قتل الأخ أخته من أجل الميراث، لكنه لم يهنأ به، والأرض التى مات الضابط القطرى من أجلها، لن يدفن فيها، ولن يراها مرة أخرى. جريمة عائلية، حدثت فى شقة صغيرة بأرض اللواء، فى القاهرة، لكن بقعة الدم الناتجة عنها، امتدت عبر قارتين، من مصر إلى قطر. تفاصيل كثيرة غائبة فى مذبحة أرض اللواء التى راحت ضحيتها عفراء ومحمد، أخوها من أبيها، ومثلما يبدو الرأى العام فى مصر متعاطفا مع أهل الفتاة الفتيلة، ومتحاملا على الضابط القطرى، يقتنع الرأى العام فى قطر أن محمد جابر ليس مجرما، فطوال عمره لم يرتكب جريمة، ولا كان حاد الطباع أو ميالا للعنف.. أين الحقيقة إذن؟ سؤال كبير طرحته «الشروق» حول مذبحة أرض اللواء، وحاولت أن تجمع التفاصيل المهملة ما بين مصر وقطر لعلها تصل إلى الحقيقة الكاملة. «أرجوك أنا مش عايز أموت.. وحياتك ما تقتلنيش»، صرخ محمد جابر متوسلا، والموت يطل من فوهة المسدس المصوب ناحيته مباشرة، خلال ثوانٍ كان يدرك أنه لن يخرج من هنا حيا. كل الدلائل تشير إلى أنه ميت لا محالة. فقبل دقائق كان يصوب نفس المسدس إلى أختيه أمام والدتهما، ويطلق الرصاص، فتخترق طلقة رأس الأولى تهشمها تماما، وتخرج طلقة أخرى، تمر عبر خد الثانية إلى كتفها. الآن، والمسدس ليس فى يده، ما الذى يمنع شقيق الفتاتين من الانتقام منه، وبنفس المسدس الذى قتل به أخته؟ فى اللحظة التى أدرك فيها محمد جابر أنه ميت لا محالة، كان القدر يؤجل حياته بضع لحظات.. لعلها ساعة واحدة، لكنها كانت حافلة بكثير من التفاصيل التى جعلت من هذا اليوم، مشهدا لا ينسى. محمد جابر، هو شقيق عفراء وجواهر، لكن من أم أخرى. لقد جاء من دولة قطر، إلى أرض اللواء فى القاهرة ليقتلهما. فمات مقتولا. قبل نحو 28 عاما، كان جابر المهيدى، رجل الأعمال السعودى واسع الثراء، يعقد قرانه على نعمة المصرية. اشترط على أهلها أن يصطحبها معه إلى بلده فلم يعترضوا. سافرت نعمة مع زوجها، الذى لم يتم ثمان سنوات حتى كان قد انتقل إلى الدار الآخرة. وأمام رغبة أهل الزوج فى الاستيلاء على الميراث، اضطرت الزوجة إلى الهرب بابنتيها إلى مصر. اشترت شقة وأقامت فى أرض اللواء. محمد، هو الابن الأكبر لرجل الأعمال الراحل من زوجته الأولى، وهو المسئول عن إدارة أملاك العائلة، اعتاد أن يزور مصر كل عام، يلتقى بأختيه، ويعطيهما ما يتيسر من عائد ميراثهما عن الأب. فى هذا الصباح، يوم الخميس 29 يوليو، كان محمد على الهاتف يتحدث مع عفراء، إنه فى القاهرة، ويرغب فى زيارتها. رحبت به الشقيقة، وخلال ساعات كان فى البيت وسط أختيه وأمهما. أفطروا جميعا معا، ودار حديث حول الصحة والأهل، ثم حول الميراث. كان طلب الأخ الأكبر أن توقع له الفتاتان توكيلا بإدارة أملاكهما فى السعودية، توكيلا يتيح له التحكم فى تلك الممتلكات بيعا وشراء. لكن الشقيقتين رفضتا بشدة. دخل الأخ الحمام ليغسل يديه، وعاد مشهرا مسدسه، أمسك برأس أخته، وأطلق رصاصة أردتها قتيلة خلال ثوانٍ، وقبل أن تستوعب الأخرى ما يحدث، كانت الرصاصة الثانية تخترق خدها وتخرج منه إلى كتفها. هجمت الأم وأخوها على ابن زوجها، بالكاد تمكنا من إعاقته عن إطلاق المزيد من الرصاص، ارتمى منه المسدس بعيدا ليلتقطه خال الفتاتين، ويصوبه إلى رأس الشاب مباشرة، توسل إليه ألا يقتله، لكنه لم يعرف أصلا كيف يطلق الرصاص، وكانت لحظة مثالية