سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رموز «الحوار الوطني» يتحدثون عن المبادرة الأهم بتاريخ مصر الحديث    تباين أداء مؤشرات البورصات الخليجية خلال تداولات الأسبوع    محافظ الإسكندرية: معرض ثابت كل أسبوعين لدعم الأسر المنتجة    وزير خارجية إسرائيل: سنؤجل عملية رفح الفلسطينية إذا توصلنا لاتفاق بشأن المحتجزين    شيفيلد يونايتد يودع البريميرليج بعد الخسارة أمام نيوكاسل بخماسية    أمن الجيزة يضبط تشكيل عصابي لسرقة السيارات بالطالبية    ياسمين عبد العزيز تكشف ظهورها ببرنامج «صاحبة السعادة» | صور    أبو حطب يتابع الأعمال الإنشائية بموقع مستشفى الشهداء الجديد    لمكافحة الفساد.. ختام فعاليات ورش عمل سفراء ضد الفساد بجنوب سيناء    «صلبان وقلوب وتيجان» الأقصر تتزين بزعف النخيل احتفالاً بأحد الشعانين    خبير: التصريحات الأمريكية متناقضة وضبابية منذ السابع من أكتوبر    خبير ل الحياة اليوم: موقف مصر اليوم من القضية الفلسطينية أقوى من أى دولة    توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز.. مفاجأة ل«زيزو» وتحذير ل«فتوح»    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    الرضيعة الضحية .. تفاصيل جديدة في جريمة مدينة نصر    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    بعد جريمة طفل شبرا الخيمة.. خبير بأمن معلومات يحذر من ال"دارك ويب"    كيفية التعامل مع الضغوط الحياتية.. لقاء تثقيفي في ملتقى أهل مصر بمطروح    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    الصين: مبيعات الأسلحة من بعض الدول لتايوان تتناقض مع دعواتها للسلام والاستقرار    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قطاع الأمن الاقتصادي يواصل حملات ضبط المخالفات والظواهر السلبية المؤثرة على مرافق مترو الأنفاق والسكة الحديد    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    إزالة 5 محلات ورفع إشغالات ب 3 مدن في أسوان    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    تعليم الإسكندرية تستقبل وفد المنظمة الأوروبية للتدريب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب ما بعد الحداثة !
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 06 - 2018

قد يكون ما أورده الكاتب محمود حيدر فى كتابه الدولة المستباحة نقلا عن عالم الاجتماع الفرنسى جان بودريار وهو ان حرب الخليج لم تقع رغم انها وقعت وانتهت الى ما انتهت اليه مدخلا نموذجيا لتفكيك ظاهرة ما يسمى حروب ما بعد الحداثة او الحروب الاستباقية، ويرى بودريار ان من يراقب الحرب على الشاشة يشعر انها لا توجد فى الواقع، فالتليفزيون المرآة الكونية اصبح ميدان الحروب، واوشكت الحرب الافتراضية ان تكون البديل المتلفز للحروب الواقعية، وحين نتذكر كيف كان الناس يتحلقون حول التليفزيون وهم يراقبون القصف والحرائق والمشاهد الدموية نشعر بأنهم نسوا بأن ما يرونه حدث فى الواقع ، وهو أشبه بأفلام كثيرة عن الحرب العالمية الثانية.
حروب ما بعد الحداثة، تبحث عن مبرراتها وشرعيتها الدولية بعد ان تضع اوزارها، وكانت الحرب على العراق مثالا بالغ الوضوح لذلك لأن كل ما قدم من ذرائع قبل الحرب عن أسلحة الدمار الشامل اتضح انه ملفق ولا اصل له، وكانت استقالة الجنرال كولن باول الذى اعترف بالخديعة بمثابة فضيحة مزدوجة، سياسية واخلاقية .
اما صفة الاستباق او الهجوم الوقائى فهى ايضا من صميم هذه السلالة من الحروب، وتعتبر حرب حزيران عام 1967 مثالا لها، حين قام الجيش الاسرائيلى بهجوم واسع على المطارات المصرية، بحجة استباق الهجوم المضاد، ويعترف اكثر من جنرال اسرائيلى بأن تسمية جيش الدفاع هى للايحاء بأن دوره يقتصر على التصدي، رغم ان الواقع يقول عكس ذلك تماما، فهو جيش مارس العدوان مئات المرات خلال اقل من ربع قرن، وغالبا ما يرد ذكر مثالين فى هذا السياق هما قصف مدرسة بحر البقر المصرية التى اصطبغت فيها الطباشير وكراريس التلاميذ بدمهم، والهجوم على قرية السموع الفلسطينية وتدمير منازلها اضافة الى قتل عدد من اهلها العزّل.
