر علي الشعب المصري, مؤكدة أن أي جريمة تحدث داخل الأسرة تكون فضيحة للطرفين ودمارا للأسرة بأكملها بسبب لحظة غضب عمياء. ولا تفضل أن يوجد السلاح داخل المنزل لأنه من المفترض أنه سكن للرحمة وللسكينة. أما سوزان سليم موظفة بشركة طيران فتري أن مرتكبي الجرائم يكونون في حالة هوس عقلي وقت ارتكاب الجريمة, وتطالب بأن تقوم وزارة الداخلية بفحص نفسي لكل حاملي السلاح المرخص مع تشديد شروط الحصول عليه حتي لا يتحول حاملوه في لحظة إلي مجرمين.العنف نتيجة العجز وعن انتشار ظاهرة العنف داخل الأسرة المصرية تقول الدكتورة عزة حجازي أستاذة علم الاجتماع إنه نتيجة العجز في إقامة علاقات أسرية سوية, مع حالة الغليان التي يعيشها الواقع المصري ساهمت في تزايد معدلات الإجرام والبلطجة, كما أن الجو المحيط أصبح بيئة جيدة لتزايد معدلات الجرائم في المجتمع, مع تلاشي السلام الاجتماعي داخل وخارج الأسرة. وكذلك مشاهدة أفلام العنف والقتل التي تكثر فيها إراقة الدماء دون أي تحفظ, مما يعطي نموذجا للرجل القوي الذي يجذب انتباه الجميع فيتوحد معه الطفل وتنمو بداخله نزعة العدوان والسيطرة علي الآخرين. وتؤكد الدكتورة عزة حجازي أن المجرم لا يشعر بالندم, بل يشعر أن من حوله هم من أساءوا إليه. خصوصا مع غياب القدوة الحسنة والوعظ الديني السليم, مضيفة أن هناك مناطق في مصر تكون فيها عمليات الذبح علنا وفي الشوارع ولا يمكن اقتحام هذه الأماكن من الأمن حتي الآن. وتحمل عزة حجازي رموز المجتمع المسئولية كذلك بل تعتبرهم شركاء رئيسيين في الجريمة, فالأستاذ الجامعي مثلا حسب قولها يتبادل الألفاظ السيئة مع الطلبة, متوقعة زيادة معدلات الجريمة بشكل عام في الفترة القادمة, وتقول: هناك حالة من العدائية والعدوان, وما لم نبحث عن سبل التماسك الأسري والمبادئ الأخلاقية في المجتمع للوصول إلي توازنات اقتصادية واجتماعية ستظل الجريمة قائمة وستزداد عن معدلاتها الحالية.وتشدد أستاذة علم الاجتماع علي دور الأم والأب في تربية النشء لما لهما من مسئولية اجتماعية, وأن يحرصا علي استخدام لغة الحوار مع أبنائهما لتحقيق التغيير الجذري في الأخلاقيات السيئة المنتشرة, حتي لا يؤدي ذلك إلي شلل المجتمع. وتقول إنه في الدول المتقدمة تقل نبرة العنف عن الدول النامية. أما في مصر نفسها فينتشر العنف في المناطق الحضرية عن الريفية نتيجة عدم التكافؤ بين الزوجين علي المستويات المادي والتعليمي والاجتماعي والثقافي ونتيجة عدم المساواة داخل الأسرة الواحدة. الإحباط= الإجرام ويؤيدها في الرأي الدكتور عبد اللطيف خليفة أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة يؤكد أن تزايد معدلات الإجرام يرجع إلي ارتفاع موجة الإحباط نتيجة التطلعات العالية وانتشار القيم السوقية, مضيفا أن هناك خللا في منظومة الضبط الاجتماعي وهي التي تحدد ما هو السلوك الصحيح والخاطئ, خاصة مع تزايد معدلات الإدمان وارتباطها بالجريمة, لأن المدمن لا يري أمامه, ويدوس علي أي شيء