بدء عملية التصويت في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء    لليوم الثالث، تزاحم المرشحين المحتملين وأنصارهم أمام مجمع محاكم المنصورة بالدقهلية    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-10-2025 في الصاغة بعد انخفاضه 90 جنيهًا    خطوات سداد الضرائب والجمارك إلكترونيا في بنك مصر    إعلام إسرائيلي: الجيش بدأ تقليص عدد القوات المشاركة في عمليات غزة    فيروز أبو الخير تتوج ببطولة إسكواش كلاسيك المفتوحة    حالة المرور في القاهرة والجيزة، سيولة مرورية على كافة المحاور والطرق الرئيسية    تدمير 4 طوابق ووقوع مصابين في انفجار أسطوانة غاز داخل عقار بشبرا الخيمة (صور)    «دعاء يوم الجمعة» لتفريج الهم وتيسير الحال وسعة الرزق .. كلمات تريح البال وتشرح الصدر    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 10 أكتوبر    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    المغرب تضرب موعدا مع الولايات المتحدة فى ربع نهائى مونديال الشباب.. فيديو    الأمم المتحدة تحث على اغتنام فرصة وقف إطلاق النار لإغاثة غزة    ضربه بخنجر.. قرار عاجل ضد المتهم بقتل تاجر عسل في الغربية    قاضية أمريكية تصدم المغني الكندي دريك في دعوى مجموعة يونيفرسال ميوزيك    خيري رمضان يحتفل بعقد قران نجله عمر وسط حضور لافت لنجوم الإعلام والفن والرياضة    عاجل - تصاعد التوتر في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق النار: غازة إسرائيلية عنيفة في خان يونس    ترامب يدعو إلى طرد إسبانيا من «الناتو»    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    حكايات تحقيق حلم المونديال| منتخب مصر.. قيادة خططت.. وكتيبة نفذت.. وجماهير دعمت    قاضية أمريكية توقف مؤقتا قرار ترامب بنشر قوات الحرس الوطني في إلينوي    «مكنتش أتمنى يمشوا».. وليد صلاح الدين: «زعلت بسبب ثنائي الزمالك»    رسميًا..موعد العمل بالتوقيت الشتوي 2025 وتغيير الساعة في مصر    رمضان 2026 في شهر كام ؟ موعد غرة الشهر الكريم وعدد أيامه    طولان يقرر عودة ثنائي منتخب مصر الثاني إلى القاهرة بعد تعرضهما للإصابة    كريم فهمي يحسم الجدل: "ياسمين عبد العزيز صديقتي.. وتشرفني أي مشاركة معاها"    الأحاديث الواردة في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    خليل الحية: غزة تصنع المعجزات وتؤكد أنها محرمة على أعدائها    «زي النهارده» في 10 أكتوبر 2009 .. وفاة الدكتور محمد السيد سعيد    ما بيحبوش الزحمة.. 4 أبراج بتكره الدوشة والصوت العالي    «كان نعم الزوج».. هناء الشوربجي تتحدث عن قصة حبها بالمخرج حسن عفيفي    «أي هبد».. وليد صلاح الدين يهاجم نجمًا شهيرًا: «ناس عايزة تسترزق»    بسبب محل.. التحقيق مع مسؤول بحي العمرانية لتلقيه رشوة من أحد الجزارين    تحويلات مرورية لتنفيذ أعمال إنشائية خاصة بمشروع المونوريل بالجيزة    ما تكتمش العطسة.. تحذير طبي من عادة خطيرة تسبب أضرار للدماغ والأذن    «هتكسبي منها دهب».. إزاي تعمل مشروع الشموع المعطرة في البيت؟    4 أعشاب سحرية تريح القولون وتعيد لجهازك الهضمي توازنه الطبيعي بشكل آمن    اليوم.. انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء بالبحيرة لاختيار 4 أعضاء    خوفاً من السنوار.. لماذا صوت بن جفير ضد قرار انتهاء الحرب في غزة؟    حبس ديلر المخدرات وزبائنه في المنيرة الغربية بتهمة حيازة مخدر البودر    رئيس فولكس فاجن: حظر محركات الاحتراق في 2035 غير واقعي    أسامة السعيد ل إكسترا نيوز: اتفاق شرم الشيخ إنجاز تاريخي أجهض مخطط التهجير ومصر تتطلع لحل مستدام    محافظ شمال سيناء: اتفاق وقف الحرب لحظة تاريخية ومستشفياتنا جاهزة منذ 7 أكتوبر    النيابة تصدر قرارًا ضد سائق وعامل بتهمة هتك عرض طالب وتصويره في الجيزة    السيسي يُحمّل الشعب «العَوَر».. ومراقبون: إعادة الهيكلة مشروع التفافٍ جديد لتبرير الفشل    أوقاف الفيوم تعقد 150 ندوة علمية في "مجالس الذاكرين" على مستوى المحافظة.. صور    كيف يحافظ المسلم على صلاته مع ضغط العمل؟.. أمين الفتوى يجيب    متى يتم تحديد سعر البنزين فى مصر؟.. القرار المنتظر    تراجع حاد للذهب العالمي بسبب عمليات جني الأرباح    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع يانيك فيريرا فى الزمالك بحضور جون إدوارد    عشان تحافظي عليها.. طريقة تنظيف المكواة من الرواسب    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميلة أميرة الرفاعي لحصولها على درجة الماجستير    نقابة أطباء الأسنان بالدقهلية توضح ملابسات وفاة شاب داخل عيادة أسنان بالمنصورة    مباشر مباراة المغرب ضد كوريا الجنوبية الآن في كأس العالم للشباب 2025    نصائح للأمهات، طرق المذاكرة بهدوء لابنك العنيد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة بين المَلْشَنة والاختطاف
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 04 - 2015

ان ظواهر مثل الاختطاف بمختلف اساليبه والقرصنة البرمائيّة، والابتزاز كمنهج للسلب والتكسّب هي من افرازات التاريخ منذ بواكيره وليست نتاجا لعصرنا،
لكنها حملت اسماء اخرى، وكانت لها ادواتها التي شملها التطور والتحديث تماما كما هي مهنة الصيد، وحين يتحدث الناس اليوم عما يسمى اختطاف الدّولة، يتصور البعض ان هذا الفعل اقترن فقط بما انتهت اليه النظم السياسية من تشكلات، والحقيقة ان كل ما سبق ذكره حدث من قبل لكن اختلاف التقنيات هو ما أوهم الناس بأن هذه المفاهيم طارئة، فثمة امبراطوريات تعرّضت للاختطاف من اطرافها، خصوصا في الأزمنة التي لم تكن فيها وسائل الاتصال مُتاحة، فثمة اخبار كان يستغرق نقلها من منطقة الى اخرى شهورا او أسابيع، وثمة تقليد انتخابي في امريكا بقي حتى الآن رغم تحوله الى طقس او ممارسة رمزية له صلة بتحديد المدة التي تتم بها عملية الانتخابات والاعلان عن نتائجها تماما كما ان الضباب الأبيض بقي حتى الان في الفاتيكان بمثابة رسالة اولى تُبلغ الناس بأن ما تم اختياره من قرارات اصبح وشيكا .
ما استجدّ على اختطاف الدولة في عصرنا هو استخدام ذرائع لم تكن مستخدمة من قبل، على طريقة الحق الذي يراد به باطل، فالعصيان مثلا في اقليم من الدولة تعبيرا عن رفض الطغيان والاستبداد قد يكون المقصود منه اختطاف الدولة لكن من احد اطرافها الرّخوة، والنموذج المعاصر الذي يجسّد هذا الاسلوب هو المنهج الداعشي الذي يستغل فراغا في الدولة ثم يسعى الى التمدد كي يقضمها كلها بدءا من احشائها كما تفعل الحيوانات المتوحشة الجائعة، واذا كان لا بد من استخدام مصطلح حديث لتوصيف هذا المنهج في اختطاف الدولة فهو " مَلْشَنَتَها " اي تحويلها الى ميليشيا اخرى تشتبك مع من يحاولون اختطافها وهي بذلك تتخلى اولا عن شرعيتها التاريخية باعتبارها تتكون من ثلاثة اقانيم هي الارض والشعب ونظام الحكم .
لهذا ما من تسمية اخرى ادق من الاختطاف، وقد يقول البعض على سبيل الاستطراف اللغوي ان مصطلح الدولة باللغة العربية مشتق من الفعل دالّ وهو يعني الزوال، مستشهدين بقول الشاعر : هي الايام كما شاهدتها دول، وهذا المصطلح على النقيض من مصطلح الدولة في اللغات الاخرى وبالتحديد الانجليزية حيث يعني STATE ، الثبات والرسوخ، لكن هذه المطارحات تبقى من عالم القواميس وليست من منجزات التاريخ وما أفرز عبر أزمنة تبدلت فيها انماط انتاج ومفاهيم وتطورت وتعقدت فيها العلاقات بين الحاكم والمحكوم .
