ترقي وإعادة تعيين المعلمين 2025.. «الأكاديمية» تحدد مواعيد جديدة لاختبارات الصلاحية    تحديث مباشر ل سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الاثنين 06-10-2025    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين في البنوك بعد قرار المركزي    زلزال بقوة 5.5 درجة يهز منطقة قرغيزستان    عوقب بسببها بالسجن والتجريد من الحقوق.. حكاية فضل شاكر مع «جماعة الأسير»    خبر في الجول – اجتماع بين لبيب وجون إدوارد.. وانتظار عودة فيريرا لاتخاذ القرار المناسب    تفاصيل الجلسة العاصفة بين حسين لبيب وجون إدوارد    إيقاف قيد محتمل لنادي الزمالك (تفاصيل)    مدرب دجلة: كان من الصعب الفوز على فريق يدافع ب 5 لاعبين في ملعب ضيق    لحظة مصرع عامل إنارة صعقا بالكهرباء أثناء عمله بالزقازيق ومحافظ الشرقية ينعاه (فيديو)    وفاة مسن داخل محكمة الإسكندرية أثناء نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه    «جهزوا الشتوي».. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأيام القادمة: «انخفاض مفاجئ»    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    بعد حفله في مهرجان النقابة.. تامر حسني يشارك جمهوره بيان شكر «المهن التمثيلية»    5 أبراج «بيفشلوا في علاقات الحب».. حالمون تفكيرهم متقلب ويشعرون بالملل بسرعة    هل استخدم منشار في قطعها؟.. تفاصيل غريبة عن سرقة اللوحة الأثرية الحجرية النادرة بسقارة (فيديو)    بعد غياب طويل.. كيف أصبح شكل الفنان ضياء الميرغني في أحدث ظهور    فنانة تصاب ب ذبحة صدرية.. أعراض وأسباب مرض قد يتطور إلى نوبة قلبية    محمد صلاح ينضم لمعسكر منتخب مصر قبل السفر للمغرب لملاقاة جيبوتى    أحمد صالح: الزمالك أعاد الأهلي إلى وضعه الطبيعي    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل: زلزال بقوة 5 درجات يضرب باكستان.. وزير دفاع أمريكا يهدد بالقضاء على حماس إذا لم تلتزم بوقف إطلاق النار.. ترامب: مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة تسير بشكل جيد للغاية    محافظ الشرقية ينعي فني إنارة توفي أثناء تأدية عمله الزقازيق    حماس تنفي موافقتها على تسليم سلاحها لهيئة فلسطينية مصرية تحت إشراف دولي    لحظة تهور سائق في زفة بكرداسة تنتهي بالقبض عليه.. إنفوجراف    المؤبد وغرامة نصف مليون جنيه لربة منزل لإتجارها بالترامادول فى شبرا الخيمة    وزارة الداخلية تضبط متهمًا سرق دراجة نارية بالغربية بأسلوب المغافلة    سعر الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025.. عيار 24 بدون مصنعية ب 5977 جنيها    الدكتورة هالة السعيد والدكتورة غادة والي تقدمان الدعم للعارضين في تراثنا    تيسير بلا حدود.. السعودية تفتح أبواب العمرة أمام مسلمى العالم.. جميع أنواع التأشيرات يمكنها أداء المناسك بسهولة ويسر.. محللون: خطوة تاريخية تعزز رؤية 2030.. وتوفر رحلة إيمانية رقمية ميسّرة لضيوف الرحمن    السويد: إذا صحت أنباء سوء معاملة إسرائيل لثونبرج فهذا خطير جدا    على زعزع يخضع للتأهيل فى مران مودرن سبورت    آمال ماهر تتألق بأغانى قالوا بالكتير ولو كان بخاطرى وأنا بداية بدايتك بحفل عابدين    بدر محمد بطل فيلم ضي في أول حوار تلفزيوني: الاختلاف قد يكون ميزة    مدير المركز الإعلامي لغزل المحلة: كستور يتحمل العصور رسالة وطنية لإعادة إحياء رموزنا    هل يجوز استخدام تطبيقات تركيب صور البنات مع المشاهير؟.. دار الإفتاء تجيب    أمين الفتوى يجيب على سؤال حول حكم ضرب الزوج لزوجته.. حرام فى هذه الحالة    محمد شوقى يمنح لاعبى زد راحة 48 ساعة خلال توقف الدورى    أخبار مصر اليوم: السيسي يضع إكليل الزهور على قبر الجندي المجهول.. كواليس اختفاء لوحة أثرية نادرة من مقبرة بمنطقة سقارة.. مدبولي يبحث تعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة    تباين سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025    ما هي مراحل الولادة الطبيعية وطرق التعامل معها    نائب وزير الصحة لشؤون السكان: «دليل سلامة حديثي الولادة» خطوة فارقة في حماية الأطفال    الديهي: جيل كامل لا يعرف تاريخ بلده.. ومطلوب حملة وعي بصرية للأجيال    اليوم العالمي للمعلمين 2025.. دعوة لإعادة صياغة مهنة التدريس    مواقيت الصلاه غدا الإثنين 6 اكتوبرفى محافظة المنيا.... تعرف عليها    أذكار المساء: دليل عملي لراحة البال وحماية المسلم قبل النوم    عمران القاهرة.. بين السلطة الحاكمة ورأس المال وفقراء الشعب    لينك تحميل تقييمات الأسبوع الأول للعام الدراسي 2025-2026 (الخطوات)    اجتماع ل «قيادات أوقاف الاسكندرية» لمتابعة ملحقات المساجد والمستأجرين (صور)    ارتفاع بورصات الخليج مدفوعة بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    شرم الشيخ تستضيف مفاوضات تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل.. والمفاوضون الإسرائيليون يصلون الليلة    جامعة بنها الأهلية تنظم الندوة التثقيفية احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر المجيد    مستشفى الغردقة العام تستقبل الراغبين فى الترشح لانتخابات النواب لإجراء الكشف الطبي    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    "الزراعة" تواصل الكشف المبكر والسيطرة على الأمراض المشتركة    مجلس الوزراء يوافق على تقنين أوضاع 160 كنيسة ومبنى تابعًا ليصل الإجمالي إلى 3613 دار عبادة    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتيجية قَضم الأحشاء
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 08 - 2015

حين أصدر خلدون النقيب استاذ علم الاجتماع كتابه «فى البدء كان الصراع» عام 1997 لم يَكُن الانفجار الاثنى قد بلغ هذا المدى، ولم يكن العالم العربى قد استنقع الى الحد الذى تندلع فيه المكبوتات كلها على اختلاف أنماطها من الطبقى الى الاثنى والمذهبى وليس انتهاء بالجسدى . كما ان احداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 لم تكن بأرجاعها واصدائها الزلزالية قد شطرت التاريخ الحديث الى ما قبلها وما بعدها.لكن نذر كل ما جرى خلال الخمسة عشر عاما الماضية كانت قد بدأت فى الأفق. والطرشان وحدهم من لم يسمعوا نعيب البومة الهيجلية، فى الغسق، ينطلق النقيب من رؤية تتلخص فى أن جدل الدين و الأثنية والأمة والطبقة عند العرب ليس طارئا فهو من صميم التاريخ الانسانى ومن صلب مفاعيل الصراع فيه، لهذا فإن عبارة فى البدء كان الصراع، تشمل اجناسا وشعوبا غير العرب، وهذا ما انتهى اليه واحد من ابرز مؤرخى عصرنا هو ويل ديورانت صاحب قصتى الفلسفة والحضارة، يقول ان التاريخ حرب مستمرة، وما يمكن أن يسمى مجازا فترات السلم فيه هو مجرد استراحات محاربين، لاعادة شحذ الاسلحة واحصاء الغنائم أو الهزائم. وما افرزه الواقع العربى خلال العقد الماضى من نزاعات اهلية و صراعات بين الهويّات الفرعية لم يكن نبتا شيطانيا، بل هو حمولة تاريخية وتراكم كان لابد من انفجاره فى لحظة ما. وبمعنى اخر فإن الأفاعى باضت فى التاريخ منذ زمن طويل لكنها فقست عندما وجدت الحاضنة المناسبة . لكن الاجراس التى قرعها مفكرون وتنويريون من مختلف اقطار العرب بدءا من مصر التاسع عشر لم يصل رنينها الى المرسل إليه، ربما لأنه اصيب بالصمّم عن كل صوت لا يردد صدى صوته أو لأن تحالف العوامل الخارجية من استعمار وانتداب ووصاية مع الكومبرادور المحلى أدى الى ان تذهب تلك الصيحات سدى على طريقة لقد اسمعت لو ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي. ان مجمل ما يجرى الان فى العالم العربى الذى حمل ذات يوم اسما اخر هو الوطن العربى يوظف بمهارة استراتيجية لاعادة هذا الوطن الى ما قبل الدّولة، ومصطلح ما قبل الدولة كما يحدده علماء الإنثربولوجيا ومنهم بيير كلاستر يعنى النسيج القبائلي، والأعراف المهيمنة البديلة لأى قانون.
ولو أخذنا العراق مثالاً بعد احتلاله عام 2003 لوجدنا أن المثال تحول الى أمثولة، وما انجزه بريمر بدءاً من تفكيك الدولة والجيش بشكل أخص كان حلما استشراقيا سبقه إليه بول فويتس فى تقاريره الشهيرة عام 1979 وبرنارد لويس وأخرون .