دون النظر إلي علاقات حميمية. ويؤكد خليفة أن النماذج الإيجابية بدأت تتلاشي في المجتمع وتبرز النماذج السلبية فقط. كما أن الجريمة أصبحت لا ترتبط بمستويات اجتماعية منخفضة, خصوصا مع غياب المؤسسات الدينية التي تروج إلي الخطاب الديني المعتدل البعيد عن التطرف. مضيفا أن الجريمة أنشبت مخالبها داخل الأسرة بشكل أكبر نتيجة زيادة الاحتكاكات بين أفرادها بما يؤدي إلي سهولة ارتكاب الجريمة. أما الدكتور أحمد البحيري أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس فيقول إننا نفتقد مهارات التواصل والاعتراض علي الآخر, ونفتقد القدرة علي التفاهم, فتجد الغوغائية هي السمة الأساسية في الحديث والتصرفات اليومية, مع عدم الثقة في القضاء, فيري البعض أن الحل في البلطجة علي طريقة( آخذ حقي بالذراع), ولذا يجب تعليم الأبناء الفنون والروحانيات والتواصل والتحمل والصبر ويؤكد البحيري أن المجرم ضحية ثقافته, ويقول هناك أساليب كثيرة للتعبير عن الغضب منها الخصام مثلا, ولكن الوصول إلي درجة الانتقام والقتل فهو إذا ضحية اضطرابات نفسية. متابعا: إن أهم الأسباب التي تؤدي إلي تزايد معدلات العنف موجة الغزو الثقافي غير المقبول والعولمة التي لم تحافظ علي التراث الهادئ, فساعد ذلك علي تكسير القيم دون أن يقدم البديل. والكارثة الكبري هي تقبل الناس لفكرة الإدمان بشكل عادي والنظر إليها كالشاي والقهوة, فكيف للمذيعين الذين ينقلون الأخبار للناس أن يتحولوا إلي مدمنين ؟ رموز المجتمع فيما تؤكد الدكتورة إيمان الشريف أستاذة علم النفس الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن دخول رموز المجتمع في دائرة الإجرام ليس غريبا لأن المجتمع حسب رأيها مليء بالتناقضات, وتقول: أغلبهم يظهر ما لا يبطن, ففقدنا رمز القدوة. ويمكن تحليل حادثة المذيع إيهاب صلاح علي أنها عنف أسري نتيجة عدم توافر عنصر التكافؤ بين الزوجين في المستوي الاجتماعي والثقافي والفكري مع تعنت الزوجة في المعاملة مع زوجها الند بالند. وتوضح الدكتورة إيمان الشريف أن معايير التقسيم الاجتماعي اختلفت, ففي الماضي كانت فئات المجتمع مقسمة إلي بهوات وبكوات وزراع وصناع, أما الآن فحدث دمج لتلك الفئات. وتقول إنه كان من المعروف أن المستويات العليا أقل في مستوي العنف للحفاظ علي الوجاهة الاجتماعية والثقافية. مؤكدة أنه لا توجد إحصائيات أو أرقام محددة عن معدلات العنف الأسري لأن أغلبها محاط بالسرية, ولا تخرج عن نطاق الأسرة, مؤكدة أن أي أرقام معلنة لا تعبر عن الحقيقة. وتقول: كما أن العنف الأسري نفسه في معناه غير محدد ويختلف من دولة لأخري, ففي أمريكا إذا قامت الزوجة بتحضير الطعام لزوجها وأعرض عنه يعد هذا عنفا ضدها, أما في البيئة الريفية فالزوجة إذا لم يقم زوجها بضربها فتعتبر ذلك عدم اهتمام بها وتجاهلا لها. الإعلام السلبي ولمعرفة دور الإعلام في تزايد معدلات العنف والجريمة في المجتمع تقول الدكتورة ثريا بدوي أستاذة الاعلام : إن للإعلام دورا كبيرا في انتشار الجريمة في المجتمع نتيجة تناول وسائل الاعلام كافة تفاصيل الجريمة وأبشعها, فأخلاقيات الإعلام لا تقبل الإثارة, ويجب للإعلام أن يتعامل مع الجريمة علي أنها جريمة بصرف النظر عن مرتكبيها سواء كانوا من رموز المجتمع أو أشخاصا عاديين.