ان ما يسمى حروب الانترنت او الحروب الافتراضية يندرج فى هذه الخانة تماما كتوظيف الصورة بشكل انتقائى او اللجوء الى الكولاج ومهارات التلفيق لتضليل الرأى العام، ورغم ان استخدام قنابل ذرية كالتى اطلقت على هيروشيما وناجازاكى يقع تاريخيا فى حقبة الحروب التقليدية فإنه عينات من حروب ما بعد الحداثة ليس فقط بما احدثه من دمار وتشويه وافساد للبيئة، بل من خلال دفع البراغماتية الى اقصاها، وانتهاك كل الخطوط الحمر، والحرب الباردة هى ايضا نموذج لحرب يحكمها توازن الرعب، فهى باردة لأنها لا تقع بالفعل، رغم ان فيها منتصرين ومهزومين ولها غنائمها ايضا، وعودة موسكو مجددا الى المسرح الدولى كقطب آخر رأى فيها البعض عودة للحرب الباردة لكن بصيغة اخرى، وان كان القاسم المشترك بين الحرب الباردة التى انتهت فى نهاية القرن الماضى وهذه الحرب التى اصبحت الأزمة السورية مسرحها هو ايضا توازن رعب، فالتلاسن الدبلوماسى بين واشنطن وموسكو سرعان ما يرتطم بسقف فولاذى وتعود العاصمتان الى الحوار الدبلوماسي، مما افرز ما يمكن تسميته الحروب البديلة ذات البُعد الرمزى، والتى اسلحتها وادواتها اقتصادية او سياسية قائمة على التجاذب والاستقطاب واشهار الفيتو. والفيتو بحدّ ذاته شكل آخر من اشكال حروب ما بعد الحداثة لأنه فى الاساس تعبير عن استحقاقات القوة، والدول الخمس التى تمتلك حق النقض هى الرابحة فى الحرب العالمية الثانية، لهذا نادرا ما استخدم هذا الحق لإنصاف قضايا عادلة او للحدّ من تفاقم ازمات قابلة للانفجار ،ذلك ببساطة لأن الفيتو من غنائم المنتصرين فى تلك الحرب.
ان حقبة ما بعد الحداثة والتى توصف احيانا بأنها حقبة ما بعد التاريخ تبعا لاطروحة فوكوياما عن نهاية التاريخ افرزت منظومة من المفاهيم مضادة بشكل او بآخر للتاريخ الكلاسيكي، ومنها للمثال مفهوم السيادة الوطنية، فقد انتهكت سيادة العديد من الدول بذريعة الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان، واتضح بعد ذلك ان الاهداف الحقيقية ليست هى الاهداف المعلنة، وان كل ما جرى فى البلدان التى استبيحت سيادتها هو استعمار من طراز جديد يحل فيه الوجود السياسى والاقتصادى مكان الوجود العسكرى المباشر وحين عيّن بريمر حاكما مدنيا للعراق بعد احتلاله كان ذلك التعيين نموذجا لما اخترعه الاستعمار الجديد من مكائد اذ كيف يقدم حاكم مدنى لمجرد تسلم منصبه على حل الجيش العراقى العريق، ثم كيف يحمل النزاع الطائفى مسئولية ما جرى فى العراق وهو الذى اتقن العزف على الوتر الطائفى.
وهنا يجب التذكير بالموسوعة الخاصة بالاقليات التى صدرت بامريكا فى تسعينيات القرن الماضى وكانت بمثابة تمهيد ودوزنة سبقت العزف على هذا الوتر ، ولحروب ما بعد الحداثة او الحروب الاستباقية التى تسعى احيانا الى اجهاض قوة الخصم ادبيات وثقافة تتولاها الميديا المؤدلجة والتى تقدم الواقع على غير ما هو عليه، لأنها انتقائية وتسلط الاضاءة على مشاهد معينة وتحجبها عن مشاهد اخرى وذلك انسجاما مع استراتيجيات ذات معايير مزدوجة، ومن اللافت بالفعل ان الولايات المتحدة التى تستبيح سيادة دول وتحتلها وتعيدها الى القرن التاسع عشر حسب تعبير الجنرال شوارتسكوف تشيح ببصرها عن دول ثيوقراطية واتوقراطية ، لا علاقة لها بالديمقراطية، او الوصفة الليبرالية المعدة للتصدير على الدبابات والطائرات وليس من خلال قوة ثقافية ناعمة . وغالبا ما يتذكر الناس شاهات وبينوشيهات آسيا وامريكا اللاتينية فى القرن الماضى وكيف انحازت الولايات المتحدة لهؤلاء قبل ان يفقدهم التاريخ الصلاحية للاستمرار، وما حدث لبينوشيه تكرر مع شاه ايران الذى قلبت له واشنطن ظهر المجن ولم يجد مكانا يدفن فيه الا مصر، لأنه اتخذ موقفا قال الرئيس الراحل السادات انه الجميل الذى لا بد من الاعتراف به حين أعاد عرض البحر ناقلات نفط الى الموانى المصرية فى لحظة حرجة.
وبالعودة الى ما قاله عالم الاجتماع الفرنسى بودريار عن الحروب المتلفزة والتى تقع على الشاشات ، فان هذا بحد ذاته توصيف دقيق لدور الميديا وما تمارسه من تلاعب بالعقول ، فهى تقدم واقعا بديلا وكأن الحروب التى يتجاوز عدد ضحاياها الملايين بين قتلى ومشردين مباريات رياضية اسبارطية لكن بالذخيرة الحية.
لمزيد من مقالات خيرى منصور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.