استغلها محمد جابر فى الهرب، وجرى ناحية الباب ومنه إلى السلم مباشرة. صراخ الأم، وصوت انطلاق الرصاصتين جمع الأهالى، الذين شاهدوا محمد ينجرى على درجات السلم، ظنوه لصا تستغيث منه الأم، فأمسكوا به، بعضهم تعدى عليه بالضرب، لكن السيدة التى لحقت به، وأخبرتهم بفعلته، دفعتهم لمضاعفة الضرب والتعدى عليه، حتى كادوا يفتكوا به. دقائق، وكانت صفارة الإنذار تدوى فى أول الشارع، توقف الأهالى قليلا، ليتركوا لرجال البوليس فرصة التعامل مع الموقف.. لتحمله سيارة الشرطة إلى المستشفى، فالفتى مصاب، والدم ينزف من أنحاء متفرقة من جسده بغزارة. كل لحظة كانت تمر عليه، كان محمد جابر يعتقد بأنها لحظة وفاته.. لكن أجله لم يكن قد حان بعد. الثأر حملت سيارة الإسعاف الضابط القطرى المصاب إلى مستشفى الموظفين فى إمبابة.. كان اهتمام الأطباء بالوافد كبيرا. فى الوقت نفسه، وبينما الضابط القطرى يحمله السرير إلى غرفة العناية المركزة، وأخته على السرير المقابل تنتظر العلاج من إصابة وجهها، كان محمد شعبان، فنى التكييف والتبريد، وابن خالة الشقيقتين، يتلقى اتصالا هاتفيا من أخيه، يبلغه بمقتل عفراء وإصابة جواهر بطلقات نارية على يد شقيقهم الوحيد، وطلب منه أن يذهب إلى مستشفى الموظفين بإمبابة للاطمئنان على ابنة خالته وحمايتها. بسرعة كان محمد يبحث عن سكين ويخبئها تحت ملابسه، ودخل إلى طوارئ المستشفى، شاهد جواهر غارقة فى دمائها، غافل الجميع وانقض على القطرى بالسكين، يطعنه الطعنة تلو الأخرى.. لقد جاء لينتقم أولا، ثم يسأل عن صحة ابنة خالته. خمس طعنات سددها محمد إلى الرجل الراقد لا يستطيع الحركة، وانطلق يحاول الهرب، لكن أمن المستشفى تمكن من القبض عليه، بينما لم ينج الضابط القطرى هذه المرة كسابقاتها من الموت.. انتقل عبدالرحمن حزين مدير نيابة حوادث شمال الجيزة، وأجرى معاينة لمسرح الجريمة وعثر على السلاح المستخدم وهى طبنجة حلوان، وعثر بها على عدة طلقات وفارغين من نفس طلقات العيار المضبوط وحذاء القطرى وتم رصد جميع بقع الدماء التى عثر عليها فى مكان الجريمة والأماكن المحيطة بمسرح الجريمة. كما عثر أيضا على خزينة طلقات فى جيب القطرى. استقبلت أسرة الضابط القطرى خبر مقتله بانهيار تام، خاصة بعد أن شاهدوا تقريرا مصورا على إحدى الفضائيات، يظهر فيه ابنهم مضرجا فى دمائه. محمد جابر المرى، سعودى يحمل الجنسية القطرية، يبلغ من العمر 44 عاما، ويعمل وكيل ضابط، وهى الوظيفة التى ترقى إليها منذ عامين فقط، يحصل على راتب شهرى يعادل 25 ألف جنيه مصرى، متزوج من بنت العائلة منذ عام 1996، وأنجب منها ثلاثة أولاد، وثلاث بنات، كان أبوه يعمل فى شركة أرامكو السعودية ويعيش فى منطقة الخفجى جنوب الإحساء بالمنطقة الشرقية، تزوج من دار النعيم، المصرية التى تشتهر باسم نعمة، وأنجب منها جواهر وعفراء إلى أن أصيب بالسرطان فى الجهاز الهضمى وتوفى فى 8 ابريل عام 1991. وبعدها بدأت المشاكل بين محمد جابر شقيقهم الوحيد من أم قطرية تدعى نورة، وبين زوجة أبيه المصرية. يقول فهد المرى وهو ابن أخت القتيل فى اتصال مع «الشروق» من قطر إنه لم يكن مسموحا لفتاتين أن تعيشا بعيدا عن أهلهما، وهو ما رفضته العائلة بعد وفاة الأب، لكن الأم نعمة طلبت من محمد أن يسمح لها بزيارة مصر مع ابنتيها لفترة قصيرة ثم يعدن جميعا إلى السعودية، لكنها