إذا كانت الثورة تعني التغيير فإن أول شرط لضمان نجاح الثورة أن تستند إلي سلوك ثقافي جديد وليس مجرد خطاب ثقافي جديد, لأن ثقافة التغيير تحتاج إلي أداء وسلوك يسهم في تغيير وجه الحياة وإعادة ضبط المعادلة المجتمعية بالشكل الذي يحقق أكبر قدر من المشاركة في تحمل المسئولية, وأكبر قدر من احترام الرأي الآخر وعدم السعي لإرهابه بأي صورة من الصور! أتحدث عن ثقافة السلوك التي تتجاوز الرؤية النمطية للثقافة في الذهنية العربية والتي تختصرها في روافد المعرفة ودرجات التحصيل العلمي ومساحات الانتشار الإعلامي... وما أكثر الدول والمجتمعات التي تنتشر فيها القراءة وتزدهر فيها الفنون ولكنها بالقياس الإنساني الصحيح مازالت بعيدة جدا عن التصنيف الحضاري, الذي يتحدد علي ضوء السلوك المجتمعي في شتي جوانب الحياة وبما يعكس درجة التقدم أو التخلف في ثقافة السلوك. إن من السهل والميسور أن تتمكن أي دولة غنية من طبع الكتب الرخيصة وبناء المدراس والجامعات الحديثة وإقامة المسارح المبهرة والمعارض الفنية الجذابة وتشييد أضخم وأوسع الاستادات والصالات الرياضية من نوع ما تقوم به بعض الدول البترولية.. ولكن ذلك لا يكفي لركوب قطار الحضارة الذي يتطلب اشتراكات أساسية أهمها اجتياز الامتحان الصعب في ثقافة السلوك التي تنعكس في الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان وعدم التفرقة بين الرجل والمرأة, وعدم التحيز بسبب اللون أو الجنس أو العقيدة. وقد يكون مفهوما أن تحتاج العديد من المجتمعات العربية لسنوات من التدرج الطوعي لبناء ثقافة السلوك التي تدخل بها ضمن لوائح التصنيف الحضاري لكن الأمر بالنسبة لمصر جد مختلف ليس فقط لأنها بهرت العالم بسلمية وتحضر سلوك شعبها في ثورة25 يناير وإنما لأن مصر أسبق تاريخيا في معرفة وتوفير الاشتراطات المطلوبة لركوب قطار الحضارة بثقافات معرفية وتاريخية يسهل تحويلها إلي ثقافة سلوك يومية ودائمة. التغيير الحقيقي يحتاج إلي ثقافة سلوكية جديدة تستبعد أي خروج علي النص من نوع الخلط المعيب بين الحرية والفوضي! خير الكلام: خطبت وكنت' خطبا' لا خطيبا... يضاف إلي مصائبنا العظام! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله