على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد، فإن المصريين تراهم يحرصون على ألا يمر الشهر الكريم حتى ينالوا منه الخير ابتغاء مرضاة الله تعالى، فتراهم يسارعون فى إقامة موائد جماعية لإفطار الصائمين، سواء فى الشوارع أو فى مقار أعمالهم او فى مؤسسات الخير أو المساجد، بالإضافة الى ما يسمى ب”شنطة رمضان” التى تصل الى الفقراء والمحتاجين عن طريق أهل الخير من الجمعيات أو الأفراد بشكل منظم. وأكد علماء الدين أن «موائد الرحمن» ثوابها عظيم عند الله تعالى للقائمين عليها، وأثرها طيب فى نفوس أفراد المجتمع، فهى من الصور الطيبة للتكافل الاجتماعي التى حث عليها الشرع الحنيف، كما أن “شنطة رمضان” يجوز إخراجها من الزكاة. ويقول الدكتور عبدالرحمن عباس سلمان، الأستاذ المساعد بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بأسيوط، إن موائد الرحمن صورة من صور التكافل الجميلة التى تؤكد أن الخير متأصل فى شعب مصر, وهى تخدم فئات كثيرة متنوعة من طبقات الشعب، الموجودة فى الشارع, فرمضان شهر الخير والجميع يحاول أن يأخذ أجرا وثوابا فيه, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم” من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء, فقال الصحابة رضى الله عنهم للرسول منا من لا يملك, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ولو على تمرة أو شربة ماء”، والناس فى رمضان تستبق إلى الخير وتقدم الطعام والشراب والكساء, فكل منا يجب أن يحس بألم الآخر واحتياجه، مشيرا الى أن من الأعمال المستحبة فى رمضان الحرص على أداء الصدقة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصدقة صدقة فى رمضان”، لما للصدقة فى رمضان من مزية وخصوصية، فعلى الجميع المبادرة إليها والحرص على أدائها ولتكن فى عدة صور منها إطعام الطعام، لقول الله تعالى: “ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا”، موضحا أن إطعام الطعام يأخذ أشكالا متنوعة، منها المتمثل فى موائد الرحمن، كما كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم». شنطة رمضان وحول حكم إخراج زكاة المال فى شكل إفطار الصائمين، أكد الشيخ خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن الشرع الشريف نوع وجوه الإنفاق فى الخير، وحض على التكافل والتعاون على البر، فشرع الزكاة كركن للدين، وحث على التبرع، وعلى هذا فإفطار الصائم، ومنه موائد الإفطار المنتشرة فى بلادنا - والتى يطلق عليها موائد الرحمن- وإن كانت مظهرا مشرقا من مظاهر الخير والتكافل بين المسلمين، لكنها لما كانت تجمع الفقيرَ والغنى فإنها لا تصح من الزكاة؛ لأن الله تعالى قد حدد مصارف الزكاة فى قوله سبحانه: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” فجعل فى صدارتها الفقراء والمساكين؛ لبيان أولويتهم فى استحقاق الزكاة. وأضاف: إن الأصل فيها كفايتهم وإقامة حياتهم ومعاشهم، ولذلك خصهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى حديث إرسال معاذ رضى الله عنه إلى اليمن” فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» متفق عليه، وعبرت الآية باللام المفيدة للملك؛ ولذلك اشترط جمهور الفقهاء فيها التمليك؛ فأوجبوا تمليكها للفقير أو المسكين حتى ينفقها فى حاجته التى هو أدرى بها من غيره، وإنما أجاز بعض العلماء إخراجها فى صورة عينية عند تحقق المصلحة بمعرفة حاجة الفقير وتلبية متطلباته. وبناءً على ذلك فيجب أن يكون الإنفاق على إفطار الصائمين الذى لا يُفرَّق فيه بين الفقراء والأغنياء إنما هو مِن وجوه الخير والتكافل الأخرى كالصدقات والتبرعات، لا من الزكاة، إلا إن اشترط صاحب المائدة ألا يأكل منها إلا الفقراء والمحتاجون وأبناء السبيل من المسلمين فحينئذ يجوز إخراجها من الزكاة، ويكون تقديم الطعام لهم حينئذ فى حكم التمليك؛ على اعتبار الإطعام فى ذلك قائما مقام التمليك، كما نقل عن الإمام أبى يوسف من الحنفية وبعض فقهاء الزيدية، أما شنط رمضان التى يتحرى فيها تسليمها للمحتاجين فهذه يجوز إخراجها من الزكاة؛ لأن التمليك متحقق فيها.