فى خطابه التاريخى أمام مجلس النواب عند أدائه اليمين الدستورية رئيسًا للجمهورية لفترة رئاسية ثانية، تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن ثلاثية التعليم والصحة والثقافة، حيث قال «ستكون ملفات وقضايا التعليم والصحة والثقافة فى مقدمة اهتماماتي، وسيكون ذلك من خلال إطلاق حزمة من المشروعات والبرامج الكبرى على المستوى القومى والتى من شأنها الارتقاء بالإنسان المصرى فى كل هذه المجالات واستنادًا على نظم شاملة وعلمية لتطوير منظومتى التعليم والصحة لما يمثلانه من أهمية بالغة فى بقاء المجتمع المصرى قويًا ومتماسكًا». والواقع أننا لا نستطيع تجاهل قيمة العلم ومكانته ونحن نتحدث عن دولة جديدة ووطن ناهض يبحث عن وجود متميز بين دول العالم، المتقدمة والنامية على السواء، فالعلم أساس مهم عند بناء الدولة المدنية الحديثة التى تطلع إليها المواطنون المصريون عقب ثورة 25 يناير 2011م، ومن بعدها ثورة 30 يونيو 2013م، وهم بلا شك ينشدون تعليمًا مختلفًا، يعزز ثقافة الإتقان والإبداع لا الحفظ والتلقين، يرسخ قيمة العمل ويلبى احتياجات المجتمع، يدعم قيم المواطنة والتسامح والتعاون وقبول الآخر والتعايش السلمى ومناهضة التمييز، واحترام حقوق الإنسان، وغيرها من القيم الإيجابية التى تُسهم فى بناء مواطن صالح يعمل من أجل الخير العام. هنا تنبغى الإشارة إلى عدد من المشكلات التى يعانيها التعليم منذ سنوات بعيدة، بالإضافة إلى عدد من المقترحات التى يتردد بعضها بين الحين والآخر. أولًا: من بين أبرز مشكلات التعليم ارتفاع نسبة الأمية بين المصريين، واستمرار ظاهرة التسرب من التعليم لأسباب اقتصادية واجتماعية معروفة للجميع، وتكدس الفصول بالطلاب، وضعف الاهتمام بالأنشطة الفنية والرياضية، وتشبع سوق العمل بخريجين غير مؤهلين وغير مدربين على نحو كاف، فضلًا عن غياب رؤية متكاملة يتواصل تنفيذها وتطويرها والبناء عليها رغم تغير المسئولين. ثانيًا: ثمة اقتراحات كثيرة لتطوير منظومة التعليم، منها إشراك شباب الخريجين فى مشروع قومى لمكافحة الأمية، وهنا يمكن الاستفادة ممن يتم إعفاؤهم من أداء الخدمة العسكرية، تحديث البيئة التعليمية وتطوير المناهج والمقررات الدراسية أولًا بأول بما يتناسب مع الاكتشافات العلمية الحديثة ونتائج البحوث والدراسات، الاهتمام بالتعليم الفنى العملي»، التجارى والزراعى والصناعي، تشجيع البحث العلمى وتدعيمه وتقدير الباحثين بتوفير سبل البحث المادية والفنية، ومن ذلك زيادة المراكز البحثية ورفع كفاءة الموجود منها، والاستفادة من البحوث النظرية والتطبيقية، الإكثار من إرسال البعثات العلمية إلى الخارج، واستمرار التواصل مع الجامعات المتقدمة، التوسع فى إنشاء الأبنية التعليمية، ويمكن هنا الاستفادة من الدور الاجتماعى لرجال الأعمال وإشراك جميع مؤسسات المجتمع. كل هذه الأفكار والمقترحات وغيرها من أجل بناء وطن حديث، نام ومتقدم، يحقق النجاحات والإنجازات ويتجاوز الإخفاقات، يتواصل مع بلدان العالم المتقدمة ويتفاعل معها. وفى إطار الاستفادة من الخبرة التاريخية، أذكر أن عبد الكريم ناصر، وكان يملك جريدة (الصعيد الأقصى) التى صدرت فى مدينة أسوان بصعيد مصر سنة 1936م واستمرت فى الصدور إلى ستينيات القرن العشرين، قد كتب مقالًا فى سنة 1937م عن واجب وزارة المعارف (التربية والتعليم) بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وبريطانيا سنة 1936م، قال فيه «لا خلاف فى أن رقى الأمم والشعوب بما يناله أبناؤهم من ثقافة وتهذيب فى مختلف العلوم والفنون. ومصر الفتية الناهضة فى حاجة قصوى إلى إعداد أبنائها وشبابها وتهيئتهم للنهوض إلى ذرى السؤدد والمجد، وعنده أن مصر فى حاجة إلى ضباط وطيارين ومهندسين وأطباء وفنانين وعلماء ودكاترة للبحث والدرس، ويضيف «نريد شبابًا يهيم بالعلم للعلم ويعشق الدرس والبحث للدرس فتنجب مصر المخترعين والمشرعين والمفكرين العاملين والباحثين فى الاقتصاد وغيره مما تحتاج إليهم البلاد وتصل بسببه إلى طريق الرفعة والرشاد وتستعيض ما فقدته من مجد تليد فى عصر الاستعباد والاستبداد. وما أشبه الليلة بالبارحة، حيث يخيل لى وكأن الكاتب يتحدث عن مصر اليوم، والرغبة القوية- رئيسًا وشعبًا- فى بناء دولة عصرية تقوم على دعائم الديمقراطية والحرية والمسئولية، فى بدء مرحلة جديدة يتطلع فيها الجميع إلى إعلاء قيمة العلم ومكانته. وختامًا فقد يكون مناسبًا تشكيل لجنة من الخبراء والمتخصصين من أجل مواجهة المشكلات وترجمة الأفكار الخاصة بمحور التعليم إلى واقع ملموس من أجل بناء الإنسان المصرى وتنميته. لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق