لا شيء أخطر علي مستقبل أي وطن من خطر الوقوع في محظور الجمود ومخاصمة التطور خصوصا في علوم السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع, لأن ذلك معناه الاستسلام للأفكار المتجردة التي تريد أن توقف حركة الأمم والشعوب نحو المستقبل. ونحن جميعا نعلم أن الكرة تظل ساكنة لا تبرح مكانها حتي يركلها أحد اللاعبين فإذا بها تتحرك وتتدحرج, وهكذا الفكر أيضا يبقي ساكنا كهدوء الليل فإذا بحوادث الأيام تحركه وتدفع به لينطلق حتي يعود إلي سكونه, ولا يعاود التفكير حركته مرة أخري إلا بظهور قوة أخري تنقله من خندق السكون إلي ساحة الحركة. وعلي سبيل المثال فإن الوطن المصري يمر حاليا بمرحلة من أخطر المراحل وأدقها, حيث يجد نفسه محاطا بظروف تتماوج من حوله فيتماوج معها الفكر فتأخذه اتجاهات شتي, وأحداث متغايرة وظروف متقلبة, وفي هذه الظروف فإن الذين تتوافر لهم القدرة علي أن يطفوا بفكرهم علي سطوح الأحداث المتماوجة هم الذين لهم الحق والقدرة علي القيادة والتأثير الفعال. وللأسف الشديد فإن هناك نفر من الناس تحرك عقولهم قوة واحدة مهما تعددت القوي من حولهم, وكأن أفكارهم لا تتبدل ولا تتفاعل مع الأيام والأحداث... أناس قولبوا فكرهم علي مبدأ واحد إن صلح لزمان غابر فما هو بصالح لزمان آت, أناس يعوزهم الإدراك بأن الأيدي المكبلة لا تستطيع حراكا, وأن العقول المقولبة لا تنتج إلا أفكار, مسبقة الإعداد, وأنهم بوعي منهم أو عن غير وعي أسري لأفكار ومعتقدات عاشت معهم ردحا من الزمن فلا هم بقادرين علي الخروج من أطرها, ولاهم بمصدقين أنهم رعوا أفكارا ومناهج ولآماد طويلة إيمانا منهم بمصداقيتها فإذا هي أفكار ومناهج ما أينعت ولا كانت جوهرا!. وظني أن رجل السياسة الحكيم يجب أن يدرك أنه مهما بلغ رصيده من الخبرة ومعرفة خبايا السياسة ودهاليزها فإن آخر شيء يمكن له القول به هو أن حصاد خبرته يصلح لكل الظروف, وإنما تتحدد النتائج ضمن الظروف التي أقيمت عندها التجربة التي صنعت له الخبرة فليست كل المواجهات واحدة وليست كل الأجواء متشابهة, ومن هنا فإن التعامل مع أية قضية تحت ظروف مغايرة سوف تفرز نتائج مختلفة عما تشير إليه أجندة الخبرة والتجربة. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: تلميع العقول أفضل كثيرا من تلميع الأحذية!. [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله