بالرغم من حصول الابن على 86% فى الثانوية العامة إلا أن سناء تعتقد أنها أم تعسة وليس لها نصيب من الفرحة، وأن تعبها بل وعمرها بالكامل «راح هدر» والسبب أن الابن فشل فى تحقيق حلمها وحلم والده فى دخول كلية الطب. «طول عمرى بحلم إن ابنى يبقى دكتور».. تقول سناء والحزن يملأ صوتها وتضيف: «أنا عملت اللى عليا من مصاريف ودروس خصوصية ومذاكرة ومتابعة دائمة لكن ما باليد حيلة». تواصل حديثها كامرأة فقدت شخصا عزيزا للتو: كان عندى أمل كبير فى أخيه الأكبر، فقد كان أشطر منه فى المواد العلمية وحصل على مجموع أكبر والتحق بالفعل بكلية طب الأسنان لكنه فشل وقرر أن يحول أوراقه الى كلية الإعلام. سناء وزوجها رفضا بشدة قرار ابنهما وطلب الأب من الابن أن يلتحق بكلية كى يعمل مع والده المحامي.. رسب الابن للمرة الثانية وأخيرا استطاع أن يلتحق بكلية الإعلام كما أراد. لم تيأس الأم.. حولت الحلم الى الابن الثانى واعتبرته أمل العائلة فى أن يصبح فيها طبيب.. نتيجة الابن الثانى خيبت ظنها لكنها مازال لديها أربعة آخرين فى التعليم..لازم واحد منهم على الأقل يطلع دكتور. الابن ورغم نجاحه لكنه لا يشعر بأى فرحة، بالعكس يشعر بأنه أضاع حلم أهله وخيب ظنهم وأنه يتساوى مع الفاشلين والراسبين ويبحث عن كلية علمية تؤهله للانتقال منها الى كلية الطب او الالتحاق بالحقل الطبى من أى ناحية وبأى طريقة حتى لا يضيع أمل أمه.. ماذا عن حلمه.. هو يتمنى لو يلتحق بمعهد السينما او الفنون المسرحية لكنه لا يجرؤ على مفاتحة والديه فيه خوفا عليهم. كم تتشابه هذه العائلة مع الكثير والكثير من العائلات والأهل فى مصر يمارسون الضغط على الأبناء ليل نهار فى محاولة لتحقيق أحلامهم الشخصية من خلال الأبناء.. أحيانا يتداخل الأمر حتى مع الخلافات العائلية والشخصية. راندة طبيبة شابة فى أحد المستشفيات الإقليمية تجاوزت الثلاثين، عاشت نفس المحنة مع والدتها التى أصرت على دخولها كلية الطب رغم عدم ترحيبها، فقد كانت تفضل كلية الصيدلة كنوع من الدراسة المناسبة أكثر لها، لكن الأم ولأن «ضرتها» دخل اثنان من أبنائها كلية الطب فكان لابد أن تلتحق الابنة بكلية الطب حتى لا تصبح أقل من ضرتها، وتقول الطبيبة الشابة مازلت غير متحمسة لعملى كطبيبة وأعتقد أنه عمل لا يناسبنى ولست نابغة فيه، كنت أفضل أن أعمل فى وظيفة مريحة أكثر وبعدد ساعات عمل أقل، وأحيانا كثيرة تخذلنى ثقتى فى نفسي.. لكنى لم اقدر على زعل أمي. المشكلة أن الأهل يعتقدون دائما أنهم «عارفين مصلحتك أكثر منك» ربما كانت لديهم وجهات نظر وحكمة اكتسبوها بعامل السن، لكن ذلك لا يعطيهم حق تقرير مصير ورغبات إنسان مكره على دراسة شيء لا يحبه ويحقق أمنية هو لا يتمناها.. هذا الكلام على لسان خالد وهو شاب فى السنة الثالثة من كلية الهندسة التحق بها رغم أنه لا ينوى أن يصبح مهندسا فهو سيدرس البيزنس فور انتهاء دراسته كما يقول.. ربما كان الأهل بالفعل أدرى بالمصلحة، لكن الأمر لا يأتى بالإجبار وهذا ما تقوله «منة» التى تحدت عائلتها فوالدها صمم على دخولها كلية الألسن لدراسة اللغات فهو يعتقد أن المستقبل لدراسة اللغات لكنها كانت ترغب فى الالتحاق بكلية التجارة مع صديقاتها وزميلاتها, سحبت أوراقها من الكلية دون علم عائلتها، ولم تخبر أحدا لمدة شهر كامل.. ربما كان والدى على حق لكنه لم يحاول أن يقنعنى او يناقش وجهة نظرى وكأن القرار لا يخصني..هكذا تقول الدراسات العلمية تتفق على أن الضغط على الأبناء ومحاولة تحقيق أحلام الآباء من خلال الأبناء هى محاولة فاشلة فى كل الأحوال، فلا يمكن إجبار أحد على التفوق وهذا ما أوضحته الباحثة فاطمة الزهراء المصرى فى رسالتها للدكتوراه من جامعة حلوان عن توقعات الوالدين والضغوط التى يمارسمانها وتأثيرها على الأبناء. فاطمة أثبتت أن التوقعات قد تكون سلاحا ذا حدين فقد تساعد على تحفيز الأبناء وحثهم على التفوق ولكن فى الوقت نفسه قد تأتى بنتائج عكسية تماما مثل الفشل والإحباط والاكتئاب. فكلما كانت توقعات الآباء من وجهة نظر الأبناء داعمة ومشجعة وواقعية فى حدود قدراتهم وتتفق مع طموحاتهم وميولهم فإنها تتحول إلى حافز داخلى يدفعهم لتحقيق النجاح الذى يريدونه لأنفسهم ويتماشى مع أهوائهم وتوقعات الأهل هنا تجعلهم أكثر ثقة بأنفسهم. لكن الخطورة فى شعور الابن بأن والديه يتوقعان منه ما لا يقدر هو عليه فأى نتيجة منه غير ما يحلمون به هو فشل بالنسبة له ولهما ويتكون لدى الابن إحساس بالفشل والتقصير المستمر وتحميل نفسه ما لا طاقة له به. وحتى من يسمعون الكلام ويحققون أحلام الآباء والأمهات فليس معنى ذلك بالضرورة أنه شخص ناجح او متفوق فلن يستطيع تحقيق أى نجاح إن لم يكن حافزه على النجاح داخلى ولديه من القدرات والمهارات ما يؤهله له..