سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في بداية الأسبوع السبت 11 مايو 2024    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    مندوب مصر لدى الأمم المتحدة: ما ارتكبته إسرائيل من جرائم في غزة سيؤدي لخلق جيل عربي غاضب    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو حول دعوتها للمشاركة في إدارة مدنية بغزة    مأ أبرز مكاسب فلسطين حال الحصول على عضوية الأمم المتحدة الكاملة؟    على طريقة القذافي.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة (فيديو)    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    الخارجية الفرنسية: ندعو إسرائيل إلى الوقف الفوري للعملية العسكرية في رفح    البحرين تدين اعتداء متطرفين إسرائيليين على مقر وكالة الأونروا بالقدس    هانيا الحمامى تعود.. تعرف على نتائج منافسات سيدات بطولة العالم للإسكواش 2024    أوباما: ثأر بركان؟ يحق لهم تحفيز أنفسهم بأي طريقة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    «كاف» يخطر الأهلي بقرار عاجل قبل مباراته مع الترجي التونسي (تفاصيل)    جاياردو بعد الخماسية: اللاعبون المتاحون أقل من المصابين في اتحاد جدة    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    ضبط المتهم بقتل صديقه وإلقائه وسط الزراعات بطنطا    أنهى حياته بسكين.. تحقيقات موسعة في العثور على جثة شخص داخل شقته بالطالبية    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    حار نهاراً.. ننشر درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت فى مصر    مصرع شخص واصابة 5 آخرين في حادث تصادم ب المنيا    غرق شاب في بحيرة وادي الريان ب الفيوم    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    «عشان ألفين جنيه في السنة نهد بلد بحالها».. عمرو أديب: «الموظفون لعنة مصر» (فيديو)    عمرو أديب عن مواعيد قطع الكهرباء: «أنا آسف.. أنا بقولكم الحقيقة» (فيديو)    حج 2024.. "السياحة" تُحذر من الكيانات الوهمية والتأشيرات المخالفة - تفاصيل    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    سيارة صدمته وهربت.. مصرع شخص على طريق "المشروع" بالمنوفية    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    حظك اليوم برج الجوزاء السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    تراجع أسعار النفط.. وبرنت يسجل 82.79 دولار للبرميل    محمد التاجى: اعانى من فتق وهعمل عملية جراحية غداً    الإبداع فى جامعة الأقصر.. الطلبة ينفذون تصميمات معبرة عن هوية مدينة إسنا.. وإنهاء تمثالى "الشيخ رفاعة الطهطاوى" و"الشيخ محمد عياد الطهطاوى" بكلية الألسن.. ومعرض عن تقاليد الإسلام فى روسيا.. صور    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    أخبار كفر الشيخ اليوم.. تقلبات جوية بطقس المحافظة    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لتعزيز صحة القلب.. تعرف على فوائد تناول شاي الشعير    مادلين طبر تكشف تطورات حالتها الصحية    شهادة من البنك الأهلي المصري تمنحك 5000 جنيه شهريا    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    نقاد: «السرب» يوثق ملحمة وطنية مهمة بأعلى التقنيات الفنية.. وأكد قدرة مصر على الثأر لأبنائها    "سويلم": الترتيب لإنشاء متحف ل "الري" بمبنى الوزارة في العاصمة الإدارية    آداب حلوان توجه تعليمات مهمة لطلاب الفرقة الثالثة قبل بدء الامتحانات    حسام موافي يكشف أخطر أنواع ثقب القلب    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    فضائل شهر ذي القعدة ولماذا سُمي بهذا الاسم.. 4 معلومات مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة، الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفقيه الدستورى د.جابر نصار يكتب: «الخلطة السرية» «طوارئ وحظر.. وعبقرية شعب..»
