الوطنية للانتخابات: وزارة الداخلية لعبت دورًا حيويًا في تأمين المقار الانتخابية    شعبة المواد الغذائية: المخزون الاستراتيجي من السكر يكفي 13 شهرًا    رئيس العربية للتصنيع: شهادة الآيرس تفتح أبواب التصدير أمام مصنع سيماف    السفير التركي يشيد بالمتحف المصري الكبير ويؤكد عمق التعاون بين أنقرة والقاهرة    تهديد ترامب بإقامة دعوى قضائية ضد بي بي سي يلقي بالظلال على مستقبلها    هل يشارك الجيش التركي ب«عمليات نوعية» في السودان؟    تقرير لجنة التحقيق في أحداث 7 أكتوبر يؤكد فشل المخابرات العسكرية الإسرائيلية    اتحاد اليد يقرر إقامة نهائي السوبر الجمعة في الإمارات    الزراعة: السيطرة على حريق محدود ب«مخلفات تقليم الأشجار» في المتحف الزراعي    آخر تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي بعد توجيه الرئيس السيسي بمتابعته صحيا    كريم عبدالعزيز يوجه رسالة لوالده عن جائزة الهرم الذهبي: «علمني الحياة وإن الفن مش هزار»    بشير عبد الفتاح ل كلمة أخيرة: التجربة الحزبية المصرية ما زالت في طور التكوين    «سمعونا زغروطة».. أحمد السعدني يُهني مي عز الدين بعقد قرانها    الهيئة الوطنية للانتخابات: لا شكاوى رسمية حتى الآن وتوضيح حول الحبر الفسفوري    ضبط أخصائي تربيه رياضية ينتحل صفة طبيب لعلاج المرضى ببنى سويف    هند الضاوي: أبو عمار ترك خيارين للشعب الفلسطيني.. غصن الزيتون أو البندقية    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس نادي قضاه الأسكندرية    الأهلي يفوز على سبورتنج فى ذهاب نهائى دورى المرتبط لسيدات السلة    الجارديان: صلاح خطأ سلوت الأكبر في ليفربول هذا الموسم    بعد انفصال كريم محمود عبدالعزيز عن زوجته.. هل يجوز الطلاق «أونلاين»؟ (مفتي الجمهورية يوضح)    استجابة من محافظ القليوبية لتمهيد شارع القسم استعدادًا لتطوير مستشفى النيل    ديشامب يوضح موقفه من الانتقال إلى الدوري السعودي    المخرج عمرو عابدين: الفنان محمد صبحي بخير.. والرئيس السيسي وجّه وزير الصحة لمتابعة حالته الصحية    الصين تحث الاتحاد الأوروبي على توفير بيئة أعمال نزيهة للشركات الصينية    الجامعات المصرية تشارك في البطولة العالمية العاشرة للجامعات ببرشلونة    هؤلاء يشاركون أحمد السقا فى فيلم هيروشيما والتصوير قريبا    إبداعات مصرية تضىء روما    الرئيس السيسي: مصر تؤكد رفضها القاطع للإضرار بمصالحها المائية    انقطاع التيار الكهربائى عن 24 قرية وتوابعها فى 7 مراكز بكفر الشيخ غدا    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    تأجيل لقاء المصرى ودجلة بالدورى ومباراتي الأهلى والزمالك تحت الدراسة    نقل جثمان نجل مرشح مجلس النواب بدائرة حلايب وشلاتين ونجل شقيقته لمحافظة قنا    الزمالك يشكو زيزو رسميًا للجنة الانضباط بسبب تصرفه في نهائي السوبر    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    الفريق ربيع عن استحداث بدائل لقناة السويس: «غير واقعية ومشروعات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ»    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    الحكومة المصرية تطلق خطة وطنية للقضاء على الالتهاب الكبدي الفيروسي 2025-2030    «هيستدرجوك لحد ما يعرفوا سرك».. 4 أبراج فضولية بطبعها    «الوطنية للانتخابات» لرؤساء اللجان: لا إعلان لنتائج الفرز.. وإبلاغ المرشحين بالحصر العددي فقط    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    تأجيل محاكمة 8 متهمين بخلية مدينة نصر    الكاف يعلن مواعيد أول مباراتين لبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    بعد الأزمة الصحية لمحمد صبحي.. شقيقه: وزير الصحة تواصل مع أبنائه لمتابعة حالته (خاص)    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    محافظ الإسكندرية: انتخابات النواب 2025 تسير بانضباط وتنظيم كامل في يومها الثاني    "البوابة نيوز" تهنئ الزميل محمد نبيل بمناسبة زفاف شقيقه.. صور    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    إيديتا للصناعات الغذائية تعلن نتائج الفترة المالية المنتهية فى 30 سبتمبر 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الميديا المؤدلجة !!
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 12 - 2016

قد يوحى هذا العنوان بأن هناك مقابل الميديا المؤدلجة ميديا محررة من اى انحياز او ليبرالية خالية من شوائب الارتهان لهذه الدولة او تلك، والحقيقة ان مثل هذه الميديا تبقى حلما عسير الترجمة الى واقع، لكن هناك على الاقل ميديا تحاول قدر المستطاع ان تحافظ على حدّ ادنى من الصدقية، كى لا تفقد نفوذها وجاذبيتها للرأى العام، والميديا المؤدلجة رغم ما يبدو لها من انياب هى فى الحقيقة داجنة، وفاقدة للقدرة على المغامرة والكشف لأنها ببساطة مُقيدة بمنظومة من المفاهيم والقيم التى يرى دعاتها والمبشرون بها انها الحقيقة وهذا هو سبب الاصابة بالاحتكار ووهم المعصومية، والوجه الاخر لهذه الاصابة هو الانكار عندما يتعلق الامر بما يخص الاخرين وهم على الارجح خصوم او اشباه خصوم .
وقبل هذا الانفجار الفضائى كانت الصحافة هى المجال الحيوى لنمط من الاعلام المتشرنق داخل ايديولوجيا تتلخص فى مقولة تقليدية اسبارطية هى نفّذ ثم نفّذ اما المناقشة فهى محظورة ومن خارج هذا المدار المغلق، وقد اتاح الفضاء الذى يزدحم الان بالاف القنوات للايديولوجيا ان تحلّق فيه لكن بأجنحة من شمع شأن ذلك البطل الاسطورى عند الاغريق القدماء وهو ايكاروس الذى حلّق بأجنحة من شمع، لكن سرعان ما ذابت عندما اشرقت الشمس وسقط مضرجا بدمه !
وبفضل الميديا المؤدلجة تحولت فضائيات الى ما يشبه غرف العمليات العسكرية واصبحت طرفا صارخا وصاخبا بحيث يسهل على المشاهد ان يحذر كل ما سيصدر عنها قبل أوان صدوره لأنها ترتهن لموقف أحادى البعد يريد من العالم كله ان يتأقلم معه، ويتحول الى صدى له .
ومنذ وضعت منجزات العلوم الانسانية فى خدمة الميديا، وبالتحديد علم النفس اصبح هناك حروب من طراز جديد سميت قبل عقود الحرب النفسية، وهى الان تحمل اسماء جديدة ذات صلة بتعاقب الاجيال، لكن الحرب النفسية ليست على غرار تلك التى كان جوبلز النازى مثالها ثم تحول بعد سقوط النازية الى امثولتها، بحيث تتأسس على تكرار الكذب، وليست ايضا من طراز ما تصوره ونستون تشرتشل فى الحرب العالمية الثانية حين قال ان الحقيقة تحتاج الى جيش او حشد من الاكاذيب لحراستها، فالحقيقة يمكن اخفاؤها الى حين، لكن لا يمكن لأحد مهما بلغ من القوة ان يخترعها.
لكن صلاحية هذا الوهم محدودة وسرعان ما ينقشع الضباب ليظهر الواقع كما هو عليه وعلى حقيقته، وفى هذه الحالة تصبح الهزيمة التى تم انكارها مزدوجة لأنها صادمة بعكس الهزيمة التى تعلن بشجاعة، فهى تتحول الى رافعة كما حدث فى العديد من البلدان منها اليابان وروسيا!
وللمفارقة، فقد حدث اثناء محاولتى استذكار امثلة معاصرة عن الميديا المؤدلجة ان اعلن فى مصر وبالتحديد عن وزارة الداخلية عن ضبط اشخاص فى منطقة قنال السويس اصطادوا اطفالا ابرياء وحاولوا تلفيق فيديوهات دموية بحيث تنسب الى ما يجرى فى مدينة حلب السورية، وهذا بحد ذاته مثال طازج يفتضح مسلسلا طويلا من الدراما المُصنّعة والمدفوعة الاجر حول ما حدث ويحدث الان فى عالمنا العربى بالتحديد.