لقد كان الاقرار بوجود الدولة اقدم بكثير مما يقال عن العقد الاجتماعي لجان جاك روسو حيث لم تكن وثيقة الماجناغارتا البريطانية قبل عقود طويلة الا محاولة مبكرة لتقنين العلاقة بين المواطن والوطن وبمعنى ادق بين الحاكم والمحكوم، لأنه ما من وطن مجرد او مطلق او معلّق في الفضاء بين المجرات .
والالتباس الذي ساد في عالمنا العربي خلال الاعوام الاربعة العجاف الماضية كان في الخلط بين النظام السياسي والدولة برمتها، وتوهم البعض أن الدولة والنظام هما محيطا دائرة واحدة بمركز واحد، هذا الالتباس كان سببا مباشرا في الانقضاض الأعمى على متاحف ومعابد وبنوك ومؤسسات ومراكز ابحاث وغاب عن ضحايا هذا الالتباس انهم انما يعودون الى ما قبل الدولة، وبالتالي الى ما قبل القانون والعقود كلها حيث الفوضى هي البديل سواء بالمعنى الباكونيني الذي ينسب الى باكونين او بالمعنى الذي ارادته كونداليزا رايس عندما اخترعت مصطلحا غريبا هو الفوضى الخلاقة، لأنه ما من فوضى تخلق او تبدع بل هي تحذف الحدود بين الاشياء كلها، وبالطبع لن يتخلق من هذا الركام سوى الدمار والتفكيك والتلاشي، لكن رايس المتخصصة في فقه التفكيك منذ عملت مع الرئيس بوش الاب في المخابرات الامريكية، تصورت ان الوصفة النموذجية لتفكيك العملاق السوفييتي قابلة للتعريب وغاب عنها ان الروس انفسهم سخروا من مصطلح البيروسترويكا الذي يعني في لغتهم اعادة البناء واطلقوا عليه اعادة الهدم لهذا تململ الدب واستيقظ من سباته .
ان كل اختطاف للدولة يكون مسبوقا بالملشنة اي تفتيت الهوية القومية الام الى كسور عشرية وعندئذ تصبح الهويات الثانوية والفرعية سواء كانت طائفية او مذهبية هي البديل، والهدف من ملشنة الدولة هو تجريدها من الصيغة التاريخية التي ساهمت قرونا واحيانا الفيات في انجازها، لهذا تكرر الالتباس ايضا حول مفهوم الدولة العميقة، بحيث اختلط الامر على معظم من تداولوا هذا المصطلح، فمنهم من اراد التعبير عن البيروقراطية المزمنة ومنهم من حدده في البعد الامني والاستخباراتي ، ملشنة الدولة هي المرادف الدقيق لتحويلها الى طرف في النزاع الاهلي، وهذا هو حجر الاساس في مشروع تفكيكها، وتجريفها وحين كتب المفكر والاكاديمي الامريكي نعوم تشومسكي قبل عقد من الزمن عن الدولة الفاشلة كان هذا المصطلح يطلق على اية دولة بلغت حدا من الهشاشة حال دون قدرتها على حماية المواطن وتسيير ديناميات الحياة، وساد يومئذ مصطلح الصّوملة نسبة الى الصومال لكن لو اعاد هذا المفكر نشر كتابه لاضاف اليه فصولا عن نماذج اخرى تخطت الصّوملة بكثير .
ان ما انقذ دولا بعينها في العالم العربي من جرافات التفكيك والعودة الى ما قبل القوانين والمأسسة والتمدن هو ما تختزنه من احتياطيات تاريخية اضافة الى وعي من يحرسونها لأن الدولة اذا دمّرت وفككت، فان مستقبل شعب برمته سيصبح في مهب عواصف الفوضى المحلية اضافة الى ما يسيل من لعاب المتربصين بها واذكر للمثال فقط ان الشروع في بناء سد النهضة الاثيوبي تزامن مع احداث يناير 2011 لكن الماء كما يقال يكذّب الغطاسين، اما التقنية المستحدثة لاختطاف الدول فهي السطو على مواقع رخوة او ملغومة باثنيات يمكن تجييشها بحيث تأكل نفسها وهي آخر من يعلم .
العراق لم يكن النموذج الكامل لهذا الاختطاف، لهذا جرى تكرار المحاولة لاستكمال القوس المحذوف من تلك الدائرة، ولولا نجاة مصر من الاختطاف والملشنة والتجريف الشامل لكان هذا العالم العربي اشبه ببرج بابل، امثولة في الفوضى المدمرة، والتآكل الاهلي وبالتالي تحوله الى غنائم !
ولعل العبارة البليغة التي اطلقها البابا تواضروس وهي وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن تصلح درسا لمن فضلوا زوج الام على الاب ورجّحوا هوية الطائفة على هوية الوطن !
لمزيد من مقالات خيرى منصور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.