نشر في الوطن يوم 08 - 02 - 2013

مما لا شك فيه أن السيد الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته يحفظون عن ظهر قلب تاريخ جماعتهم منذ تأسست سنة 1928 وحتى الآن، فدروب هذا التاريخ ومسالكه وإحداثياته فى الوطن وطلاسم وشفرات تنظيمها العلنى والسرى يتلونه صباح مساء ويداومون على أوراد السمع والطاعة لأفكار ومبادئ الجماعة، سواء لمؤسسها الإمام حسن البنا أو لمنظِّرها الأكثر تشدداً الشهيد سيد قطب. وما زلت أتذكر حينما كنت فى المدرسة الثانوية ببلدتى «شرباص» محافظة دمياط كيف كانت الحلقات تُنصب وتلتف لدراسة هذا التراث؟ ابتداءً من رسائل الإمام إلى كتب الشهيد، ومن أهمها بالتأكيد كتاب «معالم فى الطريق» نفس الكلام ونفس الإطار تقريباً كان يتداول فى معسكرات الجماعة التربوية وقد ساقنى قدرى ذات يوم إلى أحد هذه المعسكرات، والتى عقدت فى بورفؤاد بالمدينة الجامعية فى 1979 على ما أتذكر، وعلى مدار الأسبوعين لم يكن يتداول فى أروقة المعسكر غير هذه الكتب وهذا التاريخ. إن هذه الصورة الذهنية لفاعليات الجماعة ولأعضائها تؤكد أن الجماعة استبدلت بتاريخ وطن وأمة تاريخ الجماعة. ولعل هذه الإشكالية هى التى تفسِّر عمق أزمة الجماعة حين قفزت من مربع المعارضة إلى مربع الحكم، ومن مربع ادعاء الاضطهاد من السلطة -حتى ولو شاركوا فيها- إلى مربع استخدام آليات السلطة فى قهر خصومهم ومن يختلف معهم. فأعضاء الحزب والجماعة البارزون لم يجدوا غضاضة أبداً فى التسليم بأحقية الداخلية فى الضرب فى المليان واستخدام وسائل القهر، بل إن حكومتها الرشيدة والمنيرة بقنديلها، وبعد أن منّت على المواطن بتحديد ثلاثة أرغفة له فى اليوم والليلة وخمسة لترات من البنزين ذهبت لتشترى للداخلية طائرات تمكّنها من تحقيق ما كلّفت به، وأتت بوزير داخلية وأسرَّت له بسياسة جديدة تقوم على الالتحام والضرب فى المليان وإغراق الشوارع بالغاز والخرطوش، وأخيراً تعرية وسحل المواطنين وتعذيبهم حتى الموت.
هذه الإشكالية تبرِّر التصريحات الطبيعية جداً والصادقة جداً لأقطاب الجماعة، التى تقلل من قيمة وقامة مصر الدولة والشعب والحضارة والتاريخ، والتى كانت ذروتها فى ما قاله مرشد الجماعة السابق بأنه «طظ فى مصر» هذه التصريحات التى رأى فيها المصريون غرابة وشذوذاً واعتبروها زلة لسان وهى فى الحقيقة تمثل وعى الجماعة، واستراتيجيتها. فالجماعة فوق الدولة والعشيرة فوق الوطن والأهل والأحباب هم الأولى بالمعروف. والأجدر بلملمة الغنائم والحصول على الوظائف والمناصب.
ولذلك فإن الحقيقة التى تكشف عن وجهها كل يوم سافرة واضحة جلية هى أن حكامنا الجدد لا يعلمون ولم يقرأوا تاريخ مصر ولا المصريين وليس لديهم أى معرفة بجغرافيا مصر. صحيح لديهم معرفة بظاهر ريفها ومدنها يأسرون فقراء هذه الأمة بمنحهم وعطاياهم المشروطة ابتغاء الوصول إلى مقاعد البرلمان حتى يستأثروا بمناطق السلطة الدافئة، فقد ألفوا مغانمها ورغبوا فى منافعها، ولم يعبأوا أبداً بتاريخ شعب وأمة وتعاملوا معه كمكعبات وأرقام يهدّدونه حيناً ويقمعونه حيناً ولكنهم لن يستطيعوا كسره أبداً. وقلنا ذلك ونقوله وأثبتته الأيام.
