المدرسة أيا كان شكلها موجودة، دارا للعلم.والمنهج يتغير بحسب معطيات كل العصر، ولكن يبقى المعلم دائما هو المنوط به الدور الأساسى فى التعليم فهو صمام الأمان فى العملية التعليمة. لذلك فإن نجاح (نظام التعليم الجديد..تعليم 2) مرهون بإعداد المعلم مهنيا وعلميا ونفسيا وإرضائه ماديا، وما لم يتم تأهيله وتصحيح وضعه فمن الصعب أن يؤتى هذا النظام ثماره مهما كان قويا. على مدار العصور ظل المعلم يحظى بمكانة عالية انطلاقا من مهمته الرسالية التى أجملها أمير الشعراء بقوله: قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا ... كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولابزلاعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي... يبنى وينشئُ أنفساً وعقولا؟ للأسف تراجعت هذه المكانة فى عالمنا العربي، وأصبح حمل مسئولية إعداد الأجيال وتنمية أدمغتهم بالعلم، أقل شأنا من الركل بالقدم لكرة جوفاء لا تحمل سوى الهواء! ولكن الدول المتقدمة لا تزال تحفظ قيمة المعلم سواء فى الشرق أو الغرب، فقد سُئل إمبراطور اليابان ذات يوم، عن أسباب تقدم دولته فى وقت قصير، فأجاب: بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسى وراتب الوزير. ويتفق الجميع فى اليابان على أن موقع المعلم يأتى بعد الإمبراطور مباشرة، وهذا سر تفوقها العلمي، ومن ثم الصناعى والاقتصادي. وفى الغرب ظلت هذه المكانة محفوظة، ففى فنلندا التى تعتبر أقوى دولة فى التعليم بالعالم، وفقا لتقرير التنافسية العالمية، يحظى المعلمون بمعاملة الخبراء، ويحصلون على رواتب مجزية وساعات عمل أقل، فمهنة المعلم هناك من أعلى المهن شأناً، وجميع المعلمين حاصلون على شهادة الماجستير فى التربية، ومؤهل علمى عالٍ فى المادة التى يدرسونها.ويجرى اختيارهم بعناية شديدة،حيث يقبل 11% فقط من المتقدمين لشغل وظيفة المدرس. وتركز سياسة التعليم فى فنلندا على العمق فى المضمون الدراسي، حيث يعمل المعلم فى الفصول 4 ساعات يوميا و20 ساعة أسبوعيا، بينما يقضى ساعات أكثر فى إعداد المناهج الدراسية وتقييم الطلاب. أما فى مصر فالأمر مختلف تماما، والحقيقة هناك أسباب عديدة للوضع الذى آل إليه حال المعلم، بعضها يتعلق بالمجتمع والدولة، مثل انخفاض دخل المعلمين وتراجع مكانتهم فى المجتمع .وعدم توفير الدعم الكافى للمنظومة التعليمية، وضعف التجهيزات داخل المدارس، وضآلة النسبة المخصصة للتعليم من الموازنة العامة للدولة. وهناك أسباب تتعلق بالمعلم منها تقاعسه عن السعى لتنمية مهاراته والتعرف على كل ما هو جديد فى مجاله، وطغيان الجانب المادى على تفكيره فهو لا يبحث عن تطوير قدراته وخبراته التعليمية، بقدر بحثه عن زيادة دخله. وهناك أسباب تتعلق بالمؤسسات التعليمية، منها قلة الدورات التدريبية للمعلمين، وضعف إدارات بعض المؤسسات التعليمية وبخاصة اختيار أشخاص غير أكفاء لهذه المهمة، وقلة التجهيزات وعدم الوعى بالأولويات أثناء التجهيز، فأحيانا يكون الاهتمام بسور المدرسة الخارجى مقدما عن العناية بالمعامل والمختبرات. وهناك أسباب تتصل بالإعداد العلمى خلال المرحلة الجامعية، وأبرزها عدم تطوير المناهج الدراسية والتربوية التى تكفل إعداد معلم قادر على التعامل مع تحديات وتقنيات التعليم المتجددة، وتدريبه على البحث عن طرق التدريس المبتكرة، وكيفية إرشاد الطلبة للبحث عن المعلومات وحل المشكلات والتفكير الابتكاري. وربما يزيد من المشكلة أن عددا كبيرا من المعلمين بالمدارس من غير خريجى كليات التربية، حيث يقتصر الأمر على الحصول على دبلومة تربوية وهذا لا يكفي. نعلم ان أعداد خريجى التربية قد لا تكفى ولكن الإعداد التربوى ضروري، ومن هنا نقترح استغلال الإجازات الصيفية فى تنظيم دورات تدريبية للمعلمين كل فى تخصصه بدلا من مجرد إلزامهم بالحضور للمدرسة بدون عمل حقيقى يقومون به. وأيضا اطلاعهم على طرق التعليم الجديدة والوسائل التقنية التى تساعد المعلم والطلبة فى تحصيل المعرفة. ويتطلب تصحيح الوضع الحالى أيضا تطوير مناهج كليات التربية والاستفادة من خبرات ومناهج الدول المتقدمة، وحث المعلم على وتطوير مستواه، من خلال إعداد مسابقات بين المعلمين تشجع على الابدع والتميز فى التدريس والأداء التعليمى المؤسسي، وتشجيع البحوث التربوية التى تحسن مخرجات العلمية التعليمية، وحثهم على المشاركة فى المسابقات الإقليمية والدولية فى هذا المجال. كما يتطلب الأمر تطوير وظيفة أخصائى تكنولوجيا التعليم داخل المؤسسة، ليقوم بتدريب المعلمين على التقنيات الجديدة. باختصار قم للمعلم تعنى دعمه العاجل ماديا ومعنويا ومهنيا، حتى لا نؤجل أن نوفيه التبجيلا، فإذا تحقق ذلك، تبدأ أولى خطوات نجاح نظام التعليم الجديد ومن ثم منع الدروس الخصوصية وتوجيه جزء من الأموال، التى ينفقها أولياء الأمور عليها، لدعم الأنشطة المدرسية. لمزيد من مقالات د. محمد يونس