وكان الهدف ميتا استراتيجى اكثر مما هو استراتيجى بالمفهوم الكلاسيكي. بحيث تصبح التجربة العراقية قابلة للعوربة وقد يكون هذا المصطلح هو الأدق فى التعبير عن الحالة الموازية و احيانا المرادفة للعولمة فى اشد ابعادها سلبية.
فالعولمة عندما استخدمها ماك لوهان فى مطلع السّتينات من القرن الماضى كانت تعنى عولمة الاعلام وما افتضحته الصورة المتلفزة خلال الحرب الفيتنامية، لكن الحرب الباردة التى وضعت اوزارها لصالح الرأسمالية فى ذروة توحشها أدت الى أن يكون مصطلح العولمة مرادفا للأمركة بالمعنى الذى حدده روزفلت فى خطاب شهير قال فيه ان قدر بلاده هو أن تؤمرك العالم .
ان اطروحات من طراز اطروحة د. النقيب المبكرة نسبيا كانت بمثابة اطروحة مضادة لما قاله فرانسيس فوكوياما فى نعيه للتاريخ بأنه بلغ نهايته وما حاول تكريسه على نحو آخر هانتجتون فى كتابه صراع الحضارات وقد ملأ الاثنان الدنيا وشغلا العالم لعقد من الزمن، قبل أن يعيدا النظر فى آرائهما، وبالتحديد صاموئيل هانتجتون الذى نشر مقالة يمكن وصفها بالاستدراكية فى مجلة الفورين افيرز الامريكية قال فيها ان امريكا تحترف اختراع الأعداء. وهى حين لا تجدهم بحجم مارد كالاتحاد السوفيتى السابق تحاول أن تحشد عدداً من الاعداء الصغار، ويذكرنا ما قاله هانتجتون فى هذا السياق بعبارة شهيرة للفرنسى بول فاليرى هى ان الأسد أو النمر فى نهاية المطاف هو قطيع خراف تم افتراسها وهضمت وتمثلت. لكن امريكا لم تستطع الحصول على الأسد الناتج عن حاصل جمع قطيع الخراف أو الماعز، وتلك بالطبع حكاية أخرى .
واذا صح أن الصراع كان فى البدء فى التاريخ وما قبله من خلال تجليات عديدة ومختلفة تحددها أنماط الأنتاج والثقافات والايدولوجيات فالصراع مستمر ايضا حتى الخاتِمة، لأن المصالحة بين الأضداد فى التاريخ أو حتى فى الطبيعة ليست حلما قابلا للتحقيق، ما دام هناك فائض ثروات و فائض مديونيات و توظيف سياسى للاديان و العقائد بحيث تصبح مبررا لحروب بلا نهايات .
ان ما نشهده فى عالمنا العربى على مدار اللحظة و ليس السّاعة فقط كما يقال هو افراز غدد تقيحت منذ زمن بعيد، و حصاد ثقافة كان المسكوت عنه فيها أضعاف المعلن، والامثولة العراقية تفرض نفسها فى هذا السّياق، فالاحتلال تبعا للوصفة الاستشراقية التى قدمها بول فويتس أو برناد لويس لا يجد طريقا معبداً لدبابته فى أى بلد غير النزاعات الأهلية وتغذية الهويات الأثنية والفرعية البديلة للهوية الأم.
واذكر أن كاتباً فرنسياً قال لى بالحرف الواحد بعد شهور من احتلال العراق، ان الوَصفة التى حددت للعراق بتعدد طوائفه وأعراقه لا يمكن تكرارها مع مصر، ليس فقط بسبب التجانس، بل لان ادبيات الكولونيالية و تقارير المستشرقين أكدت للغرب منذ ثورة عام 1919 أن مصر تحتشد و تتحول الى مصّدٍ قوى باسل ازاء الغزو الخارجى لهذا فالوصفة المصرية هى التفكيك من الداخل، وهى استراتيجية استعمارية اطلق عليها ذات يوم قضم الأحشاء. وقد جربت عينات من تلك الوصفة لكنها لم تنجح لهذا بدأ التفكير بسبل وأساليب أخرى .
من حذرونا و قرعوا الأجراس قبل أن تقع الفؤوس فى الرؤوس ارتطمت اصواتهم ورنين اجراسهم باللامبالاة والصّمم السياسي. فهل سيكون الرهان فى المرحلة التالية على تجريف الثقافة القومية وتفكيك الدولة بعد أن يصبح الزهايمر السياسى وباءً بلا أية أمصال؟؟
لمزيد من مقالات خيرى منصور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.