تقدمت دولة الكويت فى الثلاثين من شهر مايو السابق، بوصفها العضو غير الدائم بمجلس الأمن، بمشروع قرار يدعو المجلس إلى «النظر فى الإجراءات التى تتضمن سلامة الفلسطينيين وحمايتهم فى الأراضى المحتلة بما فى ذلك قطاع غزة» ورغم موافقة الغالبية العظمى من أعضاء المجلس على هذا القرار فإن الولاياتالمتحدة حالت دون صدوره بفضل ما تملكه من حق الفيتو، وهو الحق الذى لم تكف الولاياتالمتحدة عن استعماله للحيلولة دون إصدار مجلس الأمن أى قرار عادل بشأن القضية الفلسطينية. إنَّ استعمال حق الفيتو لمنع المنظمة العالمية من اتخاذ هذا القرار بشأن حماية شعب فلسطين هو بمثابة أمر للعالم أجمع بترك الحبل على الغارب لإسرائيل لترتكب جرائم ضد الإنسانية، وإهدار آدمية الشعب الفلسطينى إن لم تكن إبادته الجماعية. وقد أدانت كافة مؤسسات حقوق الإنسان الدولية جرائم إسرائيل ضد الإنسانية فى حق الفلسطينيين وبخاصة فى غزة، دون تمييز بين المقاتلين والمدنيين العُزَّل من نساء وشيوخ وصبية ، من ذلك التقرير المهم الصادر من اللجنة التى شكلها المجلس الدولى لحقوق الإنسان برئاسة القاضى الدولى الشهير جولدستون، والتى تضمنت الوصف الفعلى لهذه الجرائم بالإبادة الجماعية وكذا التقرير الصادر بشأن الجرائم المرتكبة بمدينة قانا وهو التقرير الذى أصر الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالى على نشره رغم تهديدات الولاياتالمتحدة له إذا ما قام بنشره. ويشهد العالم منذ عقود السطو غير المتوقف على أراضى عرب فلسطين الصالحة للزراعة والصالحة للمعيشة واقتلاع أشجار الزيتون منها، لبناء المستوطنات الصهيونية، وهى الأراضى التى عاش فيها الشعب الفلسطينى طيلة التاريخ، وغنى عن البيان أن ذلك لا يختلف عمَّا قام به المهاجرون الأوروبيون إلى أمريكا خلال القرون الماضية من طرد للهنود الحمر من أراضيهم ليعيشوا فى الصحارى الجرداء أو قتلهم. إنَّ الولاياتالمتحدة هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تؤيد ارتكاب إسرائيل لجرائمها ضد الإنسانية منذ نشأتها. وقد حالت دون اتخاذ المجتمع الدولى أى إجراء لردع إسرائيل عن ارتكاب هذه الجرائم، كما تقضى بذلك أحكام القانون الدولى الملزمة، وذلك باستخدامها حق الفيتو. ومن المعلوم فى هذا المقام ما اتخذه القضاء الجنائى الدولى من موقف حاسم إزاء امتناع دولة ما عن التدخل لوقف جرائم مرتكبة من جانب أى سلطة أخرى إذا كانت هذه الدولة تملك القدرة الفعلية على أداء ذلك. وقد اعتبر القضاء الجنائى الدولى هذا التقصير جريمة دولية لا تفترق عن الفعل المادى المرتكب والذى كان فى إمكانها منعه. ومن الأمثلة المهمة على ذلك تقديم رئيس دولة يوغوسلافيا السابقة للمحاكمة أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب بتهمة عدم تدخله لمنع جيش صرب البوسنة من ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد شعب البوسنة المسلم. ولم تكتفِ الولاياتالمتحدة باستخدامها حق الفيتو هذه المرة فى الوقوف وراء ارتكاب إسرائيل لجرائمها ضد الشعب الفلسطينى بل تجاوزت ذلك باللجوء لحق الفيتو لمنع كافة دول العالم من مجرد حماية ضحايا جرائم إسرائيل فى فلسطين. وغنى عن البيان أنَّ الولاياتالمتحدة وهى سيدة العالم فى الآونة الحالية وهى الدولة الأولى فى العالم التى تقف هى وأذنابها وراء ارتكاب إسرائيل لجرائمها ضد الإنسانية خلال كافة العقود الماضية دون رادع. ولم تكتفِ باستخدامها لحق الفيتو الأخير بل تجاوزت ذلك فى قرارها الأخير بمنع دول العالم كافة من مجرد حماية ضحايا جرائم إسرائيل. لقد عبرت دول العالم فى الآونة الأخيرة بوضوح وبالإجماع عن رفضها للقرارات التعسفية التى تتخذها الولاياتالمتحدةالأمريكية دون مبالاة بمصالح أية دولة أخرى بل بمصلحة العالم أجمع، من ذلك رفضها التعاون لمكافحة التلوث الذى يهدد الحياة البشرية بأسرها والذى لن تفلت منه الولاياتالمتحدة ذاتها، وكذا موقفها السلبى من القضاء الجنائى الدولى الذى أُنشئ لمنع اعتداء دولة على شعب دولة أخرى أو على فئة من شعبها أو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. ويرجع هذا الموقف من جانب الولاياتالمتحدة إلى حرصها على استيلاء إسرائيل على كافة أراضى فلسطين والقضاء على شعبها وهى فى مأمن من أية ملاحقة جنائية لرؤسائها ولرؤساء الدول المساندة لها فى هذا العدوان، ومن ثمَّ تتمكن إسرائيل من مواصلة إبادتها الجماعية للشعب الفلسطينى دون رادع والاستيلاء على أرضه. ولا يشترط لتحقق جريمة الإبادة الجماعية أن يتم ذلك بشكل مسلح أو بشكل فوري، بل يكفى لقيام هذه الجريمة وضع الضحايا فى ظروف معيشية لا تسمح باستمرار الحياة كتركهم فى أماكن بلا ماء ولا زراعة وحرمانهم من أية رعاية طبية، كما يشهد العالم الآن فى الأراضى الفلسطينية. ومن ثمَّ فإنَّ التدخل المطلوب من المجتمع الدولى الممثل فى الأممالمتحدة ليس هو مجرد حماية الشعب الفلسطينى من القتل الجماعى المرتكب حاليًا فى مختلف الأراضى المحتلة، بل هو يتمثل كذلك فى وضع حد للظروف المعيشية المفروضة على هذا الشعب والتى من شأنها عدم إمكان الحياة على المدى الطويل، إذ أن ذلك يشكل فى حقيقة الأمر جريمة إبادة جماعية بطيئة. إن تأييد الولاياتالمتحدة المتواصل لإسرائيل فى ارتكابها لجرائم حرب ضد الإنسانية فضلا عن عدم تدخلها لمنعها من ارتكاب هذه الجرائم واستخدام حق الفيتو لمنع تدخل مجلس الأمن ذاته من إدانتها عن مختلف جرائمها ضد الإنسانية يُعَّدُ مشاركة منها فى القضاء على الشعب الفلسطيني. والواقع أن حكام إسرائيل لم يخفوا هذه النية منذ نشأتها كما يتضح من تصريحات زعماء إسرائيل منذ نشأة الدولة العبرية عام 1948 وتصريح بن جوريون فى ذلك الوقت بعد ارتكاب مذابح دير ياسين ضد الفلسطينيين بأن الخيار الأوحد لعرب فلسطين هو الهجرة أو الهلاك. ولا شك أنَّ قيام الأممالمتحدة بتحقيق مبادئ العدالة الدولية التى أُنشِئت من أجلها سيظل أمرًا مستحيلا طالما أن العالم يخضع فى حقيقة الأمر لإرادة دولة واحدة من الدول التى تملك حق الفيتو، ولا يستطيع منعها من إصدار أى قرار حتى ولو كان من شأنه إنقاذ العالم بأسره من الإبادة، وليس فقط إبادة شعب واحد. لمزيد من مقالات ◀ د.فؤاد عبد المنعم رياض