عاد الأسد الشجاع، الحاكم الرشيد، صقر ماليزيا، مهندس التنمية الذى تشبه تجربته المهاتيرية تجربة عبد الرحمن الداخل صقر قريش فى توحيد أعراق الأندلس، عاد صاحب الوجه الهادىء والذكاء الحاد والقلب الجسور الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق الطبيب الذى شخًص الداء فى بلاده منذ تولى الحكم فيها عام 1981 ووصف الدواء وجاء الشفاء بخلطة سحرية الجرعة الأكبر فيها للتمسك بتعاليم الإسلام والأخرى لاحترام قيم العمل الذى يتمسك بها اليابانيون، وقف فى وجه مؤامرات اللوبى الصهيونى الذى حاول إجهاض التجربة المتميزة عام 1997 فيما عرف وقتها بأزمة النمور الآسيوية وقال للبنك الدولى «لاأريدكم فى بلادى ولا أريد حلولكم» وخرج أقوى مما كان، يرفض الديمقراطية الغربية التى يراها مدمرة ولا تأتى فى الغالب إلا بأرذل العناصر فى الحكم، أخذ مقاليد الحكم والأعراق والثقافات المتعددة تتصارع وتمزق ماليزيا إربا فاستطاع أن يلم شعثهم ،كان صاحب تجربة فريدة، ذاتية وخاصة رغم استفادته من كوريا واليابان، كان الإنسان هو مفتاح التجربة كما قال لى «محاضر» وهو اسمه بالعربية أما مهاتير فاسمه بالماليزية، صبَ مهاتير مشروعه القومى لإنقاذ بلاده على الإنسان فغير ثقافته واهتم بتعليمه وركز تركيزا شديدا على المرأة وحسم صراع الأقليات بالثقافة وسلطة القانون معا حتى أصبح كل فرد فى هذه الدولة يحرص على تطويرها، واستطاع أن يجعل كل فرد ماليزى يشعر أن بدونه لن تكون هناك تنمية، آمن مهاتير محمد وحكومته بأن الثروة البشرية هى الأغلى بين كل الثروات وهى السياسة التى حققت أفضل النتائج فى فترة وجيزة حتى تم إنتاج السيارة الماليزية عام 1995. كنت وما زلت من أشد المعجبين بهذا القائد الذى أخلص لبلده فاحترمه العالم ولقبه برجل آسيا ورجل عام 2003 نفس العام الذى ترك فيه الحكم بإرادته وقد وصلت مدخرات ماليزيا 40 % من إجمالى الناتج المحلى بعد أن استثمر فى التعليم بأكثر من 20 % من ميزانية ماليزيا ووظفَ التعليم ليصل لمرحلة التعليم المعرفى وتحقيق رصيد هائل من رأس المال البشرى وأولى التعليم الأساسى عناية خاصة والتزم بمجانية التعليم، أحدث تحولا ديموجرافيا فى قيم المجتمع بعد تكوين قاعدة من المهارات الفنية التى تنتقل من جيل لآخر ، ونشر تعليم اللغة الإنجليزية بشكل كبير ووصل التقدم الصناعى إلى حد أن الروبوت الإنسان الآلى هو الذى يقوم بالإنتاج بينما يقف العمال لمراقبة الجودة وخروج المنتج بصورة مشرفة ،درب الموظفين والمديرين والعمال على الالتزام ببرنامج الوقت المناسب، مزج بين الرأسمالية والاشتراكية فى الاقتصاد حتى أصبحت الحكومة تكسب والعمال يكسبون والقطاع الخاص يكسب ، جعل ماليزيا تصدر 80 % مما يصنعه الماليزيون بأيديهم إلى 200 دولة فى العالم مما ساعده فى سياسته الخارجية، كان يرى دائما أن سياسة أمريكا وإسرائيل وراء تصاعد العنف وعدم الاستقرار فى العالم وأن الأمة الإسلامية يجب أن يكون لديها القوة لتدافع عن نفسها ويرى ضعف المسلمين فى أنهم يأخذون برد الفعل وأنهم بلا استراتيجية واضحة ومنقسمون على أنفسهم وأن بعض الحكومات تنظر لمصالحها من زاوية ضيقة تضر بمصالح المسلمين. فى عام 2004 أجريت معه حوارا وتنبأت له بأنه سيظل متربعا على القمة رغم خروجه من السلطة بقدر ما أخلص لوطنه وشعبه وأمته الإسلامية فابتسم لى ، وها قد صدقت النبوءة وها هو يعود بعد فوزه فى الانتخابات التشريعية التى جرت مؤخرا فى ماليزيا والتى أعادته إلى سدة الحكم وهو فى الثانية والتسعين من عمره ، بعدما أنهيت حوارى معه جلسنا للدردشة وكنت قد لاحظت عدم وجود شعرة بيضاء فى شعره «دون صبغة طبعا» فقلت له ما سر هذا الشباب؟ أيوجد السر فى زيت النخيل فضحك من قلبه ولم يجبنى، وزيت النخيل هذا هو أهم ما تنتجه ماليزيا وإن ملعقة واحدة يستخدمها فرد صينى صباح كل يوم قد حمت العصفور الماليزى من التنين الصينى القابع على حدوده كما قال لى فى إشارة إلى احتياج أكثر من مليار صينى لزيت النخيل الماليزى فى تغذيتهم.عود ٌ أحمدٌ متعك الله بالصحة والعافية لتبقى دائما طبيب ماليزيا الذى يداوى جروحها. لمزيد من مقالات ◀ سهيلة نظمى