ويوافقها في الرأي الدكتور سعيد السيد أستاذ الإذاعة بإعلام القاهرة ويؤكد دور الإعلام في انتشار الجريمة ويقول: إن ذلك بسبب التناول الخاطئ لتفاصيل مخجلة عن الجريمة لا تفيد القارئ في شيء, بالإضافة إلي أن الأزواج أصبحوا لا يتقنون لغة التعامل مع بعضهم البعض. كما أن العنف الذي تمتلئ به نشرات الأخبار قد يؤثر علي مقدميها.وتؤكد الدكتورة فوزية عبدالستار أستاذة القانون ورئيسة اللجنة التشريعية بمجلس الشعب أن معدلات الجريمة تزايدت بشكل مخيف خلال الفترة الأخيرة نتيجة العديد من العوامل وأولها العوامل الاقتصادية مثل تزايد معدلات الفقر.وتقول: فمثلا العاطل الذي لا يكفيه دخله لقضاء احتياجاته الضرورية يقبل علي الجريمة إرضاء لطموحاته. ويبدأ الحادث بالسرقة وينتهي بالقتل.وتعيد الدكتورة فوزية عبدالستار التأكيد علي أن الإعلام له دور كبير في تزايد معدلات الجريمة بسبب متابعة نشر حوادث الجريمة بهذه التفاصيل المثيرة.متسائلة عما يفيد القارئ في معرفة التفاصيل؟ وتقول: وكأن الإعلام بذلك يقدم دروسا في الجريمة, والدليل علي ذلك مثلا حادث الشاب الذي مات منتحرا فوق كوبري قصر النيل وتكرر الحادث بتفاصيلة بعد ذلك, وكذلك حادث السيدة التي قتلت زوجها بالساطور وأصبحت مضربا للمثل لفترة طويلة, وتكرر نفس الحادث بشكل ملفت النظر. وترجع فوزية عبدالستار السبب في نشوب الخلافات الزوجية التي تؤدي أحيانا إلي القتل إلي المفهوم الخاطئ للمساواة بين الرجل والمرأة, ونقول إن لكل منهما دورا وطبيعة بشرية مختلفة, وكذلك يختلف الدور الاجتماعي المنوط به كل منهما. وبعض السيدات تسيء استغلال حقوقها وتجدهن يتكبرن علي أزواجهن حتي في تقديم كوب الشاي مثلا, وتعتبره بعضهن نوعا من الإهانة. كما أنه سابقا كان احترام الزوج لزوجته شيئا مقدسا رغم انخفاض مستوي تعليمها, أما الآن فلغة الحوار الأسري اختفت وأصبحت العلاقة عدائية بين الزوج وزوجته ولا توجد المودة والرحمة التي حثت عليها الشريعة الإسلامية.أما عن العقوبة في حالة مثل قتل الزوج لزوجته فتقول فوزية عبدالستار: إنها تتدرج من السجن المؤبد مدي الحياة, وتصل الي25 عاما, إلي السجن المشدد من3 إلي15 سنة, ويحكم فيها القاضي حسب تقديره. وإذا كان القتل مصحوبا بجناية أخري مثل تعاطي المخدرات فقد تكون عقوبته الاعدام. وقد تهبط العقوبة المقررة قانونا درجة( سجن مؤبد) أو درجتين( السجن المشدد) بتوافر عامل استفزاز الزوجة.أما الدكتور إمام حسين أستاذ القانون الجنائي فيقول إن العنف الأسري من الظواهر التي يصعب علينا الوصول إلي إحصائيات سليمة بشأنها, والسبب الأول فيها انتشار وسائل الإعلام والتكنولوجيا, فأصبحت الجريمة الواحدة يتم تناولها بأكثر من وسيلة وشكل, والخبر الصغير يتضخم لإحداث( شو) إعلامي وإثارة. فعلي الرغم من وقوع جرائم مروعة في القرون الماضية فإنها لم تأخذ نفس الضجة الإعلامية.