رئيس الأركان الإسرائيلي يستدعي رئيس «الشاباك» الجديد    «الشيوخ» يناقش تعديلات قانونه ل«تقسيم الدوائر» غدا    انطلاق قافلة دعوية إلى مساجد الشيخ زويد ورفح بشمال سيناء    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 23 مايو في سوق العبور للجملة    تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الحديد.. الوزير يعلن رُخص «بليت» جديدة    وزير الاستثمار يلتقي رئيس "أبوظبي للطيران" لاستعراض مجالات التعاون    محافظ سوهاج يفتتح أعمال تطوير ميدان سيتى ويوجه بمراجعة أعمدة الإنارة.. صور    من 7100 إلى 15100 جنيه.. زيادة المرتبات رسميًا لموظفي الحكومة في هذا الموعد    نتنياهو: يجب تعيين رئيس جديد للشاباك «في أقرب وقت ممكن»    الاتحاد الأوروبي وأمريكا يجريان محادثة تجارية اليوم وسط خلافات بشأن الرسوم الجمركية    كوريا الشمالية تباشر التحقيق في حادث وقع خلال تشدين سفينة حربية    نابولي الأوفر حظًا للتويج بلقب الدوري الإيطالي قبل جولة الحسم.. الكرة في ملعبه    الهلال يفاوض أوسيمين    فينيسيوس مودعا مودريتش: كُرتك فن.. وقصتك بألف كتاب    ضربها 16 طعنة وهي نايمة.. طالب يعتدي على والدته بسلاح أبيض في الغربية    تفاصيل الحالة المرورية بشوارع وميادين القاهرة الكبرى الجمعة 23 مايو    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكما قضائيا في أسوان ودمياط    بسمة وهبة ل مها الصغير: أفتكري أيامك الحلوة مع السقا عشان ولادك    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    نبيلة مكرم تكشف لأول مرة عن أسرار خاصة بشأن أزمة نجلها "رامي"    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    الإفتاء توضح سنن يوم الجمعة .. أبرزها الإغتسال    وزير الصحة يشارك في مائدة مستديرة حول البيانات والتمويل المستدام لتسريع التغطية الصحية الشاملة    «ماذا يأكل طفل ADHD قبل الامتحان؟».. أطعمة قد تُحدث فرقًا في حركته وتركيزه    محافظ أسيوط يشهد تسليم 840 آلة جراحية معاد تأهيلها ضمن مبادرة صيانة المعدات الطبية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 23-5-2025 في محافظة قنا    طقس الأيام المقبلة.. تقلبات حادة في درجات الحرارة    إنجاز غير مسبوق.. اعتماد نهائي لمركز الأورام ومبدئي للمستشفى التخصصي بجامعة قناة السويس    الأعلى للجامعات يبدأ مقابلة المتقدمين لرئاسة جامعة كفر الشيخ غدًا    أخبار مصر: زلزال جديد يضرب اليونان ويقلق المصريين، قفزة في الذهب، محمد رمضان يدفع الملايين ل MBC، تحذير من موجة حارة    تفاصيل تقرير البرلمان بشأن مشروع قانون مياه الشرب والصرف الصحي    "صلاح على أون سبورت " تريند على تويتر في ليلة تتويجه التاريخية    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    منتجو الدواجن ينفون وجود فيروس: لو كانت نسبة النفوق 30% لارتفع السعر إلى 300 جنيه    القبض على عاطل وسيدة لقيامهما بسرقة شخص أجنبي بحلوان    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    السبت.. حفلة فنية لذوي القدرات الخاصة بمركز تنمية المواهب بأوبرا دمنهور    بيراميدز ضد صن داونز مباشر في نهائي دوري أبطال أفريقيا.. الموعد والقنوات والتشكيل    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    انفجار كبير بمخزن أسلحة للحوثيين فى بنى حشيش بصنعاء    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    عمرو أدهم: مجلس الزمالك بذل مجهودًا كبيرًا في رفع إيقاف القيد    4 أبراج «بيسيبوا بصمة».. مُلهمون لا يمكن نسيانهم وإذا ظهروا في حياتك تصبح أفضل    الفنان محمد رمضان يسدد 26 مليون جنيه لصالح شبكة قنوات فضائية    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    كأس مصر لكرة القدم سيدات.. بين قوة الأهلى وطموح وادى دجلة    بدون الأهلي «بطل آسيا».. تحديد رباعي السوبر السعودي 2025    فلسطين.. 4 شهداء وعشرات المفقودين إثر قصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأقلية رقم 231
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 08 - 2014

كانت الحرب الباردة قد وضعت آخر أوزارها عندما بدأت معاهد استراتيجية ومراكز أبحاث أمريكية بتكليف أكاديميين وناشطين سياسيين فى العالم الثالث برصد الاقليات الإثنية تمهيدا لصراعات نشهد اليوم ذروتها والنموذج الأبرز فى هذا السياق
هو موسوعة الأقليات فى العالم والتى ألّفها تيد روبرت جار بدعم من برنامج جينتج لاند لوف للسلام العالمى وتضمن الكتاب الموسوعة مئتين وثلاثين أقلية على امتداد العالم وان كانت حصة الشرق الأوسط من تلك الأقليات لافتة للانتباه على نحو استثنائى . وفور صدور الموسوعة تنبّه بعض المثقفين فى العالم ومنهم عرب الى خطورتها، ولكونها تعمّق خطوط الخلاف والتباين فى مجتمعات كانت الدولة فيها تستكمل عناصرها، والمواطنة تحل فيها مكان الهويات الفرعية.
