كيشور محبوبانى kishore mahbobani هو دبلوماسى سنغافورى عمل لمدة ثلاثة عشر عاما مندوبا دائما لبلاده فى الأممالمتحدة بنيويورك، وهو يعمل الان مديرا لمعهد لى كوان يو للعلاقات الدولية فى سنغافورة، وقد اتاحت له فترة عمله الطويلة فى الولاياتالمتحدة فرصة أن يعرف ويدرس عن قرب المجتمع والنظام الأمريكى ،غير انه مع متابعته للمسرح الأمريكى كان طبيعيا أن يتابع أيضا التطورات فى آسيا وهو ما جعله يصدر كتابه Can Asians Think؟ ثم يتابع تحولاتها وعلاقاتها بموازين القوى فى العالم وهو الموضوع الذى احتل كتابه والذى يتنبأ فيه بتحول ميزان القوى العالمية من الأطلنطى إلى الشرق الأقصى والكتاب تحت عنوان The New American Hemisphere : The irresistible shift of Global power the East وهو يبدأ من مقدمته أن صعود آسيا سوف يأتى بتحول مهم مماثل، وعلى هذا فإن السؤال المحورى الذى يناقشه الكتاب، إلى جانب قضايا أخرى متصلة، هو لماذا صعدت آسيا؟ فى إجابته عن هذا السؤال يشير الكاتب إلى أن صعود الغرب حدث بسرعة شديدة خلال المائتى عام الماضية، وكان لآسيا التى تمتلك اكبر نصيب من السكان، أعظم نصيب من الاقتصاد العالمى، وفى ضوء هذا فإننا لا نندهش من الدراسات التى تقول انه مع عام 2050 فإن ثلاثة من أعظم أربعة اقتصادات فى العالم سوف تكون آسيوية وبهذا الترتيب : الصين، الولاياتالمتحدة، الهند واليابان. ويعتبر محبوبانى أن صعود آسيا سوف يأتى بتحول مهم مماثل، وعلى هذا فالكاتب يناقش لماذا تصعد آسيا الآن؟ وكيف ستغير العالم ولماذا سوف يواجه الغرب صعوبات ضخمة فى التكيف مع هذه التغيرات كما يقترح بعض التوصيات لإدارة هذه التحديات الجديدة. ويعتبر الكتاب أن صعود آسيا سيكون أمرا طيبا للعالم، فإن مئات الملايين من الشعوب سوف تنقذ من أغلال الفقر وقد خفض تحديث الصين بالفعل عدد الصينيين الذين يعيشون من 600 مليون إلى 200 مليون، كذلك فإن صعود الهند له نفس التأثير المهم، وبكل المعايير فإن صعود آسيا يحقق الكثير من الخير للعالم. ويشير الكاتب إلى دعوة روبرت زوليك، المدير المالى للبنك الدولى، فى سبتمبر 2005 دعوته للصين أن تصبح « شريكا مسئولا «responsible stakeholder فى النظام الدولى، ومنذ هذا الوقت استجابت الصين بشكل ايجابى لهذه الدعوة، وحقا فإن معظم الآسيويين يريدون أن يصبحوا شركاء مسئولين فى النظام الدولى، وتدلل الحقب الأخيرة أن الآسيويين قد أصبحوا من اكبر المستفيدين من النظام المتعدد المفتوح وعلى هذا فإن قلة من الآسيويين اليوم هم الذين يريدون هز استقرار النظام الذى يساعدهم. والإنباء الطيبة للعالم حقا أن تحديث آسيا بدا ينتشر إلى كافة أركان القارة. وقد بدأت العملية بالنموذج الذى قدمته اليابان ثم قلدتها النمور الاقتصادية الأربعة : كوريا الجنوبية، تايوان، هونج كونج وسنغافورة، وعندما بدأت الصين تعى أن بلدا على حدودها يفعل أفضل منها، قررت أن تلحق بهم بإطلاق «برنامج التحديثات الأربعة»، وعلى مدى الحقب الثلاث الأخيرة حققت الصين أسرع نمو اقتصادى فى العالم، وقد الهم نجاح الصين صعود الهند والآن فإن ملايين الآسيويين يسيرون نحو الحداثة والأخبار الطيبة الأكثر للعالم هى أن المسيرة نحو الحداثة تتجه إلى الدخول فى العالم الإسلامى فى غرب آسيا سوف يتم تحديثها فى القرن الواحد والعشرين، فإذا حدث هذا فان إسرائيل لن تكون مركز الحداثة فى غرب آسيا.