ويضيف حسين: أنه من الملاحظ أن أغلب مرتكبي الجريمة الأسرية غير محترفين وينفذون جرائمهم بأبشع الصور وبأساليب غير متوقعة وغير مخططة, وأغلبهم غير مسجلين كمجرمين مما يصعب من توقع الجريمة أو الوصول إلي مرتكبها أحيانا. بالإضافة إلي أن كل الفئات والطبقات أصبحت مرشحة للعنف والجريمة مع أي مثير خارجي, خصوصا مع عدم الثقة في القانون والتباطؤ في الإجراءات القانونية, وعدم ثقة الكثيرين في العدالة.أما أسباب مثل هذه الجرائم فيلخصها الدكتور إمام حسين في التكالب علي الثروة والطمع وتعاطي المخدرات. ويقول إن الغريب في الأمر أن التعاطي أصبح فعلا عاديا, وعلي الجهات المسئولة التأكد من أخلاقيات العاملين في الإعلام تحديدا لأنهم قدوة. وأن يكون التناول الإعلامي للجرائم بهدف تعديل سلوكيات الناس وليس لمجرد الإثارة.وعن غياب الوازع الديني ودوره في تلك الجرائم يقول الدكتور عبدالمنعم بري الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر : إن غياب التربية الروحية والوازع الديني جعل الإجرام يتزايد في المجتمع, فنحتاج إلي لفت النظر باستمرار إلي قيمة الأخلاق. ولا شك أن الإعلام وافتقاده لتقديم التربية الدينية السليمة له دور كذلك, وهذا يحتاج من الأسرة إلي تربية النشء الجديد دينيا وروحيا بشكل سليم للوقوف أمام الهجمة الشرسة التي تهدد البيت المصري. وتابع قائلا: جرائم القتل أصبحت أكثر بشاعة لأن السلبيات المحيطة بنا أصبحت أكثر من الإيجابيات مع أفلام العنف التي تغرس السلوك العدواني وتدفع الناس الي المغامرة والتقليد, مما جعل الحوادث تتكرر كل يوم ونقف أمامها مدهوشين حائرين لانهيار قيم المجتمع وأهمها القيم الأسرية وتحلل الترابط الأسري. لذا يجب خلق قنوات تواصل مفتوحة بين الأب والأم لتنشئة أبنائهما علي التعاطف والصداقة لا علي التدليل أو العنف. ويقول القس رفعت فكري راعي الكنيسة الإنجيلية : إن الجريمة موجودة في المجتمع منذ أن وجدت الخليقة بقابيل وهابيل ومع تزايد الضغوط النفسية والاقتصادية تتزايد معدلات العنف داخل المجتمع. والمشكلة الأكبر هي وجود السلاح داخل المنزل وهذا يتطلب ضبط النفس لمقتني الأسلحة لأن الجريمة تتولد نتيجة تداخل العديد من الأمور منها عدم ضبط النفس وتوفر السلاح مع توافر عامل الاستفزاز.ويؤكد فكري أن هناك العديد من العوامل تساعد علي الجريمة مثل حدوث العزلة والفرقة داخل المنزل, ويقول نحتاج إلي أن ينزل الخطاب الديني من السماء الي الأرض ليمس الواقع العملي ويركز علي توافر الحب والتسامح والغفران وأن نسمع لبعضنا البعض, وأن نتعلم كيف نحل مشاكلنا بهدوء. وأن يحترم الزوج زوجته. والاقتناع بأن التنازل عن الرأي ليس جريمة. ففي الوقت الذي تزداد فيه مظاهر التدين في كل مناحي الحياة نجد الأخلاق العامة في حالة انهيار تام.