ولم تكن موسوعة روبرت جار هى الفريدة فى هذا المجال، لكنها الاكثر اعتناء بالتفاصيل وبتجذير الصراعات الاثنية، فقد مهّد لها وتزامن معها ايضا منذ التسعينات من القرن الماضى اطروحات استشراقية تحاول اخفاء دوافعها الكولونيالية وحقيقتها بأقنعة انسانوية بحيث تبدو مهمتها لأول وهلة انقاذ الأقليات التى تعانى اضطهادا وقد تكون كتابات برنارد لويس مجرد مثال، وليست أمثولة، فهو من بقايا الاستشراق الكلاسيكى الذى بشّر جاك بيرك بنهايته وأصدر بيانا ينعى فيه هذا الاستشراق لتحل مكانه دراسات اكاديمية تحركها المعرفة المجردة، لكن ما حدث بالفعل هو أن هذا الاستشراق الذى تمت عسكرته منذ احتلال افغانستان ومن بعدها العراق، عاد الى منابعه وأقرب مثال الينا الدور الذى لعبه برنارد هنرى ليفى فى ليبيا تحديدا، وما انتهى اليه المشهد من تدخل حلف الناتو وتفكيك ليبيا بحيث تحولت من دولة الى ميليشيات وهذا كله تم تحت عنوان غير مُعلن هو «مَلْشَنَة» الدول والعودة الى ما قبلها، أى الى المكونات القبائلية والطائفية والعرقية.
والمريب فى موسوعة الاقليات هو الاشارة منذ المقدمة الى اربع اقليات هى الأكثر معاناة فى العالم وهى على التوالى: البوسنيون والاكراد وشيعة العراق والأفارقة السود فى جنوب افريقيا، والتركيز المبكر على اكراد العراق وشيعته جاء فى وقت كان اكراد العراق قد تمتعوا فيه بحكم ذاتي، ولم يكن الشيعة اقلية عددية، كما ان الدولة العراقية بكل مكوناتها فى تلك المرحلة خاضت حربا لثمانى سنوات ولم يكن جيشها ومجمل كوادرها من السُنّة الخالصة، فنائب رئيس الجمهورية كان كرديا وكذلك عدد كبير من القادة السياسيين والجنرالات كانوا من الاكراد والشيعة.
لكن ما شجّع المشرفين على هذه الموسوعة هو حرب الخليج الثانية التى كان شعارها المعلن اخراج العراق من الكويت، أما الممارسة الميدانية فهى اخراج العراق من العراق، وهذا ما عبّر عنه الجنرال شوارتسكوف حين قال ان مئة الف غارة جوية بمقدورها ان تعيد العراق الى القرن التاسع عشر. وما تعانيه طوائف واثنيات كمسيحيى العراق والصابئة والايزيدية الآن هو حصاد ذلك الاستشراق الجديد الذى غذّى الهويات الصغرى والفرعية، وكان المختبر الذى اعدّ هذه المبيدات للدولة العربية تحديدا هو تفكيك الاتحاد السوفييتى سابقا بحيث اصبحت الوصفة نموذجية ومعولمة وقابلة للتصدير.
