قرار خفض اسعار الفائدة، دليل جديد على نجاح السياسة النقدية التى ينتهجها البنك المركزي، وتحقيق اهدافها فى وقت قياسي، اذ انه خلال 15 شهرا فقط، منذ تحرير سعر الصرف ذلك القرار الجرئ الذى فاجأ به المركزى بقيادة طارق عامر، دوائر المال والاستثمار المحلية والعالمية، وفى ظروف اقتصادية صعبة، نجحت السياسة النقدية فى تحقيق قفزة هائلة فى تدفقات النقد الاجنبى لتتجاوز 100 مليار دولار، كما ارتفع الاحتياطى الاجنبى ليسجل اعلى مستوى له 38.2 مليار دولار بما يكفى واردات 8 اشهر،اى نحو 3 اضعاف المعدل العالمى - الذى يصل الى تغطية واردات 3 اشهر - ناهيك عن مساهمة السياسة النقدية فى معالجة التشوهات التى ظل يعانى منها الاقتصاد المصرى عبر سنوات طويلة لاسيما تقليص عجز الميزان التجارى المزمن بنحو 10 مليارات دولار، الى جانب تنشيط مصادر النقد الاجنبى الاساسية فى الاقتصاد وفى مقدمتها رفع تنافسية قطاعى السياحة والصادرات ، وتشجيع تحويلات المصريين بالخارج لتقترب من 30 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016 وحتى نهاية ديسمبر 2017، اضافة الى القضاء على السوق الموازية للعملة وانعكاسه فى تشجيع الاستثمارات . قرار المركزى بخفض الفائدة يسهم فى تشجيع الاستثمار، لاسيما فى ظل التوقعات بالاتجاه الهبوطى للفائدة مستقبلا مدعومة بتوقعات تراجع التضخم، وقدرة السياسة النقدية على الوصول بالتضخم الى المعدل المستهدف فى نهاية 2018 عند 13 %، ثم مواصلة الاتجاه الهبوطى ليصل الى 7% فى المدى المتوسط . لم يكن قرار البنك المركزى بخفض أسعار الكريدور بمقدار 1%، فى اجتماع لجنة السياسة النقدية مساء الخميس الماضي، مفاجئا الى حد كبير، بل كثير من توقعات بنوك الاستثمار كانت ترجح هذا الامر، نتيجة للتراجع الملحوظ لمعدل التضخم، لاسيما فى يناير الماضى وللشهر السادس على التوالى ليسجل معدل السنوى للتضخم العام 17.1 % و14.35 % لمعدل التضخم الاساسى مقارنة ب 22.3% و19.86 % على التوالى فى ديسمبر السابق عليه، ونزولا من 33.0% و35.3% فى يوليو 2017 على الترتيب، كما تراجع معدل التضخم العام على اساس شهرى بنسبة 0.2% فى يناير، وكذلك التضخم الاساسى الشهرى 0.17%، فى شهر يناير الماضي، مقارنة ب0.37% فى شهر ديسمبر السابق عليه. قرار لجنة السياسة النقدية بخفض سعر الكريدور اسعار الفائدة على الايداع والخصم لليلة واحدة، بمقدار 1% ليصل الى 17.75 % على الايداع و18.75 % على الخصم، و18.25 % لسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي، جاء بناء على رصد للتأثيرات الايجابية لسياساتها النقدية وقراراتها فى إطار البرنامج المصرى للاصلاح الا قتصادي، واخذا فى الاعتبار دون شك لكافة التطورات فى مؤشرات الاداء الاقتصادي، وتحسبا للقرارات المستقبلية وانعكاساتها على السوق، وضمن حزمة السياسات الاقتصادية، وبما يسهم فى تحقيق اهدافها فى دفع معدل النمو الاقتصادى وانتعاش السوق،حيث اشار بيان اللجنة الى ارتفاع معدل النمو الاقتصادى الى 5.3% فى النصف الاول من العام المالي، وهو الاعلى منذ 2010، الى جانب تراجع البطالة لتسجل 11.3 % وهو اقل معدل لها منذ 2010، اضافة الى رفع تنافسية الاستثمار، حيث واصلت استثمارات الصناديق العالمية فى الاوراق المالية ارتفاعها لتسجل 20.2 مليار دولار، كما سجل الاستثمار الاجنبى المباشر ارتفاعه. لعل ابرز ما تتسم به السياسة النقدية التى ينتهجها البنك المركزى انها تقييدية بشكل استباقى ومؤقت من أجل احتواء الضغوط التضخمية التى واجهها الا قتصاد والتى تؤثر بشكل مباشر على المواطن، وهو ما اشاد به تقرير المراجعة الثانية لصندوق النقد الدولي، حيث ادت هذه السياسة النقدية المتشددة وفقا للصندوق الى كبح التضخم،وقد اعلن البنك المركزى فى مايو 2017 لاول مرة فى تاريخه عن معدل التضخم المستهدف وتوقيته من قبل السياسة النقدية 13% بنهاية 2018، وجاء ذلك فى ذروة معدل التضخم العام اذ تجاوز 33% وبلغ الاساسى 35.5 % ،ونشير فى هذا الصدد الى تأكيد قرار لجنة السياسة النقدية الى ان خفض أسعار العائد الاساسية بواقع 1% يتسق مع تحقيق معدلات التضخم المستهدفة واستقرار الاسعار على المدى التوسط، لاسيما وأن الانخفاض فى معدلات التضخم تسير فى الاتجاه المخطط له منذ 2016، حيث سجل المعدل السنوي للتضخم العام والاساسى ادنى مستوى له منذ اكتوبر وسبتمبر 2016 على الترتيب. وقد ساهمت السياسة النقدية عبر تحرير سعر الصرف فى تعزيز تنافسية السلع والخدمات المحلية وبالتالى ارتفاع الطلب الخارجى للناتج المحلي، وهو العامل الاساسى فى ارتفاع معدل النمو الاقتصادى مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. ويستطيع المتتبع لسياسات البنك المركزى أن يدرك مدى مساهمة ذلك فى مواجهة التبعات السلبية للسنوات العصيبة السابقة والاهم من ذلك أن الاقتصاد المصرى انطلق على الطريق الصحيح مما يبشر بمستقبل أفضل. ويبقى ان نشير الى تأكيد لجنة السياسة النقدية الى استمرار متابعتها للتطورات الاقتصادية عن كثب، وانها لن تتردد فى تعديل سياستها لتحقيق هدف استقرار الاسعار على المدى المتوسط، الامر الذى يمثل ركيزة أساسية للسياسة النقدية للحفاظ على المكتسبات المحققة والقوة الشرائية للمواطنين.