تعترف الصين بأنها تجنى ثمار انضمامها لمنظمة التجارة العالمية قبل 17 عاما، ولكن السؤال المشروع هو: وماذا استفاد العالم من ذلك؟ الحقائق والأرقام تشهد بأن ما جناه العالم من تلك الخطوة، لا يقل عن مكاسب الصين. الأهم هو أنه ما كان يمكن لهذه المنظمة أن تكون منظمة عالمية للتجارة بدون الصين، وفقا لتعبير المدير الأسبق للمنظمة مايكل مور. بل إن مكاسب الصين هى فى الحقيقة رصيد لإنجازات المجتمع الدولى، فعندما يتخلص ملايين الصينيين من الفقر، وعندما يتحسن مستوى معيشة ما يقرب من مليار وأربعمائة مليون نسمة فى الصين، وعندما تندمج مصالح الصين التجارية مع العالم، وعندما توفر المنتجات الصينية لغير القادرين فى العالم فرصا لحياة أفضل، كل ذلك يساهم فى تحقيق الأهداف التى تسعى إليها البشرية. لقد دشنت الصين مرحلة جديدة من انفتاحها بانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، وأصبحت منذ عام 2002، أى بعد عام واحد من انضمامها للمنظمة، محركا أساسيا لتعافى ونمو الاقتصاد العالمى. الصين تساهم بنحو 30% من النمو الاقتصادى العالمى. إن مقارنة بسيطة بين ما كانت تستورده الصين من بقية دول العالم قبل وبعد انضمامها للمنظمة تبين حجم استفادة العالم من انخراط الصين فى التجارة الدولية. فى عام 2001، كان حجم واردات الصين 6ر243 مليار دولار أمريكى، وصل فى عام 2017 إلى تريليون و84 مليار دولار أمريكى، بمعدل نمو سنوى بلغ 5ر13%، والصين حاليا ثانى أكبر دولة مستوردة فى العالم. فى تلك الفترة، زادت واردات الصين من الخدمات من 3ر39 مليار دولار أمريكى إلى 6ر467 مليار دولار أمريكى، بمعدل نمو بلغ 7ر16%، أى 7ر2 ضعف متوسط الزيادة العالمية. الصين حاليا شريك تجارى رئيسى لأكثر من مائة وعشرين دولة ومنطقة فى العالم. فى عام 2001 كان حجم استثمارات الصين المباشرة الخارجية حوالى 47 مليار دولار أمريكى، وصل إلى أكثر من 136 مليار دولار أمريكى فى 2017، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 9ر6%. الحقائق تقول إن معدل زيادة واردات الصين فى الفترة الأخيرة أقل من معدل زيادة صادراتها، ففى عام 2017، زادت واردات الصين بنسبة 7ر81% بينما زادت صادراتها بنسبة 8ر10% فقط. وفى عام 2017، انخفض الفائض التجارى للصين بنسبة 2ر14% مقارنة مع عام 2016. من المهم أيضا هنا أن هيكل التجارة بين الصين والدول النامية يتغير، ففى الفترة من يناير إلى نوفمبر 2017، بلغ حجم التبادل التجارى بين الصين وأفريقيا حوالى 155 مليار دولار أمريكى، بمعدل زيادة بلغ 8ر14% مقارنة مع العام السابق، وبلغت قيمة صادرات الصين إلى أفريقيا حوالى 86 مليار دولار أمريكى، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 3ر2%، فى حين بلغت قيمة الصادرات الأفريقية إلى الصين حوالى 67 مليار دولار بزيادة بلغت نسبتها 4ر35%. وعلى مستوى الدول، فإن صادرات مصر، كمثال، إلى الصين خلال شهرى يناير وفبراير 2018 ارتفعت بنسبة 99% تقريبا، لم يتجاوز معدل زيادة الصادرات الصينية إلى مصر 26% تقريبا مقارنة مع نفس الفترة من عام 2017. فى العام الماضى، احتلت مصر المرتبة الثالثة فى قائمة أكبر الدول المصدرة للحمضيات إلى الصين، بعد جنوب أفريقيا