مسيحيو العراق وهم مكون أصيل لنسيجه هاجروا ثم هجّروا بحيث خلت منهم مدن رئيسية فى العراق كالموصل وصمتت اجراس كنائسها، فيما عرض دهاقنة الاستشراق العسكرى على من تبقى منهم ان يغادروا مسقط الرأس الى فرنسا، وهذا بالضبط ما طرحه هولاند الرئيس الفرنسى على نحو مباشر رغم ادراكه بان السيد المسيح ليس فرنسيا، ولم يطلب اللجوء من فلسطين الى باريس بل هو فى الأدبيات العربية الفدائى الاول والذى يجرى اعادة صلبه حسب تعبير كازانتزاكى لكن بصورة اخرى على ايدى اسخريوطيين جدد! فى الآونة التى كانت موسما لمثل هذه الابحاث والموسوعات، لم يتنبه العرب الى ما يُهيأ لهم، ومنهم من ابتلعوا الطُعم، ودخلوا باقدامهم الى الفخ، والاستثناءات ممن كانوا يقرعون الاجراس لم يسمعهم أحد لأن ضجيج العولمة كان يحجب الاصوات كلها، واذا كان هناك من استخفهم الطرب ورقصوا فذلك لأنهم مذبوحون ومن شدّة الألم.
وما نخشاه هو ان ينوب عنا كعرب آخرون، بحيث يجرى تهميشنا، ونصبح اشبه بالضحية الخرساء التى يتم ازدرادها فى صمت، فمن يتولى الرد الان على برنارد لويس كاتب يهودى هو« آفى شلايم« خصوصا فيما يتعلق بافتراءات لويس على الراحل ادوارد سعيد، ومن يفتضح برنارد هنرى ليفى هو الن غريش تحت عنوان مُثير هو «ليفى ليس فيكتور هوجو».
واذا استمر هذا الحال فان نبوءة الكاتب المصرى د. فوزى منصور التى اطلقها تصبح قابلة للتحقيق وهى خروج العرب من التاريخ رغم بقائهم عالقين بالجغرافيا . من اهم ما تقوله موسوعة تيد جار عن اشكال الصراع الاثنى السياسى هو ان هذا الصراع له ثلاثة اشكال هى فى النهاية ثلاث مراحل بدءا من المرحلة السياسية التى تسعى الجماعات من خلالها الى تحقيق مصالحها، ثم مرحلة الاحتجاج الخافت او الناعم، واخيرا الانفجار تحت عدة مسميات منها الثورة او الحراك العنيف، فهل كانت ثلاثة عقود فقط كافية لهذه المحطات الثلاث ؟ أم أن الدول الفاشلة حسب تعريف تشومسكى ساعدت على حرق المراحل وانجاز ما يتطلب انجازه قرنا فى عشرة اعوام فقط ! ان من سمعوا ديفيد وينبرغ وهو يحاضر عن الربيع العربى فى النرويج عليهم ان يغمضوا اعينهم خمس دقائق على الأقل ثم يفتحوها ليروا هذه الاطلال فى العديد من الدول العربية.
فقد قال، وهو بالمناسبة مسئول اسرائيلى متقاعد ان ما حققته اسرائيل من هذا الربيع فى بضعة اعوام كان عليها ان تحققه فى خمسين سنة، وحين قدّم قائمة عن الجيوش والدول العربية التى تم تفكيكها اضطر لإستثناء مصر ولو الى حد ما، فقد كان لديها من المناعة واحتياطى تاريخ الدولة ما حال دون تحولها الى ما انتهت اليه دول اخرى منها ليبيا والعراق، ولو جرى تفكيك الدولة لكانت الوصفة ذاتها قد بدأت تترجم من حلم استشراقى الى واقع، فالعزف لم يكن فقط على الوتر القبطى بل تجاوزه الى النوبة وحتى «سيوة»، ان من يقرأ تلك السلالة من الكتب التى تراوح بين الاستراتيجى والميتا استراتيجى قد يعود الى أول السطر ليقرأ ما جرى بأثر رجعى وبعينين اشدّ يقظة ووعى اقلّ استلابا فمعرفة السبب ستبطل العجب، أما الأقلية 231 والتى لم ترد فى موسوعة تيد روبرت جار فهى من تبقى من مثقفين عرب لم يصابوا بالايدز السياسى وانفلونزا العولمة المؤسرلة، فهم بحاجة الى محمية تقيهم من الانقراض .
لمزيد من مقالات خيرى منصور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.