ما بين 30 يونيو و3 يوليو عام 2013 ساعات، وما بين 3 يوليو واليوم 5 سنوات، أكاد أراها يوماً أو بعض يوم فى حياة الأمة، فماذا لو لم نستعدْ مصر فى تلك الأيام الصعبة؟ جاءت القيادة الصالحة والشجاعة، وهذا وصف قليل عليها، أنقذت الشعب من هلاك محقق، واحتلال محتوم، وحروب أهلية ودينية مخيفة، ومن شراذم الأمم، وأشر خلق الله! فهى مافيات دينية مجرمة، بلا أخلاق، ولا قيم، ولا دين، وجماعات مسلحة، تملكها الشر والطمع، وحصلت على فوائض مالية، وظفتها للاستيلاء على السلطة فى أقدم دولة فى التاريخ، بأساليب العصابات المسلحة. فسلطة مصر كانت فى الشارع، وشعبها يبكى فى صمت، وقد تسلط على قرارها جماعات نعرفها جيداً، ومن كثرة ما خالطناها لم ندرك خطورتها، وتصورنا أنها فى أيدينا، ولن تخرج وتفرض علينا حكما من القرون الوسطى، وأفكارا عفا عليها الزمن بل الأزمان!. تلك المافيا الدينية جاءت من كتب تاريخية كتبها الحمقى، وأصحاب القلوب السوداء، صيغت بلغة وفكر، حولت سماحة الإسلام إلى فلسفة لحكم العصابة فى تلك الأيام! عندما تسلطوا على مصر تصورت أننا فى حالة من التساهل، تؤدى إلى هلاك البشر، وزوال الأوطان، فتذكرت الهزائم الكبرى فى تاريخنا، وهى لم تكن أياما بل سنوات طويلة، كان يغيب فيها الوطن فى التيه والانكسار والاحتلال المدمر للإنسان، وتكررت منذ سقوط دولة الفراعنة القديمة، فتسلطت علينا جماعات خارجية، حتى حكمنا العثمانيون، وقبلهم المماليك، وكتب التاريخ مليئة بالمآسى للمصريين، ودفعت أثمانها أجيال وأجيال من أجدادنا، رحمة الله عليهم جميعا. لم يكن الاستعمار الحديث، سواء الإنجليزى أو الفرنسى وبعده الإسرائيلى أو النفوذ الأمريكى هو أصعب الاحتلالات، فقد نجد لهم، رغم رفضنا الاحتلال وقسوته، ما يمكن أن نقوله عنه، بأنهم لم يحرموا أجيالاً من التعليم الحديث، فمثلا الفرنسيون فكوا شفرة لغتنا القديمة، وعرّفوا العالم بالحضارة المصرية العريقة. وليس هذا ذكراً لمحاسن المحتل، ولكنه تبيان لشكل الاحتلال الجديد الذى بزغ فى بر مصر بعد الفوضى والاضطرابات الكبرى التى شملت البلاد بعد سنوات من الألفية الثالثة، فقد كان احتلالا دينيا، ومافيا عاشت فى الخارج والداخل، تغذى نفسها بأنها صاحبة الحق فى حكم مصر وقيادة دولتها. وعندما تسامحت الدولة المصرية ومؤسساتها الراهنة معهم، وأجريت الانتخابات فى ظل الفوضى والثورة، أدركت أن الغيبوبة وصلت إلى حد مخيف، ونحن نهلل ونصفق، ونصدق محطات تركياوقطر وإيران وغيرها فى أمريكا وأوروبا، وكانوا يضحكون علينا، ويقولون إن المصريين يكتبون التاريخ، ولحظتها أدركت صعوبة اللحظة، وأن الضمير غاب، وأن الخوف تسلط، وأننا دخلنا حقبة صعبة جديدة. لم يكن صعباً على الشعب أن يعرف أن القادمين الجدد لحكم الوطن جماعة خارجة