فقد كان قدر محافظات القناة أن تعرّى الزيف والبهتان، كان قدرها أن تنتصر على سياسة الإنهاك والترهيب والتمييز. إن الموقف البطولى لأهلنا فى محافظات القناة؛ بورسعيد الباسلة والإسماعيلية الجميلة الشامخة، والسويس المجاهدة والصابرة، إنما يؤكد أن هذا الشعب لن يضام ولن ينكسر.
يا أيها الأهل والعشيرة، صغيركم وكبيركم، افتحوا كتب التاريخ لكى تعلموا قدر هذه المحافظات وفضلها على مصر والمصريين. لقد كانت هذه المحافظات الثلاث وأهلنا فيها مجاهدين صابرين مدافعين عن مصر كلها، من يعرف حق هذه المحافظات، بالإضافة إلى سيناء التى طواها النسيان حين يسير فى جنبات شوارعها وأزقتها سوف يدرك بطولات هذا الشعب فى دفاعه عن تراب الوطن واستقلاله ضد دنس الصهاينة، لقد كانت هذه المحافظات هى مسرح عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى لأرض فلسطين سنة 1948 وحتى الآن، فقدوا حياة أحبتهم وفقدوا راحتهم وانتصروا لوطن أدار نظامُه ظهره لهم وفرض عليهم الفقر والحصار والجوع. وحرمَهم من عائد التنمية، حتى عندما تقرر أن تكون بورسعيد منطقة حرة حاربوها وحسدوها وأفسدوها وانتقموا منها. وجعلوا الإسماعيلية محطة راحتهم فوزعوا أراضيها عليهم وحرموا منها أهلها. أما السويس -وما أدراك ما السويس- فقد عذّبوها وأفقروها وحرموها من كل شىء. السويس البطولة والأبطال صاحبة الصدارة الأولى فى الثورة ملهمة الثوار.
إن محافظات القناة هى دُرر التاج التى يجب أن يحتفى بها المصريون. هى الأمان لنا، هم شعب البطولات التى يتحاكاها أهلها صباح مساء يتوارثونها كابراً بعد كابر. هل يعلم الأهل والعشيرة والجماعة صغيرها وكبيرها أن أهلنا فى النضال خاضوا حروب المصريين كلها حتى ولم يكونوا مجندين، فهم دائماً فى الخطوط الأولى، حدث ذلك فى العدوان الثلاثى فى 1956 وما أدراك ما العدوان الثلاثى -يا كبير- وقتها وقف الشعب كله وراء أهل القناة، يشاركون ويجاهدون، وكانت بطولات الفدائيين تُروى فى المقاهى والبيوت، كانت بيوت السويس وأهل السويس وبورسعيد والإسماعيلية منصات للفداء والتضحية. كان صغيرهم كبيراً وكبيرهم بطلاً جاء العدوان، وذهب العدوان، وبقى أهل القناة صامدين مجاهدين. يتأهبون للمعركة القادمة وقد كانت عندما تناحر السياسيون واختلفوا ومُنيت البلاد بهزيمة 1967 كان أهل القناة فى الخطوط الأمامية دفعوا الثمن من حياتهم واستقرارهم شُرّدوا فى كل بقاع مصر، هاجروا من بيوتهم، وتفرّقوا فى البلاد كلها بين العباد. فكانوا أهل فضل وعفاف ومدنية ورقى. ما زلت أذكرهم فى قريتى، كانوا مثالاً للخُلق الكريم والصبر والاحتمال كانوا فى حلهم وترحالهم محل احترام وحب الجميع.