والولاياتالمتحدةالأمريكية. فى موسم 2016/ 2017 زادت صادرات مصر من البرتقال إلى الصين بنسبة 204%، وفى ظل النزاع التجارى الصيني- الأمريكى الحالى، من المتوقع أن تزيد صادرات مصر من الحمضيات إلى الصين بنسبة كبيرة. وحسب تقرير لشبكة «بلومبرج» الإخبارية، فإن قطاع الطاقة فى منطقة الشرق الأوسط يمكن أن يستفيد من النزاع التجارى الصيني- الأمريكى. وقالت الشبكة إنه فى حال مضت الصين قدما فى اقتراحها لفرض رسوم بنسبة 25% على البولى إيثيلين والبروبان السائل اللذين كانا من بين 106 سلع أمريكية مستهدفة، قد يتجه المشترون الصينيون إلى بدائل أقل تكلفة، الأمر الذى يجعل الشرق الأوسط الغنى بالطاقة، والذى يحتوى على الكثير من الإمدادات البتروكيماوية، مناسبا تماما لتلبية متطلبات السوق الصينية. من جانب آخر، فإن المنتجات الصينية ذات الأسعار المناسبة، أفادت الملايين من البسطاء فى أنحاء العالم، فانخراط الصين فى الاقتصاد العالمى أدى إلى انخفاض فى الأسعار العالمية، سواء بالنسبة للمستهلكين الذين يستخدمون المنتج النهائى أو للمنتجين الذين يحصلون على أرخص المدخلات الممكنة. لقد أتاحت المنتجات الصينية لكثيرين، حتى فى الدول الغربية، فرصة الحصول على سلع أكثر بتكلفة أقل. كما أن حاجة المصنعين الصينيين إلى إنتاج سلع بأسعار معقولة جعل الحكومة الصينية تخفض التعريفات الجمركية على مدخلات الإنتاج، وهذا بدوره أتاح فرصا عديدة للمصدرين من الخارج. لقد كانت الخطوة الأولى فى نهضة التصنيع والتصدير الصينية هى خفض التعريفات الجمركية على الواردات. الوجود الصينى فى الاقتصاد والتجارة العالميين ربما يقلق بعض الدول، ولكن يتعين على تلك الدول أن تنتبه إلى حقيقة أن الصين تدخل مرحلة من مراحل تطورها الاقتصادى مع إمكانات هائلة لنمو الاستهلاك واستيراد السلع والخدمات، حيث تقدر قيمتها بأكثر من عشرة تريليونات دولار أمريكى فى السنوات الخمس المقبلة. بعبارة أخرى، سوف تنفتح الصين أكثر على العالم. ومن المظاهر الواضحة لهذا الاتجاه هو إقامة معرض الصين الدولى للاستيراد فى شانغهاى فى شهر نوفمبر 2018. بالنظر إلى هذا المنظور، يجب ألا تركز النزاعات التجارية الحالية بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالصين على الأرقام الحالية للميزان التجارى فحسب، وإنما أيضا أن تنظر إلى المستقبل الواعد. إن الصين لا تسعى إلى مصالحها على حساب مصالح الآخرين، ودليل ذلك أنها أوفت بكافة التعهدات التى قطعتها على نفسها عند الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. الصين لا تركض خلف مصالح أنانية، ولكنها أيضا لا تخشى التهديدات الأمريكية، فالشعب الصينى لديه تاريخ طويل من النضال الشاق والكفاح المرير. إن منظمة التجارة العالمية تواجه حاليا لحظة صعبة. يجب إعطاء منظمة التجارة العالمية أهمية أكبر. ودعم الصين للمنظمة يعطى دفعة لها. يجب التعامل مع النزاعات التجارية بطريقة لا تضر بالأبعاد الأخرى للعلاقات بين الدول المشاركة فى نزاع تجارى. وينبغى ألا ننسى أن التجارة الدولية هى أحد شروط الحفاظ على سلام العالم. إن الولاياتالمتحدةالأمريكية بسياساتها التجارية تضر بالنظام العالمى. ينبغى للعالم أن يتوحد فى مواجهة الهيمنة الأمريكية