مذيع يقتل زوجته لأنها صفعته. وسائق يقتل تسعة لأنهم أهانوه. حفيد يقتل جدته من أجل 100 جنيه.. وشقيق الزوجة يقتل شقيق الزوج أثناء الصلح.. عامل يقتل صهره بسبب الخلاف علي الميراث.. ابن يقتل أباه في المسجد لرفضه مساعدته للزواج. مليئة صفحات الحوادث كل يوم.. في كل المطبوعات بسطور قاتمة من النوع العنيف.. ملئ العالم حولنا بمن يمارسون العنف. فقتل المذيع إيهاب صلاح قارئ نشرة الأخبار بالتليفزيون المصري لزوجته ماجدة كمال.. هو الذي أثار الزوبعة فقد اختلط الحابل بالنابل.. وقامت الدنيا ولم تقعد حول ظاهرة العنف.. ولن تكون حادثة المذيع هي الأخيرة ولكنها هي التي حركت المجتمع.. لنبحث حول ثقافة العنف ودور كل من البيت والمدرسة ووسائل الإعلام أيضاً وبالذات برامج التوك شو وصفحات الحوادث.. وصانعي لعب الأطفال وبالذات "بلاي استيشن".. العنف تحول في السنوات الأخيرة إلي أسلوب حياة وتحول إلي ظاهرة عالمية جعلته يحظي باهتمام علمي معاصر تعقد من أجله الندوات والمؤتمرات.. واللقاءات الفكرية كما أدخلتها الجمعيات الأهلية ضمن برامجها لمحاربة العنف. اعتدنا مشاهدة أعمال العنف في نشرات الأخبار وفي أفلام السينما.. وفي مسلسلات الدراما حتي تحول واحد من مذيعي نشرات العنف ليصبح هو في دائرة العنف. وحتي الآن ورغم كل هذه المظاهر لم نعد نعرف ما هو المقصود بالضبط بكلمة العنف.. فمن الناحية اللغوية كلمة العنف تعني الغلظة والصلابة وتعني أيضاً الإكراه المادي الواقع علي شخص لإجباره علي سلوك ما.. وبعبارة أخري هو سوء استعمال القوة.. وفي اللغة الإنجليزية هناك أكثر من مفهوم للعنف يختلف من قاموس لآخر.. ففي قاموس راندم هاوس يبرز ثلاثة عناصر لتعريف العنف وهي فكرة الشدة وفكرة الإيذاء.. وفكرة القوة البدنية.. ويعرف قاموس "إكسفورد" العنف بأنه ممارسة القوة البدنية لإنزال الأذي بالأشخاص أو الممتلكات.. وقاموس لاند يعرف العنف أنه الاستخدام غير القانوني للقوة. والتعريف الأخير يعني أن هناك عنفاً قانونياً وعنفاً غير قانوني حيث يفرق القانون بين ممارسة الأفراد للعنف وبين ممارسة الدولة له.. والغريب أن بعض الباحثين أكدوا أن عنف الدولة مشروع لإقرار الأوضاع الاجتماعية وإقرار الأوضاع السياسية فإذا خرجت الدولة في عنفها ضد المواطنين عن المشروعية فقد صارت أشبه بالعصابات وهذا يولد نوعاً من العنف المضاد عنف الأفراد ضد المجتمع. وتجاه بعضهم البعض.. المشكلة الحقيقية في المفهوم القانوني للعنف هي في تطبيق القوانين بشكل صحيح يحقق العدالة.. لأن عدم العدالة يؤدي إلي الإحساس بالقهر والاحباط والظلم وهذا يدفع إلي مزيد من العنف ويزيد العنف في المجتمعات التي يعاني أفرادها من الحرمان من أبسط الحقوق.. حيث البطالة والمرض والتشرد ونقص التعليم والعزلة السياسية. بالإضافة إلي القهر والسيطرة والخضوع وفي مثل هذه المجتمعات ينتشر ما يطلق عليه "العنف الصامت" في إشارة واضحة إلي أن مشكلة الجوع والحرمان وعدم المساواة تؤدي للعنف وتراكمه عبر الزمن نتيجة للظروف والأوضاع غير المستقرة وغير العادلة التي يشعر بها أفراد المجتمع. من