وهل لأحد أن ينكر دور هذه المحافظات الصابرة والمجاهدة فى حرب الاستنزاف وما أدراك أيضاً -يا سيدى- ما حرب الاستنزاف، أشرف وأشرس الحروب التى خاضها المصريون كان أهل القناة -بحسب الجغرافيا وشيم البطولة- فرساناً بالليل والنهار فى مقاومة الاحتلال ومناوءته، وذلك بالتنسيق مع القوات المسلحة، سجلوا أجمل وأروع البطولات المسطورة بحروف من نور فى تاريخ المصريين. ولا يقلل منها أبداً أنها لم تكن مسطورة فى تاريخ الأهل والعشيرة والقبيلة والجماعة. كانت تضحيات أهل القناة جميعهم تأخذ بيد المصريين نحو النصر الذى تحقق فى حرب السادس من أكتوبر درة الانتصارات والبطولات المصرية. إن هذا الجزء العزيز من الشعب المصرى هو جزء أبى يعتز بكرامته، ووطنيته، يصبر على الضيم والإهمال، ولكنه فى كل الأحوال والأوقات يعتز بمصريته ووطنيته يثور على الظلم ولا يقبل الذل، فُرِض عليه التهميش والتجويع والإفقار بسياسات مقصودة وممنهجة ومخططة، قصدتها سلطة توريد إخضاع الشعب، كل الشعب باستبدادها وتكبرها.
كانت مدن القناة وشعبها من أهم مكونات الثورة المصرية، أطلقت شرارتها وبين جنباتها دوى أول هتاف يسقط يسقط النظام، وعلى تراب السويس سقط أول شهيد. كان الهتاف يقصد سقوط كل النظام بأصله وفصله وحوائطه، وديكوراته، بحكمه ومعارضته كان شعب القناة موحياً للأمة كلها وللمصريين جميعهم بضرورة تغيير العتبة بنظام جديد ديمقراطى لا يهمِّش أحداً ولا يستبد بأحد ولا يتنكر بمكون مهم من مكونات الدولة والشعب والثورة. وهو للأسف ما لم يحدث، فالذى تغيّر أن وجوهاً هى التى تغيرت، خرج البعض من السلطة إلى ظلمات السجن والحبس، وإن بدا أنه سجن وحبس مظهرى، والعكس خرج البعض من ظلمات السجون إلى فسحات السلطة ورحابها يدّعون أنهم الأحق بالثورة والسلطة والجاه. ورضيت الثورة والثوار وأملت خيراً، فحليف الأمس وإن قفز على الثورة فهو ينتسب إليها، ولكن للأسف كانت أوراق الانتساب إليها مشكوكاً فيها، فقد كانت كلها بطبيعة الحال حيلة ومدخلاً للقفز والخطف والاحتواء لسلطة وشعب ما زال ثائراً.
ظلت حناجر أهل القناة تهتف -يسقط يسقط النظام- كل نظام لا يحقق أهداف الثورة، وغايتها فى العيش الكريم، والحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية أحلام، طالما طافت إليها أفئدة وأرواح المصريين خروجاً من القهر والاستبداد وسياسات الفقر والتجويع والترويع.
سوق إليهم البعض، أن الثورة قد انتهت وأن المسموح لهم فقط هو الاحتفال الكرنفالى، فقد أصبح لديهم دستور، صحيح أنه مشبوه تم تمريره فى ظل إعلانات دستورية منعدمة ظالمة وقاهرة ووسط انقسام شعبى حاد، لكن ليس مهماً، ولديهم رئيس منتخب، صحيح أنه يمارس السلطة بصورة غير مرضيه لا يتقيّد فيها بأى قيد حتى تلك التى يصدرها، فقد ألفه الشعب مصدراً لقرارات مخالفة للقانون والدستور وأحكام القضاء، مرة تفوت ويأكلها ويأكلها الشعب طوعاً ومرات أخرى وقف لها الشعب بالمرصاد، فتراجع عنها وكأن شيئاً لم يكن!!