على القانون، تستقوى بأموال ونفوذ خارجيين، وأنهم جاءوا لتغير من جوهر الدولة المصرية الحديثة التى عرفناها فى الحقبتين الملكية والجمهورية، وأن البنية الجديدة لدولة الإخوان ستكون دولة دينية بمعايير لم يألفها، ولم يعرفها المصريون فى تاريخهم على الإطلاق. لم تكن هوية جديدة يصوغها الفريق الحاكم، ولم تكن تغييرا جذرياً فى شكل الإنسان الذى عرفناه فحسب، بل دولة رهيبة، تستطيع أن تجدها فى طالبان أفغانستان، أو داعش العراق، أو جماعة النصرة فى سوريا، أو فى كهوف القرون الوسطى، أو كتب التاريخ القديمة لخوارج العصور الذين مروا على الأمة الإسلامية، وعاشوا فى الكهوف، وحولوها إلى قصور للحكم والاستيلاء وأجروا فيها البيع والشراء باسم الأديان، إنها صورة مخيفة، وحدثت بالفعل، واستمرت سنوات حتى أسقطهم الشعب ومؤسساته. تلك الذكرى تجعلنا نعيد دراسة فكر هذه الجماعات، وماذا كانوا يخططون؟ وأى سلطة كانوا يريدونها؟ ونحن نعرف أنهم أرادوا إسقاط الدولة التى عشنا فى كنفها منذ محمد على وعبد الناصر (ملكية وجمهورية)، فماذا كانت دولتهم أو سلطتهم الجائرة؟ وما شكل مؤسساتها؟ وما رؤيتهم لحياتنا؟ وكيف كنا سنعيش معهم، وهم يروننا عبيداً، ومواطنين من درجة أخرى، ويرون فى أنفسهم أصحاب سلطة عليا، وثقافية دينية رفيعة؟ أقول هذا الكلام فأنا أرى أن 3 يوليو 2013 يوم ممتد إلى الآن فى الشرق الأوسط، صحيح أن مصر كسرت هذا الإخطبوط الإجرامى المخيف، ولكننى أراهم يعملون، ولا يتوقفون عن الهجوم والتسلط على القرار المصرى، وعلى الدولة المصرية، ويستغلون كل ما يحدث لتأجيج نفوس الناس، وإشاعة الاضطراب، والأخطر أنهم يقومون بإشاعة مناخ اليأس والخوف من الحاضر والمستقبل حتى نموت، ونلجأ إليهم كمنقذين، كما أنهم لم يتوقفوا فى البلاد التى سقطت فيها سلطتهم. فلديهم منظمات وجمعيات، ومازالت الأموال تتدفق عليهم، ورغم الحصار على قطر، فإنها تمول وتحتضن، ومازال لديهم إشعاع فى تركيا، وحزب العدالة والتنمية، لصاحبه أردوغان، يوظف الدولة ومؤسساتها لرعايتهم، وإنشاء محطات تليفزيونية تشيع الفوضى فى الإقليم العربى، ويمهدون الأرض لعودتهم، فلم ييأسوا بعد، ومازالوا يخططون لقيام دولة دينية، ومازالوا يخططون لتقسيم البلاد، ولم ييأسوا من مصر وشعبها، ومازالوا يترقبون لحظات الفوضى والاضطراب أو التردد من مراكز اتخاذ القرار، ولكنى مازلت أرى أن من اتخذ قرار الإنقاذ فى يونيو 2013، وخاطر بحياته من أجل الشعب والوطن، قادر على هزيمة مشروع الدولة الدينية فى مصر، وفى كل الشرق الأوسط. تحية لأبطال مصر الذين تحركوا بجسارة فى 3 يوليو 2013، وتحية للشعب المصرى الذى أوقف هذا التيار المتخلف، وأسقطه من حكم مصر، وكشفه أمام نفسه والمنطقة والعالم. لمزيد من مقالات ◀ أسامة سرايا