* د. مصطفى الديب: بعض الآباء يقتلون الطموح داخل أبنائهم الشباب بحر إبداع لا ينتهى.. ولكن الكثيرين لا يدركون هذه الحقيقة، فالعديد منهم أصبح بلا أمل، طموحاتهم مقتولة وأحلامهم لا تجد المساندة والدعم حتى تتحقق على أرض الواقع، فى الوقت الذى نجد فيه البعض الآخر من الشباب يتألق؛ لأنه أبى الخضوع لليأس وانطلق متحديا ومتجاوزا كل العوائق والصعوبات؛ مثل هيثم الدسوقى صاحب اختراعTouch Sticker، ومهند أبو ديه الذى سجل 22 براءة اختراع باسمه، ومحمد جوده مخترع طائرة كشف الألغام، وغيرهم كثيرون من الشباب الطموح. قيود كثيرة وإذا كان هؤلاء نجحوا فى تحقيق أحلامهم فهناك العديد من الشباب تواجههم قيود كثيرة لا تكفى الحماسة فقط أن تكسرها.. تروى لنا إسراء سعيد -طالبة فى الصف الثالث من الثانوية الصناعية- فتقول: "كنت متفوقة جدا فى المرحلة الإعدادية، وقد تمكنت من الحصول على درجات عالية فى الصف الثالث الإعدادى، وكنت من العشرة الأوائل فى مدرستى؛ لكن والدى أصرا على أن لا أكمل دراستى وأدخل الجامعة، وكانت أمى تقول دائما لأقربائى "الفلوس اللى هتدخل بيها ثانوى وجامعة أجهزها بيها وتتجوز أحسن". وحلم هبة الله صلاح -طالبة فى الفرقة الرابعة من كلية الصيدلة- لم يتجاوز خيالها، فتقول: "أحب الرسم كثيرا، وفى الثانوية جاءتنى فكرة دخول كلية الفنون الجميلة؛ لكنها جاءت سريعة ورحلت أسرع؛ لأننى كنت على يقين بأن والدىّ لن يوافقا، لذا جعلت هدفى الحصول على مجموع كبير يمكننى من دخول كلية عالية فأحقق حلمهما". وتضيف: "فكرت فى الكليات العليا ففضلت الصيدلة، وبالفعل حققت هدفى والتحقت بالصيدلة، ولكننى صعقت، فلم أجدها كما توقعت ولم أحبها وما زلت لا أحبها، وعندما أتخرج فيها فلن أستطيع أن أنجز شيئا رغم أننى أحصل على درجات عالية كل عام، أشعر بأن السنوات الخمس هذه ستضيع من عمرى سدى ولن أستفيد منها بأى شىء". ويقول مصطفى كامل -طالب فى الصف الثانى الثانوى- عن طموحه: "فى البداية كنت أتمنى أن أصبح طيارا فى المستقبل، ولكن عائلتى أخبرتنى بأن أفضل الأشخاص مكانة فى المجتمع هو الطبيب؛ لذا قررت أن أسعى لدخول كلية الطب، وأنا مؤهل لذلك، فأنا أفضل طلاب مدرستى فى مادة الأحياء وسأذاكر وأجتهد لأحقق ما أطمح إليه". ويعبر شريف ثابت -طالب فى الصف الأول الثانوى- عن مخاوفه قائلاً: "أتمنى أن أصبح شرطيا، وأهلى يشجعوننى على ذلك، لكننى أخشى الواسطة، فقد لا أتمكن من دخول كلية الشرطة لأننى لا أملك واسطة". ما يسعد ابنى يسعدنى ليس كل أولياء الأمور هكذا يعترضون طريق أبنائهم، ولكن هناك من يشجعهم ويدعمهم، تقول منى صايمة -ولية أمر طالب فى المرحلة الإعدادية-: "ابنى متفوق، وهو دائما الأول، وقد أحبط كثيرا عندما حصل على المركز الأول على مدرسته فى الصف السادس الابتدائى، ولم تكرمه الوزارة كما كانت تفعل كل عام، ولكننى استطعت أن أرفع معنوياته، أيضا ما كان يعوق مسيرته تمييز معلماته بينه وبين زملائه من أبناء المعلمات، فهن يعطينهم ما لا يستحقون من درجات، لكنه يثبت جدارته وتميزه فى امتحانات آخر العام، وأبدا لن أطمع فى تفوق ابنى وأرغمه على دخول كليات القمة؛ ولكننى سأتركه على راحته ليختار ما يريد وما يناسبه، وسأظل أشجعه حتى يبلغ غايته". ويتفق معها فى الرأى محمد حميد -مدرس وولى أمر لثلاثة طلاب- فيقول: "سأترك أبنائى ليختاروا ما يريدون، وإذا كان عندى تحفظ على رأيهم فسأقوم بالتوجيه؛ ولكن القرار النهائى متروك لهم". طموح الآباء يقول د. مصطفى الديب -أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة بنها-: "ما يحدث لأبنائنا هو جهل وعدم وعى، وهذه المشكلة تقع على عاتق الوالدين والمجتمع، فبالنسبة للأب والأم، فهم ليسوا على دراية بميول أبنائهم واتجاهاتهم، وهذا نتيجة أنهم لا يتواصلون مع أبنائهم؛ ليكتشفوا مواهبهم ويعرفوا حجم قدراتهم، بل قد تكون لديهم أساليب تنشئة تعوق أبناءهم عن تفريغ قدراتهم، وبالتالى يلزم الأب والأم ابنهما على تحقيق أحلامهما وفى أغلب الأحيان هذا الحلم لا يتحقق". ويضرب د. مصطفى مثالاً بقوله: "إذا كان طموحى أن يحمل ابنى 100 كيلو وقد خلقه الله لا يستطيع أن يحمل سوى 20 كيلو فماذا سيكون مصيره؟.. بالتأكيد سيتحطم ويصاب، وهذا سيؤثر على الابن؛ لأنه يضع يقينا فى نفسه أنه قادر على حمل 100 كيلو، فعندما لا يقدر على ذلك يعتبر نفسه ضعيفا، ويتعامل مع الناس على هذا الأساس، وبالتالى تقل ثقته فى نفسه ولا يقدر ذاته، وهناك أيضا الجانب الأكبر من المشكلة، وهو المجتمع الذى يعزز من قيمة مهن معينة، ويبخس من قدر أخرى، وهى مشكلة اجتماعيه متراكمة".