ولكن المصريون -وفى القلب منهم أهل القناة- وجدوا أن ثورتهم لا تُثمر، لا فى حجورهم أو حتى بالقرب منها، وإنما كانت كما يقول المثل الشعبى «زى القرع دايماً تمد لبره»، فقد غمرت الجماعة والأهل والعشيرة بفيوض كرمها واحتجبت بفعل فاعل من أن تصل إلى عموم الشعب البائس الذى تلفت يميناً ويساراً فلم يجد لثورته أثر. فهبّ الشعب راجعاً إلى ميادينه يئن، ويحاول استعادة ثورته ودخل على خطوط التماس بهذه الميادين حكم الألتراس فحدث ما حدث والذى هو فى المقام الأول مسئولية السلطة التى ترى انتشار البلطجية فى شوارع المصريين عامل رعب وتفزيع يمكن أن يحقق أهدافه فى وقت من الأوقات، وحسبما تواترت عليه الروايات وقع شعوب محافظات القناة فريسة سهلة لجيوش البلطجية التى اتضح أنها صناعة برعت فى الإلمام بفنونها الأنظمة المستبدة، لكى تؤدِّب بها شعوبها حسب الأحوال وقتما شاءت، وما النظام السورى عنا ببعيد.
أعمل البلطجية فى أهل بورسعيد والسويس تحديداً ذبحاً وتقتيلاً والدولة غائبة؟ ضربوا عليهم النيران الحية وهم يشيعون قتلاهم بغير مبرر، لم يحترموا حرمة الموتى، أهانوا الأجساد حية وميتة. لعن الله الاستبداد فى كل عصر وأوان.
لم تنجح أجهزة الأمن فى شىء، لا فى وقف العنف، ولا فى القبض على البلطجية أو فى إشاعة الأمن والأمان بين الناس. وبدلاً من حسابهم عن تقصيرهم فى ذلك. ومن قبل تقصيرهم فى عدم القبض على البلطجية الذين هم معرفون بالاسم والرسم والسمعة، وكل منهم له رقم معلوم لدى أجهزة الأمن التى لو استطاعت أن تجمعهم بين عشية وضحاها لفعلت، ولكن للبلطجة أصول وفنون واستخدامات لعل المصريين تأكدوا من ذلك منذ قيام الثورة وحتى الآن.
يخطئ من يظن أن كل هذه الكروت المفضوحة يمكن أن تنال من عزيمة شعب ثائر لن يبرح ميادينه حتى تتحقق أهداف ثورته مهما ساوم وكابر ولف ودار السياسيون، فكل ذلك حيل لن تفيد ولن تنفع.
فى ذكرى الثورة خرج المصريون -بعد خطاب روّعهم وخوّفهم- من العودة إلى ميادينهم يهتفون بذات الهتافات، ويطالبون بذات المطالب التى علت بها حناجرهم أيام الثورة الأولى، خرجت القاهرة ودمياط والشرقية والغربية والإسكندرية ومحافظات القناة ومحافظات ومدن أخرى كثيرة، حدث عنف هنا أو هناك بصورة أو بأخرى، وكانت ميادين القاهرة مثالاً لذلك. وماتت زهور من شباب هذه الأمة واحتجب الرئيس يوماً ويومين، واكتفى بتغريدة حسناء ساقها لشعبه عبر «تويتر»، فقد أصبحت موضة. ولما توحش الشعب رئيسه ناداه فخرج عليه مساء يوم الأحد 27/1/2013، وعشية الذكرى الملهمة ليوم دامى من أيام الثورة المصرية وهو يوم 28 يناير، واتخذ الرئيس قراراته لا لكى يصحح الأمر فى مصر كلها ويطرح حلاً سياسياً يفك كرب الوطن والأمة، وإنما يعاقب محافظات القناة. محافظات القناة فقط تُفرض عليها الطوارئ ويحظر فيها التجول، والسلطة معذورة، فلا يوجد فى الوطن سجن يمكن أن يُسجن فيه أهل القناة، فليسجنوا فى بيوتهم ولتقطع أرزاقهم وتغلق محلاتهم. عقاب جماعى يعنى.. مافيش مانع.. كله فى حبك يا مصر يهون وإيه يعنى.. زمان هُجّروا من مساكنهم وخرجوا من مدنهم وتفرقوا بين الوديان وفى الصحراء والبادية.. فليس هناك مشكلة إذا ما تجرّعوا سم الطوارئ وقهر الحظر لا سيما أن جاء هذا وذاك بعد ثورة سالت فيها دماء، وذهب فيها شهداء عند ربهم أحياء يرزقون. هذا ما أرادته السلطة؟
فماذا أراد الشعب.. شعب عبقرى بكل المقاييس أكد تميُّزه وخفة ظله، استقبل أهلنا فى السويس وبورسعيد والإسماعيلية هذه القرارات بترحاب شديد وبسخرية أشد، فظهرت النكات، وكانت مصدراً للتندُّر وللاحتفال وأصبحت «ساعة الحظر ماتتعوضش» وأصبحت ساعات الحظر احتفالات وكرنفالات شعبية وشكراً للسيد الرئيس أن أوجد للشعب وسيلة بسيطة وغير مكلفة للخروج من أجواء الحزن التى سيطرت على المصريين بعد الأحداث الدامية فى القاهرة وبورسعيد والسويس وغيرها.
