لو أن أحدا سألني عن البعد الغائب في كل ما ينشر عن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لقلت أنه البعد المتعلق بكيفية التعامل مع ما جري- سلبا أو إيجابا- بروح الرغبة في ترسيخ المناخ الديمقراطي وتأكيد جدية ومصداقية الرغبة في مواصلة مسيرة الإصلاح وتفعيل الحياة السياسية والحزبية تفعيلا شاملا. وربما يكون ذلك مدخلي لسؤال آخر هو: هل يمكن أن تتغير ظروف مصر وأحوالها وأوضاعها والقوي المحيطة بها والحاجات الاقتصادية والمعيشية والنمائية بها برغم أن كيمياء الناس ورغباتهم لم يحدث بها تغيير جوهري في الفكر وفي أساليب العمل بما يلبي متطلبات أحلام التغيير والتطور المنشود؟ الحقيقة أننا مطالبون بأن نحدث تغييرا في المظهر وفي الجوهر لأن تعاطي السياسة في عالم اليوم لا يعرف المباديء بقدر ما يعرف المصالح, بل إن المراوغة قد تسبق المصارحة في أغلب الأحيان.. وأظن أن من يراجع دروس التاريخ يجد أن الذين يغلفون المظهر ويصونون المحتوي هم الأقدر علي الصعود فوق الأحداث والوصول إلي بر الأمان لأنهم يعرفون كيف يغطسون إلي قاع الماء وكيف يستقرون علي سطحه حسبما تقتضي الظروف.. وأيضا فإن دروس التاريخ تؤكد لنا أن الأفكار المتحجرة تغرق في محيط التطورات السياسية المتلاحقة, ولكن تغليفها قد يساعد علي إبقائها طافية علي سطح الأحداث. ولأننا نواجه مخاطر عديدة في بحور وأنهار سياسية متنوعة بأمواجها المتلاطمة ورياحها العاتية وشواطئها المليئة بالأشواك والأحجار المدببة فليس أمامنا خيار آخر غير أن نتحسب لكل هذه المخاطر حتي نتجنب الخطر ونتمكن من مواصلة السباحة سواء مع أو ضد التيار والقدرة علي انتقاء مرفأ آمن علي بقعة من الشاطيء تخلو من الأشواك والأحجار المدببة. ومعني ذلك أن الأمم والشعوب الواعية يجب أن تدرك أنه مهما بلغ رصيدها من الخبرة ومعرفة خبايا السياسة ودهاليزها, فإن آخر شيء يمكن لها القول به هو أن حصاد خبرتها يصلح لكل الظروف, وإنما تتحدد النتائج ضمن الظروف التي أقيمت عندها التجربة التي صنعت لها الخبرة, فليست كل المواجهات واحدة وليست كل الأجواء متشابهة ومن هنا فإن التعامل مع أي قضية تحت ظروف مغايرة سوف يفرز نتائج مختلفة عما تشير إليه أجندة الخبرة والتجربة. إن الدولة الواعية هي التي تدرك مبكرا أنه لا شيء أخطر علي حاضرها ومستقبلها من أن تقع في محظور الجمود وأن تخاصم التطور خصوصا في علوم السياسة والاقتصاد.. لأن ذلك معناه الاستسلام للأفكار المتحجرة التي تريد أن توقف الحركة نحو المستقبل... وعلماء الطبيعة يقولون: إن الكرة تظل ساكنة لا تبرح مكانها حتي يركلها أحد اللاعبين فإذا بها تتحرك وتتدحرج وهكذا الفكر أيضا يبقي ساكنا كهدوء الليل فإذا بحوادث الأيام تحركه وتدفع به لينطلق حتي يعود إلي سكونه ولا يعاود التفكير في حركته مرة أخري إلا بظهور قوة أخري تنقله من خندق السكون إلي ساحة الحركة. وأعظم الأمم هي الأمم التي تملك استمرار القدرة علي تفعيل إرادة التغيير.. والمهم أن يكون التغيير للأحسن وأن يكون اتجاه التغيير للأمام وليس بالارتداد للخلف. وظني أن أية ملاحظات علي انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لا ينبغي أن تحد من قدرة مصر علي تجديد نفسها وقدرتها أيضا علي تفعيل إرادة التغيير كلما كانت الظروف مواتية! *** خير الكلام: ** لا ينبت الزرع ولا يشتد عوده إلا إذا ألقيت البذرة السليمة في التوقيت الصحيح! [email protected]