على الرغم من أن الصين كانت أول من أسس لأول دولة متحضرة على مستوى العالم إلا انها قد تخلفت عن الغرب خلال الثلاثة قرون الماضية وحتى بالنسبة لجيرانها الآسيويين فقد كانت الصين فى القرن التاسع عشر رجل شرق آسيا المريض، متخلفة عن اليابان وتعرضت لغزوات وحروب عديدة من قبل اليابان وبريطانيا العظمى سلبت مواردها وأفرغت خزائنها إلى ان تم الإعلان عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 وبدأت رحلة البحث عن الذات داخل الموروث الثقافى للشعب الصينى وبحلول عام 2009 كانت قد ساهمت الصين بحوالى 50% من الاقتصاد العالمى والنمو التجارى، وبحلول عام 2010 كان ثلاثة من بين أكبر خمس بنوك عالمية بنوكًا صينية بعد أن ظل النظام البنكى الصينى غارقًا فى الديون الهائلة متعثرة السداد،حينما تجاوز الناتج المحلى الإجمالى للصين نظيره اليابانى وقفزت الصين لتحتل المرتبة الثانية عالميًا من حيث القوة الاقتصادية. وباتت مقاطعات فى الصين مثل شنغهاى تصنف فى المركز الثانى عشر فى مجموعة العشرين من حيث إجمالى الناتج المحلى لهذه المقاطعة كما ان اقتصاد ثلاثة مقاطعات فى الصين (شنغهاي- تشيجيانغ - جيانغسو) أكبر من اقتصاد كوريا الجنوبية أو الهند، كما فاقت البنية التحتية للعديد من المدن الساحلية فى الصين نظيرتها فى مدن جنوب أوربا وأصبحت أكثر ازدهارًا فى التبادل التجارى من أغلب الدول المتقدمة، واستطاعت الصناعة الصينية التفوق على نظيرتها الأمريكية فى مجال المكونات الصلبة مثل بناء القطارات السريعة والمترو والمطارات والموانئ وفى مجال البرمجيات بالاضافة إلى التسهيلات التجارية. أصبحت الصين دولة حضارية وتحولت فى الآونة الأخيرة من حضارة ذات طبيعة برية إلى حضارة ذات طبيعة بحرية، ومن الحضارة الزراعية إلى الصناعية والمعلوماتية ومن قوة إقليمية تنفتح على العالم إلى قوة عولمية ينفتح عليها العالم بفلسفة العولمة وفق النموذج الصيني. ومن سلحفاة كسولة تجرها كيانات اقتصادية تتزعمها الولاياتالمتحدة إلى قاطرة ترغب فى جر القارات الثلاثة آسيا - إفريقيا - أوربا عبر مبادرة الحزام الاقتصادى وطريق الحرير. وفى عام 1989 عندما خرج آلاف الصينيين فى ثورة حاشدة مطالبين بالحرية والحد من الفساد كان نصيب الفرد من إجمالى الناتج القومى يقدر بنحو 403 دولارات سنويًا، والذى كان يعتبر متقدمًا آنذاك مقارنةً بعام 1978 عندما كان يقدر بنحو 200 دولار سنويًا، ومع نهاية عام 2014 أصبح نصيب الفرد يقدر بنحو 6000 دولار سنويًا. احتلت التنمية الاقتصادية للصين عناوين الأخبار وكبريات الصحف العالمية، بينما صمتت الآلة الإعلامية فى الصين عن وصف النهضة، بل كانت تتعمد الترويج لفكرة الصين كدولة نامية لعدم لفت الأنظار وخشية إثارة ضغائن العالم الخارجى لها. سلكت الصين مسارًا سلميًا فى نهضتها دون اللجوء إلى حروب مع دول أخرى كما حدث فى القرن التاسع عشر حينما تحققت الثورة الصناعية للدول الغربية الكبرى على أنقاض الحروب والدمار والفوضى والتوسع الامبريالي.، وعانت شعوب هذه الدول من الظلم الاجتماعى والفساد والعنف والاضطهاد وازدياد الفجوة بين طبقة الأغنياء والفقراء. وستعكف الدراسات فى التاريخ المعاصر فترات طويلة قبل التمكن من فك شفرة النمط الصينى الأكثر تعقيدًا. وستحكى شعوب العالم لأجيالهم القادمة قصة كفاح شعب يعيش فى دولة هى الأولى عالميًا من حيث الموارد البشرية، والرابعة عالميا من حيث المساحة، احتلت صدارة العالم فى غضون ثلاثة عقود فقط. فالصين الحديثة هى الأولى عالميا من حيث معدلات النمو الاقتصادى، وإجمالى الناتج المحلى، وحجم الاحتياطى الأجنبى النقدى، وتحتل المرتبة الثانية عالميًا من حيث القوة الاقتصادية بعد الولاياتالمتحدة قياسًا بسعر الصرف، والأولى عالميًا بمقياس القوة الشرائية. كما تحتل الصين المرتبة الثالثة فضائيًا بعد الولاياتالمتحدة وروسيا، والقوة النووية الثالثة فى العالم بعد الولاياتالمتحدة وروسيا، وتمتلك أضخم جيش فى العالم بثانى أكبر ميزانية معلنة للدفاع بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتتناوب المرتبة الأولى مع الولاياتالمتحدة فى حجم الاستثمار الأجنبى المباشر، وتميل كفة الفائض فى ميزان التجارة الخارجية ناحية الصين. ارتكازًا على ما سبق يرى المراقبون أن الصين الآن هى تلك الدولة القطبية التى تمتلك من المقومات التى تؤهلها لأن تصبح قوة عظمى وتستطيع ملء الفراغ الذى تركه انهيار الاتحاد السوفيتى ومنافسة الولاياتالمتحدةالأمريكية على سيادة العالم وذهب البعض منهم للتنبؤ بالعام 2025 عام الصعود الصينى كقوة عظمى، بينما يتنبأ البعض الآخر قيادة الصين للعالم فى العام 2050. - كاتب جيوسياسى