لقد كانت أخبار الحظر والطوارئ والالتزام بها احتراماً لهيبة سلطة لم يعد لها أى وجود، وتحدياً لسلطة فقدت فاعليتها حين هددت شعباً لا يُهدَّد وأفزعته وقلبه قلب أسد يزأر، فالذى فزع والذى تراجع هو السلطة، فلم تمر غير أيام لا تكتمل بها أصابع اليد الواحدة حتى سقط الحظر وأصبحت الطوارئ بلا فاعلية.
يا سادة إن السلطة لا تمارَس بالقوة وإنما بالهيبة، فإذا سقطت هيبة السلطة فلن تسعفها قوة مهما استجمعت من أدوات القهر والتسلُّط، ومهما اكتنزت من قنابل غاز أو خرطوش أو طائرات شرطية أو حتى طلقات رصاص حية.
إن السبيل الوحيدة للخروج من المأزق الذى وضعت فيه السلطة نفسها ووضعت فيه الشعب أيضاً يكون بالسعى نحو تحقيق أهداف الثورة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، وهذا كله لن يكون إلا بخطوات حقيقية تسعى نحو الحل دون مراوغة أو تأجيل، وذلك أن استحقاقات هذه الثورة أمر واجب ولا بد من الوفاء به، والمراوغة فيه هلاك للجميع وذهاب بمصر الدولة والشعب إلى جحيم الفوضى والفشل الاقتصادى والسياسى، يومئذ لن تنفع السلطة الوليدة وجه أمريكا المبتسم أو قوة الجماعة الموهومة. ذلك أن التاريخ علّمنا أنه لا يمكن لجماعة أن تعلو على شعب أو تحتكره. ولا يمكن أبداً أن يُسعف سلطة غطاء أجنبى.
إن علماء الأصول فى الشريعة الإسلامية يقولون إن العلم بالشىء فرع عن تصوُّره، ومن لا يعلم أصول الشىء لا يعلم فروعه. على السلطة أن تدرك أن ثورة الشعب حقيقة وأن أهدافها لا بد أن تتحقق، وأن الشعب هو الحارس لأهداف ثورته. سَئِم الاستبداد ولن يقبل من أحد أن يحتكر السلطة أو أن يهدده أو يقهره، فقد فقدت كلمة الطوارئ معناها، وكذلك لم يعد الحظر حظراً.
أهالينا فى القناة خالص تحياتى فقد كنتم دائماً فى الريادة والصدارة دائماً.
استحدثتم فى السياسة مفاهيم جديدة علمتمونا أن فى الطوارئ راحة وسيادة وإثباتاً لإرادة شعب وكسراً لسلطة غاشمة مستبدة. وأثبتم فى الحظر حياة، فاستقيموا يا أولى الألباب، وتوبوا إلى الله وإن تبتم.. فإن التاريخ لن يرحم.
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل..
د. جابر جاد نصار
أستاذ بكلية الحقوق - ووكيل كلية الحقوق - جامعة القاهرة
والمحامى بالنقض والإدارية العليا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.