غرس فى أحلام عمره المضيئة نصال جهله وفشله وانطلق كريح غادر فى قلب الدروب وعصف بمستقبله وآماله ودقت الصيحات الشيطانية أعماق عقله فى دنيا الجريمة. حتى جاء اليوم البعيد فى متاهات عمره وضل فيه الانتماء إلى الحرية وتحول من طالب بكلية الصيدلة إلى لص ومزور وضربت جذور أدميته فى الجحيم وتبعثرت خيوط فرحة والديه الزاهية به فى دروب وطئها الحزن والألم. هو طالب بكلية الصيدلة كانت لغته هى الصمت الكذوب ذو الحوادث الداخلية مع نفسه. دائما كان مشتت الذهن شارد الفكر احترف السير فى مماشى الزمن السحيقة وأصبح مثل شجيرة يابسة أرتوت بدماء عيون والديه الدامعة كان يجوب كل الدروب بلا مقصد حتى ألقى بنفسه فى التهلكة. عاش الأبوان سنوات العمر فى طموح وكثيرا ما خاصم النوم عيون الأم وهى تصول وتجول بخاطرها وتحلم بأن تحمل لقب أم الدكتور والأب يتراءى له صورة فلذة كبده وهو يرتدى البالطو الأبيض ويتباهى به بين الأهل والأصدقاء. وسلك الأبوان كل الدروب من أجل تحقيق الحلم حتى وصل الابن الوحيد إلى الثانوية العامة وتفانى الأبوان فى خدمته وارضائه وانفاق كل مالديها عليه كى يلتحق بكلية الطب. مر العام ولم يحصل الولد على المجموع الذى يؤهله لدخول كلية الطب ولكن ابتسامة الزمن لم تنته أمام الأبوين حيث التحق الولد بكلية الصيدلة وسوف يحمل لقب طبيب وانطلقت الزغاريد وعلقت الزينات وتسابق الأهل والأحباب لتقديم التهنئة والتمنى بأن يروا أبناءهم مثل ذلك الشاب النابغ ولم يدر بخلدهم أن يوما ما سوف يتوسلون إلى الله ألا يستجيب لدعواتهم ويستعيذون بالله من أن يصبح أبناؤهم مثله!! التحق الولد بكلية الصيدلة وبدأ الأب المشتاق يرسم المستقبل المضيء لابنه وباع قطعة أرض زراعية ورثها عن أبيه واشترى صيدلية وبدأ فى تجهيزها وشقة فارهة لطبيب المستقبل فهو من أراده بكل جموح شبابه ولم يتصور أنه سيغرقه فى كل كئوس المرارة والألم. بدأ الضياع ينخر فى مستقبل الابن حيث رسب فى السنة الثانية بالكلية لمدة عامين وبفضل دعوات والديه انتقل إلى الفرقة الثالثة وبدأ ينفث نصال الوداع الاخير لمستقبله وأسراب الفشل كانت تطن حوله وبدأت الأحلام تنهار وأنفرطت عقود الفرحة به فى آبار الشجن وبات يقترف أخطاء. التف حول رفاق السوء وتناسى حلم والديه ورسب فى السنة الأولى والثانية فى الفرقة الثالثة بكلية الصيدلة وأصبح على شفا حفرة من الفصل من الجامعة وكانت الفرصة الاخيرة أمامه فقد رسب فى مادتين وتحدد له موعد للامتحان وكان مستقبله مرهونا على النجاح أو الرفت من الجامعة. إنكفأ الأبوان على قدميه يقبلانها ويتوسلان اليه تحقيق الحلم، وحصل الأب على إجازة من عمله كى يسهر بجواره ويحفزه على المذاكرة بينما تفرغت الأم لإعداد أشهى المأكولات له ولم يخطر ببالها أن أشواكه سوف تجرحها وأنه سيكون وصمة عار فى جبينها وسوف يثنى ذيل الأيام فوق وجودها غشاوة سوداء غطت عين الابن وكان يوهم والديه بالمذاكرة بينما هو مشغول فى الحديث عبر الانترنت مع صديقته التى شاركته الفشل والضياع، وعندما ذهب إلى الامتحان لم يستطع الإجابة على سؤال واحد وتيقن أنه سوف يحمل لقب »مرفوت« من كلية الصيدلة. ولأن للظلمة أذرع كثيرة ملقاة بلا مبالاة فى طرقات الطالب الفاشل فقرر أن يستكمل السير فى دروب العتمة وقرر أن يسرق النجاح تحت تهديد السلاح وأعلن ثورته على الاستسلام لقوانين الجامعة وتسلل ليلا إلى مبنى الكنترول بمنطقة السيدة زينب حتى وصل إلى المكتب الذى يضم أوراق إجابات طلاب كلية الصيدلة وقام بكسره بأدوات كانت بحوزته وتمكن من الوصول إلى أوراق إجاباته وبيديه الرثة قام بتعديل الدرجات حتى أصبح ناجحا. وبدت نسائم الأمانى تهفو لوجدانه وبعد أيام سوف يتم اعلان النتيجة وينتقل للفرقة الرابعة. لم تكتمل فرحته طويلا وهبت عليه رياح عاتية العواصف حيث اكتشفت أستاته بالكلية جريمته فقد اعتادوا تدوين درجات الطلاب على جهاز الحاسب الآلى الخاص بها وقبل إعلان النتيجة بدأت فى مضاهات الدرجات المدونة على أوراق الإجابات بالأرقام المسجلة على الحاسب الآلى واكتشفت عملية التزوير وتمكنت المباحث من ضبط الطالب المتهم وأمر أحمد الأبرق رئيس نيابة السيدة زينب باشراف المستشار طارق أبوزيد المحامى العام الأول لنيابات جنوبالقاهرة بحبسه على ذمة التحقيقات.