اتجاهات الفائدة فى الاسواق الناشئة تعكس كفاءة ونجاح السياسة النقدية لمصر ليس هناك اقتصاد دولة يمكن ان يدعى انه بمعزل عما يجرى فى الاسواق العالمية او يتعرض له اقتصاد دولة اخرى ، ما يتعرض له اقتصاد دولة فى امريكا اللاتينية تنتقل عدواه بسرعة الى اقتصاد الدول الاخرى فى باقى القارات ، ثمة قول مأثور لمحافظ البنك الفيدرالى الامريكى الاسبق الن جريسبان » اذا عطس الاقتصاد اليابانى فان عدوى البرد تنتقل بسرعة الى باقى اقتصادات الدول الاخرى ، الاندماج فى الاقتصاد العالمى اصبح معيارا مهما ومؤشرا لقياس تقدم الدول المتقدمة والاسواق الصاعدة ،الازمة التى يتعرض لها اقتصاد دولة بامريكا اللاتينية يشعر بها المتعاملون فى الاسواق الناشئة الاخرى ، ومع ذلك يمكن القول ان ثمة مبالغة وقع فيها البعض ، بتحميل ازمة الارجنتين مسئولية ارتفاع الدولار امام الجنيه خلال الايام الماضية ،ازمة الارجنتين اسفرت عن قرار البنك المركزى برفع الفائدة على عملتها « بيزو» الى 40% مع بداية شهر مايو الحالى لمقابلة الهبوط الكبير فى العملة ،الازمة الحالية التى يعانى منها الاقتصاد الأرجنتينى ليست الاولى ، تعرضت لاصعب منها كثيرا فى اواخر ثمانينات القرن الماضى ،عندما هبطت العملة المحلية بشكل حاد، وارتفع معدل التضخم ليتجاوز ارقاما لم تشهدها دولة اخرى من قبل او بعد حيث ارتفع معدل التضخم بمستويات قياسية بنحو 12 الف فى المائة ، تجربة الارجنيتن فى الاصلاح لاقتصادى تستشهد بها المؤسسات الدولية كمنوذج سئ بسبب التخبط والتردد .
نعود الى موضوعنا الاساسى تحميل رفع الفائدة فى الارجنتين الى 40% المسئولية الكاملة عن رفع الدولار امام الجنيه ، حقيقة الامر ان ازمة الارجنتين تتحمل جانبا قليلا من ارتفاع الدولار امام الجنيه خلال الاسابيع الاخيرة ، حيث تعيد الصناديق الدولية توظيف اموالها فى الاسواق الناشئة بنسبة محددة ، من اجمالى الاستثمارات ،وهى تعيد هيكلة الاستثمار كلما اقتضت الضرورة وفقا للتطورات فى تلك الاسواق ،عدد من هذه الصناديق قام بسحب جزء من استثماراتها فى ادوات الدين فى عدد من الاسواق الناشئة لاستثمارها فى ادوات الدين فى الارجنتين للاستفادة من سعر الفائدة رغم ارتفاع المخاطر ، لكن يظل تأثير ذلك محدودا اذ تشير توقعات المحللين وبنوك الاستثمار ان نحو 17% فقط من استثمارات الصناديق العالمية فى السوق المصرية ،خرجت خلال الاسابيع الماضية 23 مليار دولار اجمالى استثمارات تلك الصناديق بمصر منذ تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016 حتى نهاية مارس الماضى وفقا لبيانات وزارة المالية الصافى منها يصل الى 17 مليار دولار وفقا لتصريحات مسئول بالبنك المركزى ، ثمة عوامل اخرى يمكن ان تفسر ارتفاع الدولار ، وفى مقدمتها الغاء جميع القيود على الاستيراد للسلع غير الاساسية والحد التأمينى النقدى لاستيراد الشركات الصغيرة والمتوسطة ، وكذا موسم العمرة وتزايد حجم الاستيراد خلال شهر رمضان ، بالاضافة الى تقفيل ميزانية العام المالى