تظل قضية الإدارة العلمية بالنسبة لمصر هي القضية الأجدر بالاهتمام إذا كنا بالفعل جادين في السعي بصدق نحو فهم كامل لحجم التحديات التي تواجهنا وبما يمكننا من وضع أقدامنا علي بدايات طريق النهوض وتوفير قدرة السير علي هذا الطريق بخطي ثابتة. وعندما أتحدث عن الإدارة العلمية فلست أقصد فقط عناصر الضبط والربط التي تضمن انتظام دورة العمل في مؤسسات الدولة ولا أستهدف مجرد تأكيد الالتزام بالقواعد المحاسبية الشفافة واحترام القوانين واللوائح المتعارف عليها, إنما أقصد الإدارة العلمية المستندة إلي قاعدة صلبة وواسعة من المعرفة.. ثم إنني أقصد أيضا تأكيد ضرورة المزج بين ثقافة المعرفة من ناحية وفن القيادة من ناحية أخري! والحقيقة أن أهم مظاهر التقدم التي تعكس جدية أي دولة في مواكبة روح العصر هي النظام والانضباط والجدية واحترام القانون في كل مشاهد السلوك العام... ولا شك في أن هذه المظاهر التي تعكس جوهر التقدم والتحضر في أي مجتمع لا تنشأ من فراغ وليس عادات متوارثة, فما أكثر الدول التي كانت متقدمة ومتحضرة في أزمنة سابقة ثم أصبحت الآن عنوانا للتخلف والفوضي وهو ما يؤكد أن مظاهر التقدم والحضارة ليست رهنا بالغني والثروة لأن كثيرا من الدول قدمت نماذج حية علي قدرتها علي صنع الحضارة والتقدم رغم ضعف مواردها وندرة إمكاناتها! بوضوح شديد أقول: إن ركيزة التقدم في أي مجتمع تكمن في عدة أشياء أساسية تجمع بين فن القيادة ومرونة الإدارة مع وجود قاعدة معلوماتية دقيقة وغزيرة... وهنا لا بد أن نؤكد أن الإدارة لم تعد مجرد علوم نظرية أو وسائل تطبيقية, وإنما أصبحت رهنا بحسن اختيار الكوادر القيادية التي تملك الأفق الواسع والقدرة علي اتخاذ القرار الصحيح في التوقيت الصحيح... وأمامنا أمثلة كثيرة تؤكد أن الفارق بين الكثير من الدول المتقدمة والدول المتخلفة يكمن في قدرة الدول المتقدمة علي أن تعوض نقص الإمكانات والثروات والموارد بحسن الإدارة السليمة, بينما يرجع سبب التخلف في عديد من الدول ذات الثروات الهائلة والكنوز المدفونة في باطن أرضها إلي افتقارها للكوادر القيادية الموهوبة والمؤهلة. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: الصداقة والأصدقاء صناديق مغلقة لا يعرف محتواها إلا بمفاتيح التجربة! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله