زيارة الرئيس السيسى الأخيرة للصين وفيتنام، وماسبقها من زيارات أخرى شملت الهندواليابانوكوريا الجنوبيةوسنغافورة وغيرها، تسهم بالتأكيد فى إلقاء الضوء على القارة الآسيوية والتطورات الضخمة التى شهدتها دولها فى العقود الأخيرة، كما أنها تثير التفكير حول أولويات السياسية الخارجية المصرية، وموقع القارة الآسيوية فى هذه الأولويات، خاصة أن الكثير من دول العالم أصبحت تتبنى ما يعرف بالتوجه نحو آسيا Pivot to Asia، بمعنى إعطاء أولوية للدائرة الآسيوية فى سياساتها الخارجية. ولكن لماذا آسيا ؟ إذا كان البعض قد أطلق على القرن التاسع عشر بأنه قرن المملكة المتحدة، والقرن العشرين بأنه القرن الأمريكى، فإن العديد من المحللين يصفون القرن الحالى بأنه «القرن الآسيوى». آسيا ليست فقط أكبر قارة في العالم وأكثرها سكانا (60% من سكان العالم)، ولكن أيضا لأنها أصبحت قاطرة النمو الاقتصادي العالمى (دول آسيا والمحيط الهادي تمثل 54% من الناتج الاقتصادي الإجمالي للعالم، و44% من التجارة الدولية). القرن الآسيوى يرتبط بالتأكيد بالصعود الصينى، وهو الدولة التى تزحف بالتدريج كى تصبح أكبر اقتصاد فى العالم من حيث الحجم، وهى المكانة التى تحتلها الآن الولاياتالمتحدة، بالرغم من أن بعض تقارير صندوق النقد الدولى تشير الى أن الصين بالفعل أزاحت الولاياتالمتحدة من هذه المكانة. ووفقا لتقرير حديث لبنك «كريديه سويس» فإن الطبقة المتوسطة في الصين أصبحت أكبر من تلك الموجودة في الولاياتالمتحدة، حيث بلغ حجم الطبقة الوسطى في الصين 109 ملايين نسمة مقابل 92 مليونا في الولاياتالمتحدة، وهو مؤشر مهم على تقدم الاقتصاد الصينى. الصين أيضا أصبحت تقدم نفسها كنموذج تنموى للعديد من الدول النامية، خاصة فى القدرة على تحقيق مستويات نمو مرتفعة و انتشال الملايين من البشر من حالة الفقر الى مستويات أعلى من الدخل. الهند تمثل ركنا آخر فى هذا القرن الآسيوى، بما تقدمه من نموذج ديمقراطى استطاع استيعاب التنوع السياسى والطائفى والاجتماعى. الهند اليوم هى أسرع الدول فى مجموعة العشرين من حيث معدلات النمو (أصبح يتجاوز 7% سنويا) ويبلغ حجم الطبقة الوسطى بها مايقرب من 475 مليون شخص. ولكن القرن الآسيوى لا يرتبط فقط بالصينوالهند، ولكن يرتبط بصعود سبع دول هى اليابان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايلاند وماليزيا، بالإضافة للصين والهند. ووفقا لأرقام بنك التنمية الآسيوى فإن هذه الدول التى يبلغ عدد سكانها 3.1 بليون نسمة (78% من سكان آسيا) وناتج قومى 15.1 تريليون دولار (87% من الناتج الإجمالى لآسيا عام 2010)، بحلول عام 2050 سيبلغ حجم سكانها 75% من آسيا وسيرتفع مساهماتها فى إجمالى الناتج القومى الآسيوى إلى 90%. وفى الفترة من 2010 إلى 2050 فإن هذه الاقتصادات السبعة ستمثل 53% من إجمالى الناتج القومى العالمى، فى حين أن مساهمة الولاياتالمتحدة وأوروبا مجتمعتين سوف تمثل أقل من 15% من هذا الناتج، أى أن الدول الآسيوية السبع سوف تكون قاطرة للنمو الاقتصادى ليس فقط فى آسيا بل فى العالم كله. قوة هذه الدول لم تعد تقتصر فقط على حجم اقتصادها ومعدلات النمو بها، بل امتدت لمجالات أخرى منها القدرة على الاختراع والابتكار وليس مجرد تقليد وإنتاج السلع الغربية. فالصين أصبحت أكبر مسجل للاختراعات في العالم، وفي كل عام تمنح جامعاتها درجات دكتوراه في العلوم والهندسة أكثر مما تمنحه نظيرتها في الولاياتالمتحدة. آسيا تقدم أيضا نماذج مختلفة للتطور السياسى فبالإضافة للنموذج الهندى الذى تبنى الديمقراطية منذ إعلان الاستقلال، هناك نموذجا سنغافورة و كوريا الجنوبية اللذان تبنيا تحولا ديمقراطيا تدريجيا ومخططا، وارتبط بشكل كبير بتطور الحالة الاقتصادية لهاتين الدولتين. هناك أيضا تجارب ناجحة للاندماج الاقتصادى بين الدول الآسيوية، وإنشاء نظم للأمن الأقليمى ربما يكون أهمها نموذج تكتل «الآسيان». آسيا بالتأكيد، وليس أوروبا أو الولاياتالمتحدة، تمثل المستقبل. ومن المهم أن تكون مصر جزءا من هذا المستقبل من خلال تبنى «توجه نحو آسيا» يبنى على نتائج الزيارات الرئاسية، ويتضمن شراكات تجارية واستثمارية وتعاونا علميا وتقنيا، وتبنى نماذج النجاح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى طبقتها هذه الدول. المسألة لا ترتبط فقط بالبعد التنموى ولكن لها أيضا بعد استراتيجى، حيث تشهد القارة الآسيوية انتقال موازين القوى من الغرب إلى الشرق، من منطقة المحيط الأطلنطى إلى آسيا ومنطقة المحيط الهادي. ويتم على أرضها تحول العالم من حالة القطبية الأحادية إلى نظام دولي جديد يقوم على تعدد الأقطاب، أطرافه هي الصينوالهند وروسيا بالإضافة للولايات المتحدة، والتي تقاوم هذا التوجه وتخشى أن يؤدي إلى إخراجها من آسيا، وتقليص نفوذها فى العالم. وأخيرا، فإن التوجه المصرى نحو آسيا يجب أن يتضمن الاهتمام بالدراسات الآسيوية، وإنشاء مراكز بحثية تهتم بدراسة التطورات التى تجرى بهذه القارة ودولها المهمة مثل الصين و الهندواليابانوكوريا الجنوبية، وتقديم النصيحة لمؤسسات الدولة و صناع القرار بشأن علاقاتها مع مصر والدروس المستفادة من تجاربها. وأكرر مرة أخرى إن آسيا هى المستقبل ومن المهم أن تكون مصر جزءا من هذا المستقبل. لمزيد من مقالات د. محمد كمال