والتى تشهد عادة اسراع كل جهة ووزارة فى الدولة الى الاستفادة من مخصصاتها فى الميزانية، على أى حال فإن استقرار سعر الصرف لا يعنى ثباته بل مرونة فى الصعود والهبوط وفقا لاليات العرض والطلب ، وكما ذكر محافظ البنك المركزى طارق عامر «على السوق ان تتعود على ذلك» . الاموال التى خرجت من جانب الصناديق العالمية تدور حول 3 مليارات دولار ، وهو مبلغ يظل محدودا لاسيما فى ظل التطورات الايجابية فى مؤشرات الاداء الاقتصادى المصرى ، حركة السياحة فى تطور ملحوظ حيث نمت الايرادات فى الربع الاول بنحو 83.3% لتسجل 2.2 مليار دولار وسط توقعات بان تصل بنهاية العام الى نحو 9 مليارات دولار ، بعدما شهدت الايرادات السياحية ارتفاعا بنحو 123% خلال العام الماضى 2017 ، لتسجل 7.6 مليار دولار ، ثانيا ايرادات قناة السويس سجلت نموا ملحوظا فى نشاطها خلال النصف الأول من العام المالى الجارى، حيث سجلت القناة، زيادة فى الايرادات بنحو 10.8% بالمقارنة مع النصف الأول من العام السابق، لتصل الى 2 مليار و 785 مليون دولار، بالمقارنة مع 2 مليار و 514 مليون دولار خلال النصف الاول من 2016-2017، كما سجلت نموا فى ايرادات العام الماضى 2017 لتصل الى 5.7 مليار دولار ،الى جانب نمو الصادرات السلعية بنحو 15% فى الربع الاول من العام 2018 ،كما ان تحويلات المصريين بالخارج تواصل النمو المطرد حيث بلغت 17.3 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2017 بداية السنة المالية وحتى نهاية فبراير الماضى بزيادة 3.4 مليار دولار وبمعدل يفوق 24% عن نفس الفترة من العام الماضى هذا على صعيد النمو فى مصادر النقد الاجنبى وتعافى مصادر توليد العملات الاجنبية فى الاقتصاد . ثمة فارق كبير فى المقارنة بين الاقتصاد المصرى ونظيره الارجنتينى ، سواء فى مؤشرات الاداء او النظرة المستقبلية الايجابية لدى المؤسسات الدولية ودوائر المال والاستثمار ودرجة المخاطر العالمية ، كل هذه الامور تضعها الصناديق العالمية فى الاعتبار ، ولكن ما يجب الانتباه اليه واخذه فى الاعتبار قرار البنك المركزى التركى الذى قرر فى اجتماعه الاربعاء الماضى ، برفع الفائدة 300 نقطة اساس مرة واحدة لترتفع الفائدة الى 16.5% لوقف انخفاض الليرة بعد ان فقدت نحو 20% منذ بداية العام الحالى ، وهو القرار الذى وصفه المراقبين بالتحدى للرئيس التركى اردوغان الذى يسعى الى خفض الفائدة لتنشيط السوق ورفع معدل النمو ، وكلف العملة التركية اعباء ونزيف متواصل . ما يجب الاشارة اليه فى هذا الاطار هو قدرة وكفاءة البنك المركزى المصرى فى ادارة السياسة النقدية المتوازنة والرشيدة وسط التحديات الخارجية للحفاظ على جاذبية السوق المصرى لاستثمارات الصناديق العالمية فى ظل اتجاه عدد من الاسواق الناشئة لرفع الفائدة لتدعيم عملتها ،وبين الضغوط الداخلية وفى مقدمتها السيطرة على الضغوط التضخمية الناتجة عن تخفيض الدعم على الوقود والكهرباء ،ورفع الفيدرالى الامريكى الفائدة على الدولار والتى تمثل تحديا آخر .