فى كتاب حياة مصر الحديثة صفحة مؤلمة، ولكنها تجلى حقيقة مهمة وهى ضياع سنوات كثيرة من عمر مصر لم يكن التعليم فيها استثمارا فى المعرفة ،أكثر من خمسة وثلاثين سنة كان النظام يردد فيها دائما أن التعليم هو المشروع القومى لمصر ولم يكن كذلك ، ضاعت أهم سنوات تغيرت فيها خريطة التقدم فى العالم بسبب الاهتمام بالتعليم، كانت الفرصة مواتية بشكل مذهل فى مصر لجعل التعليم فعلا المشروع القومى خاصة وأنها سنوات السلام مع إسرائيل التى كان يجب أن تكون سنوات البناء والارتقاء إلى مصاف الدول الصناعية والمنتجة . قبل مائة عام كانت أقصى أمانى العلماء أن يحولوا أكسيد الحديد إلى صبغة تنثر على الألياف التى تنسج كقماش الرسم، وقماش الرسم نفسه كان تطورا بعد الرسم على جدران الكهوف، وبفضل العلم والمعرفة عرف العالم كيف ينثر أكسيد الحديد على لفائف من شرائط البلاستيك ليتم استخدامه مع النحاس والسليكون والبترول والحديد ومواد خام أخرى تم خلطها لتصنع جهاز التليفزيون وشرائط الفيديو والكاسيت على سبيل المثال. يوم قام العالم من حولنا فى الثمانينيات بثورة فى الأفكار ،وأصبح العالم ينمو ويتقدم بها وبالمعرفة التى يغرسها العلم والتعلم والتدريب وإجراء البحوث وتطويرها كانت سنوات الثمانينيات فاصلة فى حياة دول كثيرة دخلت كلاعب فى الاقتصاد العالمى مثل كوريا والصين وماليزيا والهند وسنغافورة وغيرها، وكان يمكن أن نكون كذلك فى مصر لولا إهمالنا للتعليم القائم على المعرفة والأفكار الجديدة ، لقد كان التفريق الناجح بين الذرات والجزيئات بفضل العلم والبحث قد حوَل عوامل الإنتاج من الأرض ورأس المال إلى الأفراد والأفكار، الثمانينيات والتسعينيات وما أدراك ما حدث فيهما من تغييرات حقيقية وقعت من انطلاق موجة الاكتشاف والابتكار وأدركت حكومات الدول التى تخطت عتبات الفقر والجهل أن مصلحتها القوية أن تدعم إنتاج ونشر المعرفة وتوسيع قاعدة التعليم وحماية الملكية الفكرية، وإن كان القول المأثور المعرفة هى نفسها قوة, يعود إلى أوائل القرن السابع عشر إلا أنه صعد بقوة هائلة فى بلد مثل ألمانيا حينما أعلن المستشار الألمانى جيرهارد شرودر إعلانا مثيرا للدهشة فى عام 2004 حيث أعلن أن البنك المركزى سوف يبيع جزءا كبيرا من قاعدته الذهبية ليستثمر هذه الأموال فى الجامعات الألمانية ، ثم سرعان ما حذا البنك المركزى فى فرنسا حذوه ، أما فى سنغافورة فقد جعلوا التعليم العالى دين الدولة كما كتب ديفيد وارش فى كتابه المعرفة وثروة الأمم, والمترجم عن المركز القومى للترجمة ، وفى الصين والهند دربت الجامعات مهندسين وحاصلين على درجة الدكتوراة بمعدلات غير مسبوقة وطورت جامعاتهما إلى درجة المنافسة للحصول على الطلاب الدوليين وفى عام 2005 عين رئيس الوزراء الهندى لجنة للمعرفة لوضع أفكار الإصلاح الجذرى. يمكن القول بحق إن الجيل الذى حقق َ الثورة فى مجال الحاسب الآلى والاتصالات فى الولاياتالمتحدةالأمريكية استطاع أن يحصل على تعليم مدرسى جيد بموجب قانون تعليم الدفاع الوطنى لعام 1985 الذى ضاعف حجم المساعدة الفيدرالية الممنوحة للتعليم خاصة العالى منه. إن الدول الأفضل هى التى استطاعت أن تهتم بالتعليم اهتماما يفوق أى اهتمام آخر. دخل علينا القرن الحادى والعشرون بعنفوانه وعولمته والسباق المحموم بين الدول والذى لم يسبق له مثيل منذ القرن التاسع عشر ودخلت إلى حلبة هذا السباق العلمى والمعرفى والتقدم دول شرق أوروبا والبرازيليون والروس والأستراليون والأتراك والهند والصين وغابت مصر والعرب وذَلَت أقدامنا بسبب تخلف التعليم ونظمه وغياب مبادرات التخطيط العلمى من النوع الذى وضع اليابان على طريق التصنيع فى أواخر القرن التاسع عشر، وعلى الحكومة المصرية أن تمول الجامعات البحثية وأن تهتم بالتعليم الأساسى وظهور المعاهد الدراسية المتقدمة والبحث عن المواهب العلمية والاهتمام بالرياضيات لنكمل هذا القرن ونحن فى مصاف الدول المتقدمة بإذن الله. لمزيد من مقالات ◀ سهيلة نظمى