من بين أهم مظاهر التقدم التي تعكس جدية أي دولة في سعيها نحو التقدم تجئ مظاهر النظام والانضباط والجدية واحترام القانون في كل مشاهد السلوك العام. وهذه المظاهر التي تعكس جوهر التقدم والتحضر في أي مجتمع لا تنشأ من فراغ وليست عادات متوارثة, فما أكثر الدول والشعوب والأمم التي كانت متقدمة ومتحضرة في أزمنة سابقة ثم أصبحت الآن عنوانا للتخلف والفوضي! وأيضا فإن مظاهر التقدم في أي دولة ليست رهنا بالغني والثروة, لأن كثيرا من الدول قدمت نماذج حية علي قدرتها في صنع الحضارة والتقدم رغم ضعف مواردها وقلة إمكاناتها وأصبحت عنوانا للإرادة التي تقدر علي تخطي المستحيل. وإذن فإن هناك سببا وراء ذلك الذي نشهده بأعيننا وتحار في فهمه بعض عقولنا التي قبلت بأن تحصر رؤيتها في قوالب نمطية ثابتة تربط بين الفقر والتخلف, وبين الغني والتقدم. إن سبب وركيزة التقدم في أي مجتمع يكمن في شيء أساسي هو مزيج بين فن القيادة ومرونة الإدارة. وإذا كنا قد عشنا لسنوات طويلة نعتقد أن القيادة موهبة- وذلك بالفعل صحيح- فإنها في ظل ظروف العصر أصبحت علما وموهبة, ومن رحم هذه القيادة الموهوبة التي سلحت نفسها بالعلم والمعرفة تولد الإدارة السليمة. إن الإدارة لم تعد مجرد علوم نظرية أو وسائل تطبيقية وإنما أصبحت رهنا بمدي توافر الكوادر القيادية التي تملك الأفق الواسع والقدرة علي اتخاذ القرار الصحيح في التوقيت الصحيح. وأمامنا أمثلة كثيرة تؤكد أن الفارق بين كثير من الدول المتقدمة والدول المتخلفة يكمن في قدرة هذه الدول المتقدمة علي أن تعوض نقص الإمكانات والثروات والموارد بحسن الإدارة السليمة, بينما يرجع سبب التخلف في عديد من الدول ذات الثروات الهائلة والكنوز المدفونة في باطن أرضها إلي افتقارها للكوادر القيادية الموهوبة والمؤهلة. وأغلب الدول المتخلفة لا تبذل جهدا في بناء الكوادر القيادية السليمة وإنما تترك هذه الأمور للمصادفة البحتة, ومن ثم يجئ الاختيار فيها عشوائيا ولكل حالة ظروفها, فهذا موقع يلائمه صاحب خبرة وموقع آخر يحتاج إلي موضع ثقة... الأمر الذي يعكس غيابا للرؤية الصحيحة وتغييبا للمعايير العلمية المتعارف عليها عالميا! وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: إذا لم تنل شرف الرئاسة فلا تخسر شرف الضيافة! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله