مازالت أصوات عديدة في الولاياتالمتحدة وأوروبا ترتفع مؤكدة علي ان القرن الحادي والعشرين سوف يكون امريكيا كسابقه، بينما تتوالي الرهانات. المشفوعة بالعديد من الحيثيات لتؤكد علي ان ثمة غروبا امريكيا مقابل صعود اسيوي، ربما تكون الصيني مركزه، أو تنشأ معادلة جديدة للتوازنات داخل آسيا، خاصة شرقها، تقود الي فرض حقيقة مغايرة، ورهان مختلف القرن الحادي والعشرين أصفر، فاقع لونه! وليس ثمة تعارض بين التوقعات الخاصة بالصعود الآسيوي، وتلك الرهانات علي نظام دولي متعدد الاقطاب، فنكهة القرن في المحصلة الاخيرة تظل اسيوية المذاق. الطموحات الصينية، واليابانية، والهندية لا تنفرد بالمشهد، فهناك - ايضا - رابطة دول جنوب شرق اسيا »الاسيان« التي تؤكد علي ان دور اسيا في قيادة العالم قد حان. وبعيدا عن التطلعات والطموحات والرهانات، فان هناك من الحقائق الباردة ما يرجح كفة القارة الصفراء، ويؤكد اهليتها لتكون رمانة الميزان للنظام الدولي الذي يسود بعد تجاوز مرحلة السيولة واعادة التشكل الراهنة. الصين اصبحت ثاني أكبر الكيانات الاقتصادية العالمية، وخلال العقد الثالث من القرن سوف تحتل الصدارة، بعد ان تبادلت المقاعد مع اليابان التي صارت ثالث أكبر اقتصاد في العالم. »الأسيان« تخطط لاطلاق مجموعة اقتصادية موحدة بحلول عام 5102. بانقضاء الربع الأول من القرن الحالي، سوف تكون هناك خمسة من بين ستة هي اكبر الانظمة الاقتصادية في العالم علي ارض اسيا الصين علي رأسه القائمة ثم الولاياتالمتحدة، فاليابان، والهند، واندونيسيا وكوريا الجنوبية، واخيرا تايلاند. فضلا عن الاقتصادات القوية، فإن القوي الآسيوية الصاعدة تعتمد علي قاعدة تكنولوجيا متطورة، وقوة عسكرية مؤثرة، بما في ذلك اليابان التي يمكن رصد تحولات ثقافية ودستورية تؤكد تطلعاتها المتحررة من عقد الحرب العالمية الثانية. ايقاع النمو المتصاعد لا يرتكن علي ارقام الانتاج ومعدلات التصدير، فحسب، ولا حتي علي الانجازات التقنية، أو التوجه نحو البناء العسكري، ولكن قبل ذلك كله فإن ثمة تزاوج بين امكانات التحديث والتنمية من جهة والاعتزاز بالهوية الخاصة التي تعكس في جوهرها عقيدة التفوق الاسيوي من جهة اخري. هكذا؛ فإن الصعود الاسيوي يترجم في احد أهم جوانبه تطلعا لاثبات الذات، من جانب دول وشعوب تري انها تمتلك اكبر فرص للتقدم، وتصدر المشهد المستقبلي. والي حد بعيد فان الترويج لافكار من قبيل »صدام الحضارات« و»نهاية التاريخ« كان ضمن العوامل التي أججت روح التحدي وتأكيد الذات، والسعي لما يثبت التمايز والتفرد الآسيوي في مواجهة استراتيجيات الهيمنة، وما ينجم عنها من ممارسات تقاوم اي محاولات أو افكار تسعي لاضفاء نوع من الديمقراطية وتوسيع نطاق المشاركة في اطار نظام دولي متعدد الأقطاب. ومقابل تراجع القدرة، والسقوط النسبي للولايات المتحدة والصراع المكتوم احيانا والعلني في احيان اخري بين ضفتي الاطلنطي، فان ثمة حوارات رفيعة المستوي بين »الكبار« في اسيا لا يستثني اي من القوي الصاعدة ثم تجاوز ذلك الي مزيد من الانفتاح علي ارجاء العالم، واستهداف امريكا اللاتينية الي كانت دولها تمثل تقليديا ملعبا خلفيا للولايات المتحدة وصولا التي افريقيا باعتبارها الساحة الجاذبة للاعبين الدوليين خلال المرحلة القادمة. ثمة طفرة استراتيجية تتجاوز التأثير الاقتصادي الي التأثير سياسيا وثقافيا علي كل الدوائر والمناطق، لا تقتصر علي الصين التي ترشحها العديد من التوقعات لتكون اعظم لاعب في تاريخ البشرية، ولكنها تبدو وكأنها هجمة اسيوية لنسج خيوط القرن الجديد، ليس بالبضائع والسلع والعلاقات ولكن ايضا بالترويج للقيم الاسيوية باعتبارها قيما كونية.