أفكارنا المرهقة

الأفكار المرهقة هى التى لم تعد تلهم العقل القدرة على التجديد والإبداع، والانغماس فى التعامل بهذه الأفكار يصيب البشر والمجتمعات بالتبلد والجمود.
يرى الفيلسوف والمؤرخ الهولندى جوهان هويزينغا فى كتابه «خريف العصور الوسطى» أن أوروبا فى نهاية عصرها الوسيط كانت تعيش على رصيد من الأفكار المرهَقة التى لم تعد تلهم العقل الأوروبى، بل أصبحت عبئا ثقيلا عليه، وأنها لم تخطُ خطواتها نحو النهضة إلا حين تحررت من أسر الأفكار المرهقة التى كبلتها قرونا طويلة.
أفكارنا المرهقة ليست فى مجال واحد، بل فى كل المجالات بدءا من الخطاب الدينى وتوقف الاجتهاد والنزعة للتقليد والانقياد لاجتهادات ناسبت عصرها ولا تناسب عصرنا وكذلك فى السياسة والإدارة والعلاقات الاجتماعية، وغيرها من مجالات الحياة.
نتحرك دائما من منطلقات ثابتة ترسخت فينا عبر الأعراف وطبيعة التكوين وسطوة المجتمع الثقافية، وقد لا تكون كل منطلقاتنا هذه صحيحة بالضرورة، ولا يمكن أن نغير هذا إلا إذا امتلكنا الشجاعة الكافية لمراجعة الأفكار وزلزلة العقول.
حلولنا لمشاكلنا حلول تقليدية تأتى من البيئة نفسها التى أوجدت هذه المشاكل لذا لا نتقدم. لا تنهض الأمم وتتحرك للإنجاز إلا إذا قامت بتغيير أفكارها المكبلة التى تتراكم بشدة فى عهود الاستبداد والانحطاط الحضارى.
عانت مصر خلال العقود الأخيرة من غياب الفكر وقلة المفكرين الذين يقومون بإنتاج الأفكار وتجديد روح العقل، واللحظة سانحة الآن بعد الثورة لبدء ثورة الأفكار والانطلاق إلى مستقبل واعد طالما هفت إليه القلوب.
لكن يحتاج إنتاج الأفكار إلى مناخ ملائم ومحفز ومساعد يسمح بخروج هذه الأفكار، لا يمارس فيه الإرهاب الفكرى ولا التخوين ولا يعاقب فيه صاحب فكر أو رأى على آرائه واجتهاداته.
صناعة الأفكار تبدأ من تعليم جيد وملهم يساعد الطفل على اكتساب مهارات التفكير وإكسابه قيمة العقل النقدى الذى يراجع كل ما يمر أمامه من أفكار وأحداث ورؤى وإذا تم غرس بذرة الإبداع فى النشء الصغير فإن شكل هذا المجتمع سيتغير بلا شك.
نحتاج إلى هدنة مع النفس نخرج فيها عن إطار الحياة التقليدى الذى يقودنا بضغوطه وأحداثه المتلاحقة لنحلق فى سماء الأفكار والتغيير والتجديد.
يجب أن ندق أبواب المستقبل بقوة وننهى فترة الجمود التى أصابت العقل المصرى وحرمته من أن يكون شريكا فى بناء الحضارة الإنسانية خلال العقود الماضية.
العقل المصرى يملك الكثير ليقدمه لوطنه ولهذا العالم، ورغم ما أصابه من تجريف وتشويه فإنه يستطيع استعادة عافيته وإثراء الحضارة الإنسانية بالكثير.
أطلقوا ثورة الأفكار، ودعوا الزهور تتفتح لينبعث منها رحيق الفكر والإبداع، تخلوا عن الأفكار المرهقة، وألقوا بها وراء ظهوركم فالقادم أفضل إذا تحررنا من الخوف ومضينا نستكشف ملامح الطريق الجديد الذى يرسل إلينا إشارات وعلامات تدعونا لإصلاح ما مضى وصناعة حياة جديدة.