أجل ملاحقة لقمة العيش والتكيف مع مطالب الحياة يتحول سلوك الأفراد إلي العنف الظاهرة ويتحول إلي نوع من الثقافة العامة يلجأ إليها الأفراد لتحقيق أهدافهم. ولا يقتصر مفهوم العنف علي الإيذاء البدني فقط.. حيث يمارس الناس في مواقف الحياة اليومية ما يطلق عليه تنكيد المعنويات أو ما يعني عدم قبول الآخر والتحاور معه بشكل فيه نوع من الازعاج والتنغيص وعدم الاحترام له ولأفكاره وهذا التنكيد اليومي يحدث في كل مكان في البيت بين الزوج وزوجته ومع الأبناء وفي العمل بين الزملاء أو بين الرئيس ومرؤوسيه. في الشارع وفي المدرسة وحتي بين رجال الفكر والمثقفين في حواراتهم التي نشاهدها يومياً علي الفضائيات والذي يتابع هذه الحوارات واللغة التي يتناول بها المفكرون الموضوعات المطروحة يستطيع دون جهد أن يرصد أنماطاً متعددة من العنف المعنوي بين المتحاورين لا هدف منها سوي إظهار نقد الآخر واحتقار فكره فليس هناك نقطة التقاء ولا قبول للآخر. والجديد أن اللواء أبوبكر الجندي رئيس جهاز التعبئة العامة والاحصاء.. أشار إلي أن 4.47% من السيدات اللائي سبق لهن الزواج في فئة العمر من 15 إلي 49 قد سبق تعرضهن للعنف الجسدي في وقت ما وأن 33% من السيدات اللائي سبق لهن الزواج قد تعرضن لبعض صور العنف الجسدي مرة واحدة علي الأقل من قبل الزوج وأن حوالي 18% من السيدات قد تعرضن للعنف النفسي و7% تعرضن للعنف الجنسي من قبل الزوج أيضاً. وهذا العنف الذي نشاهده يومياً عقدت من أجله المحامية نهاد أبوالقمصان رئيس مركز حقوق المرأة ندوة تحدثت فيها عن الناحية القانونية فكانت المفاجأة أن أحد الأزواج رغم مركزه الثقافي الرفيع تعرض لعنف من زوجته ومنعته أن يري ابنته وأراد أن يجعل هذه الحادثة الاستثنائية ظاهرة عامة توضح أن هناك نساء عنيفات ومفتريات أيضاً. وردت عليه المحامية نهاد أبوالقمصان أننا في حاجة لقانون جديد للأحوال الشخصية. وليس تعديلاً نصياً بين كل حين وآخر. كل جرائم العنف التي حدثت تعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتدني الذي يجعل المواطن محبطاً وينظر للآخرين بحقد وضيق.. لأن لديه رغبات يريد أن يحققها ولكنه لا يستطيع مع اختفاء القيم الإيجابية في المجتمع من تسامح وود في التعامل مع الآخرين وأن الشخص لا يجد أمامه سوي العنف كوسيلة للتعبير عما بداخله مثله مثل البخار المكتوم داخل الإناء وليس هذا مقصوداً فقط في استخدام الأسلحة النارية بل يصل إلي أي وسيلة متاحة. فالظروف الاجتماعية تجعل الإنسان يشعر بأزمة داخلية ولا يحتمل أحد درجة الضغوط المجتمعية التي أصبحت عالية بشكل كبير.. فما يحدث انفصال عقلي مؤقت عن الواقع لأي شخص تحت تأثير مثل هذه الضغوط فيتقوقع داخل نفسه وتسيطر عليه أفكار بشأن التخلص من أحد وهنا يحدث انفصال مؤقت.. فيقتل مثلما حدث مع سائق سيارة المقاولون العرب وحادثة مذيع الأخبار. كل هذه الظواهر تؤكد المسئولية المجتمعية الشاملة سواء حكومة أو أشخاص أو مجتمعات مدنية وإعلام في أهمية التصدي لمثل هذه المظاهر التي تشوه هذا المجتمع الذي لم يعرف من قبل كل هذا العنف.