ولو عدنا قليلا بضع سنوات الى الوراء لوجدنا ان هذه الصناعة قد ازدهرت لاحلال مشاهد مكان اخرى، ومثل هذا التزوير ليس باهظ التكلفة ماديا او حتى فنيا، إذ يكفى ان تتوفر للمشهد واجهة بيت مهدم او شاطىء نهر كى تكون الخلفية قابلة للاستخدام المتكرر، وفى حروب الخليح الثلاث التى بدأت قبل اكثر من ثلاثة عقود ولم تضع اوزارها حتى اليوم مورست هذه الصناعة لكن بمهارة هوليوودية، وللمثال فقط نذكر المؤتمر الصحفى الذى قدم فيه الجنرال كولن باول مشهد الشاحنات عراقية محملة بأسلحة دمار شامل، ثم كانت الفضيحة التى استقال الجنرال باول بسببها واعترف بكل ما جرى من التلفيق، وما قدمته الميديا الغربية والامريكية بالتحديد فى حربها على افغانستان والعراق، كان يعج بمشاهد ملفّقة استخدمت فيها احدث التقنيات لأن تلك الميديا مؤدلجة حتى النخاع وحمولتها من افرازات اليمين المتطرف فاحت رائحتها وزكمت الانوف !
وما سماه اكثر من كاتب ومثقف امريكى التلاعب بالعقول ، كان التعبير الادق عن دور الميديا المؤدلجة فى اعادة انتاج الواقع، وهذا ما يقوله تشومسكى بوضوح عن الاعلام المؤدلج والمسيّس والمرتهن فى امريكا، وهو ايضا ما قاله الن غريش فى مقالته عن برنارد ليفى تحت عنوان ليفى ليس فيكتور هوجو!
واذا كان العالم العربى الان يئن من سطوة الميديا المؤدلجة التى لا ترى غير ما تريد ولا تسمع غير صدى صوتها فإن الغرب كان سباقا ورائدا فى هذا الميدان، لأن الاصولية اختراع غربى بامتياز كما قال روجيه غارودى فى كتاب مكرس لهذا الاستنتاج !.
وهنا اتذكر ما كانت تنشره الصحف البريطانية والامريكية عن الصراع العربى الاسرائيلى فى ستينات القرن الماضى وان كنت اكتفى بما نشرته صحيفة الديلى نيوز قبل حرب حزيران بأقل من شهر، وفى آخر مؤتمر صحفى للزعيم عبد الناصر قبيل الحرب ببضعة ايام، توجه صحفى من الديلى نيوز بسؤال خبيث لعبد الناصر جاء فيه انه كان فى العدوان الثلاثى عام 1956 اصغر بعشر سنوات من حيث العمر ولم تكن الولايات المتحدة قد بلغت هذا الحد من الانحياز ضده، وكانت اجابة عبد الناصر بالحرف الواحد : انا لم ابلغ الخمسين من العمر، وما زلت شابا، وانا منذ اعوام اقرأ الديلى نيوز وحين لا تكتب ضدى وضد بلادى اراجع نفسى لعلّى اخطأت بموقف ما، ثم اضاف الى اجابته جملته الشهيرة الخالدة وهى ( ابلغ صحيفتك وانجلترا معا بأننى لست خرِعا كالمستر ايدن رئيس الوزراء الذى انهار بعد عدوان 1956) .
كان عبدالناصر يدرك بعمق دور الميديا المؤدلجة، والتى تخوض حربها بأسلحة قد تبدو ناعمة لكنها منقّعة فى السموم، وتسعى الى تضليل الرأى العام تمهيدا لقرارات سياسية او عسكرية لها عواقب وخيمة .
ان للميديا المؤدلجة والداجنة فى مفاهيم انهى التاريخ صلاحيتها اساليب فى الاضاءة والتعتيم والاضافة والحذف، فهى تحول بسبب فائض الاوهام العالم الى مرايا لا ترى فيها غير وجهها لهذا فإن الانكار هو الاحتياطى الاستراتيجى الذى تستدعيه اذا فشلت فى حجب الامر الواقع، ويمكن لأى مشاهد ان يرصد فضائيات مؤدلجة ليجد انها لا تقدم من البانوراما الكونية كلها سوى ما يماثل فصيلة دمها او حبرها لهذا سرعان ما ينصرف عنها المشاهد لمعرفته مسبقا بكل ما سوف تقول !!
لمزيد من مقالات خيرى منصور;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.