سافرت بالبنتين ولم ترجع. وقتها كانت عفراء 13 عاما، وجواهر 10 أعوام فقط. محمد، الذى رضى بسفر زوجة أبيه وابنتيها على كفالته الشخصية، أحس بالخيانة، هكذا يحكى فهد المرى، ودار النعيم تجاهلت أن بناتها لها شقيقات ثلاث بالسعودية وتصرفت مع بناتها على أنها ولى أمرهما على عكس عادات وتقاليد المجتمع السعودى، وكانت عفراء وجواهر تجددان إقامتهما من السفارة السعودية بموجب إقرار الشقيق محمد، وبالمقابل حصل محمد على توكيل من دار النعيم بالحصول على مستحقاتها وبناتها من الميراث وأنه سوف يرسل لها مستحقاتها إلى مصر ولكن اكتشف محمد جابر قيام زوجة ابيه بالتقدم إلى وزارة الداخلية المصرية بطلب لحصول الشقيقتين على الجنسية المصرية وجن جنونه وانهارت العائلة بسبب ذلك وحاول محمد أن يمنع ذلك ولكن دون جدوى، ولأنه لم يتمكن من السيطرة على شقيقتيه واضطر إلى ملاطفة الجو معهما ومحاولة إعادتهما إلى صوابهما. بنص قول ابن أخت الضابط القطرى. ويضيف جلوى المرى، إعلامى قطرى ومن أبناء عمومة محمد قائلا: «محمد شخص طيب جدا وسمعته طيبة ومحبوب لدى جميع الأهل والأقارب، وكان يخدم الناس جميعا بلا استثناء وطبيعته هادئة جدا ولا يمكن أن يتصور أحد أن يرتكب مثل هذه الجريمة البشعة، حيث إنه كان يحب شقيقتيه، ويتحدث عنهما بكل حب واعتزاز وحاول عدة مرات إعادتهما إلى السعودية، وأتذكر أنه اشترى منزلا خاصا لشقيقتيه عفراء وجواهر وطلبهما حتى تعيشا فيه ولكنهما رفضا واضطر إلى شراء بيت آخر باسمهما فى قطر حتى تعودا إليه إلا أن أمهما كانت تكن له عداء شديدا وتمتنع عن إعادتهما بأى طريقة وكأنه سيدمرهما». ويؤكد جلوى أن الخلاف بين جابر وشقيقاته لم يكن بسبب الميراث كما نشرت الصحف، ف«المرحوم جابر زوج دار النعيم لا يمتلك أى أراضٍ فى السعودية نهائيا ولا أموال فى البنوك أو قصور، بل كان رجلا بسيطا للغاية يمتلك بيتا تعيش فيه زوجته السعودية وبناتها فقط وله معاش من الشركة التى كان يعمل بها وسيارة وكل هذه الأشياء عادية للمجتمع السعودى والقطرى، وإعلام الوراثة الخاص بالمرحوم جابر لا يتحدث عن ملايين الريالات، بل وكان محمد يرسل لشقيقته الأموال من جيبه الخاص حتى يعوضهما عن حرمان والدهما وحنينه إلى شقيقتيه اللتان هما فى النهاية من دمه ولحمه ومسئول عنهما ولكن زوجته دار النعيم كانت تتخذ دور العداء إليه دائما وتسىء الظن فيه». عائض المرى، من أبناء عمومة محمد جابر، وهو والذى تسلم جثته بالقاهرة، قال: «إننا نعتبره شهيدا لبشاعة الاعتداء عليه وهو نائم على السرير ووسط الأطباء وفى قلب مستشفى حكومى وفى غياب الحرس الذى كان يمكن أن يمنع تلك الجريمة ويحمى رجلا مسلوب الإرادة». عائض يرى أن الإعلام فى مصر تناول الجريمة من جانب واحد، ويؤكد أنه لا يصدق أن محمد قتل أختيه هكذا دون مبرر، ويتساءل: كيف يقتل شقيقتيه وهو الذى طلب مقابلتهما فى البيت؟ ويكمل: «لو أن محمد خطط للجريمة كان يمكنه أن يخفى عن أختيه ميعاد وصوله مصر، ويدخل عليهما فجأة فى الصباح أو المساء ويقتلهما أو يتسلل إليهما ليلا». وينفى عائض كل ما قيل عن نية العائلة فى الثأر، ويقول: «جميع أفراد عائلة المرى تركوا أمر محمد فى يد العدالة للقصاص من المتهم وفقا للقانون المصرى، فقط أقمنا عزاء كبيرا للشهيد فى قطر». وعن حصول محمد على صكوك وكالة من والدة جواهر وعفراء للسيطرة على مستحقات شقيقاته من الميراث، قال عائض إن هذه أمور أسرية، وعاداتنا أن الرجل هو المسئول الأول والأخير عن البنت، حتى ولو لم يكن لها ميراث. وتابع: محمد لا يمكن أن يستولى على ميراث شقيقتيه حيث إنه كان يدفع لهما أموالا كثيرة ولكنهما تعتقدان، على رأى المثل المصرى أن «تحت القبة شيخ». شرطة قطرية فى القاهرة وزارة الداخلية القطرية أولت الجريمة اهتماما شديدا، وأرسلت وفدا ترأسه مدير البحث الجنائى القطرى إلى القاهرة مع فريق من ضباط الشرطة المتخصصين لتسلم التقرير الطبى للصفة التشريحية للجثة، وطالب بنسخة تقرير المعمل الجنائى للسلاح المستخدم فى الحادث والكشف عن بائع السلاح، وهل كان محمد يحمله أثناء ذهابه إلى شقيقتيه أم أنه كان فى حوزة أحد من أفراد العائلة. ومن جانب آخر فرضت مباحث الجيزة بإشراف اللواء محسن حفظى مدير أمن الجيزة حراسات مشددة حول أسرة القتيلة عفراء بمنطقة أرض اللواء وعلى غرفة المصابة جواهر بمستشفى الموظفين على مدى الساعة ومنع الزيارات نهائيا، خوفا من التهديدات التى وصلت إلى أسرتها من عائلة شقيقها القتيل. حالة ليست فردية مذبحة أرض اللواء فجرت قضية ميراث أبناء المصريات من زوج عربى ووضعت القضية على مكتب وزير الخارجية المصرى والجانب السعودى. ففى المجتمع السعودى عادات وتقاليد تحكم أمور الزواج، وهذا ما كشفه ميمى محمد حسن محامى دار النعيم وبنتيها جواهر وعفراء فى رحلته معهن للبحث عن الميراث من المرحوم جابر الميهى المرى على مدى 17 عاما، حيث يقول إن والدة البنتين فوجئت بمعاملة أسرة زوجها لها معاملة جافة جدا ونصحها قبل وفاته وهو على فراش الموت بالسفر إلى مصر بأى طريقة للعيش مع بنتيها فى سلام واستسلمت للقوانين وأصدرت 3 صكوك وكالة إلى محمد جابر قاتل ابنتها عفراء وكان آخرها فى 3 مايو الماضى لصرف معاش الضمان الاجتماعى لها ولبناتها إلا أنه لم يف بوعده نهائيا وأنه حضر إلى مصر عاقدا النية على الانتقام والقتل لأنه على مدى ال17 عاما لم يقدم أى دليل يثبت أنه حسن النية فى تسليم ميراث شقيقتيه، حتى إن زوجة أبيه قد تقدمت بعشرات الطلبات إلى السفارة السعودية بالقاهرة لمساعدتها لصرف معاشها وميراثها إلا أن السفارة كانت ترد بأنها يجب أن تسافر وتحصل على مستحقاتها بنفسها وأنها كانت تخشى من ذلك خوفا على بنتيها من الاضطهاد. ويطالب ميمى محمد المحامى المسئولين فى السعودية بتقديم كشف حساب بميراث الشقيقتين أو إعلام الوراثة الخاص بوالدهما حتى يثبت ما تم صرفه بصكوك الوكالة الصادرة لشقيقهما على مدى ال17 عاما لإثبات حسن النوايا. وقال ميمى: إن محمد اتصل بالأسرة واتفق مع عاطف شقيق خال البنتين أن يلتقيه أمام مسجد بالكيت كات، وبعد ساعة تقريبا لم يحضر وعندما طلبه عاطف فى التليفون قام بتغيير مكان المقابلة أمام مسجد التوفيقية بشارع السودان وكان يحمل لفافة فى يده اليسرى ودخل بها الحمام فور وصوله البيت، ثم خرج وليست معه، فقد أخفاها فى الحمام، وعندما اختلف معهما دخل الحمام من جديد، ثم خرج ليطلق الرصاص على أخته من مسافة لا تزيد على نصف المتر، ثم وجه فوهة المسدس إلى شقيقته جواهر، لقد كان ينوى الهرب إلى المطار بسرعة وهذا ما كشفته المباحث التى وجدت حقائبه جاهزة فى الفندق، واكتشفت أنه دفع الفاتورة واشترى السلاح فور وصوله، وفقا لخطة مسبقة.