●●●
فى ضوء هذا يبدو واضحا إن هذا الكتاب يستند إلى التفاؤل حول دور آسيا فى المستقبل العالمى. من هذا المنظور يعيب الكتاب على الغرب أنهم حين يحدقون فى القرن الواحد والعشرين فإنهم فقط يرون صورا قاتمة وليس فجرا جديدا فى تاريخ الحضارة البشرية وهو أمر غريب باعتبار انه خلال القرون القليلة الماضية كان الغرب هو الذى أطلق مسيرة آسيا نحو الحداثة وعلى هذا كان يجب عليه أن يبتهج لهذا الاتجاه الجديد فى تاريخ العالم وبدلا من هذا فإن العقول الغربية تمتلئ بالخشية والخوف. ويتوقع الكاتب أن آسيا والغرب سوف يتوصلون فيما بعد إلى تفاهم مشترك حول طبيعة هذا العالم الجديد، فالحاجة إلى تطوير مثل هذا التفاهم لم يكن أهم مما هو اليوم فنحن ندخل فى اكثر اللحظات سيولة فى تاريخ العالم، فالقرارات التى نتخذها اليوم سوف تقرر مجرى القرن الواحد والعشرين، وينبه الكاتب إلى أن 5.6 بليون من الشعوب التى تعيش خارج نطاق الغرب لن يقبلوا بعد قرارات تتخذ نيابة عنهم فى العواصمالغربية. وعلى هذا يطرح الكتاب سؤالا مركزيا وهو : هل سيصبح القرن الواحد والعشرين انتصارا تاريخيا للغرب أم هزيمة تاريخية؟ أن الإجابة لا يمكن تقديمها الآن، أنها سوف تعتمد على كيف سوف يكون رد فعل الغرب على صعود آسيا، فعدد الشعوب فى العالم الذين ينشدون حلم الغرب فى وجود مريح للطبقة الوسطى لم يكن أعظم مما هو الان ولعدة قرون فإن الصينيين والهنود لم يكونوا يأملون فى ذلك، والان فإنهم يعتقدون انه فى متناول أيديهم، ومثلهم أن يحققوا ما حققته أمريكا وأوروبا، أنهم يريدون أن يكرروا لا أن يحتلوا الغرب. ورغم أن عالمية الحلم الغربى يجب كذلك ان تكون انتصارا للغرب ،ورغم هذا فإن العديد من قادة الغرب يبدأون خطبهم بتسجيل كيف أصبح العالم « خطيرا».
●●●
ويعيد محبوبانى إلى التأكيد على أن مجرى تاريخ العالم سوف يتقرر برد فعل الغرب تجاه هذه المسيرة الآسيوية المنظمة تجاه التحديث، فأمام الغرب بديلان واضحان فهو يستطيع أن يرقب ويتبنى انتشار التحديث والاستمرار فى العمل مع آسيا فى اتجاه انفتاح النظام العالمى، أما البديل الثالث فهو أن يشعر الغرب بشكل متزايد بالتهديد من نجاح آسيا وان يبدأ فى التراجع نحو قلعته سياسيا واقتصاديا.
وعند محبوبانى إن المجتمعات الآسيوية لا تنجح الان لأنها أعادة اكتشاف بعض جوانب القوة الخفية للحضارات الآسيوية ولكنها تنجح الان لأنها وعبر عملية مؤلمة فإنها قد اكتشفت أخيرا أعمدة الحكمة الغربية التى قام عليها التقدم الغربى وهى : اقتصاديات السوق، والعلم والتكنولوجيا، والجدارة، والبرجماتية وحكم التعاون والتعليم ومكنت الغرب لان يتعدى أداء المجتمعات الآسيوية خلال ألمائتى عام الماضية.
●●●
وهكذا يتضح لنا حماس محبوبانى للصعود الآسيوى وتأثيره على علاقات القوى فى العالم واذا كان يعتبر أن ما يسميه «بالحكمة الغربية» وعناصرها من اقتصاد السوق، وتبنى آسيا فى عملية صعودها لهذه الحكمة كانت السبب الرئيسى وراء عملية الصعود، غير إننا نعتبر أن محبوبانى يتجاهل عددا من التحفظات منها ما أورده خبير فى الشئون الآسيوية: بيل اموت Bill Emmot رئيس التحرير السابق لمجلة الايكونوميست البريطانية فى كتابة الأخير : Rivals، How the power struggle between China، India، and Japan will shape our Next Decade وهو ما يوحى بإمكانيات الصراع والتنافس بين هذه القوى والكيانات الآسيوية الكبيرة حول الأسواق والموارد والمزايا الاستراتيجية مما يجعل الصين واليابان والهند تتحفظ ضد بعضها البعض لان مصالحها القومية الآن تتداخل، وفى جزء منها تتنافس، لان كلا منها تشكك فى دوافع الأخرى ونواياها ولان القوى الثلاث تأمل فى شق طريقها فى كل من آسيا وبشكل أكثر اتساعا، وبكل ما يتبعه هذا على فرص الاستقرار والتعاون فى القارة، هذا إذا أضفنا النزاع الكامن المتكرر بين بلدين آسيويين نوويين هما الهند وباكستان، وكذلك البرنامج النووى لكوريا الشمالية الذى يخيم على جيرانها وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية.