فى مطلع الثمانينات، وعقب تولى مهاتير محمد مقاليد السلطة فى ماليزيا، كانت بلاده تعانى من فقر شديد.. وموارد محدودة تقترب من العدم.. وتطحنها الصراعات والحروب الأهلية العرقية بين مختلف قوميات الشعب الماليزى. فكان أن خطب فيهم مهاتير محمد خطبة طويلة.. صارح فيها الشعب بحقيقة وضعهم الكارثى.. وطرح حلوله للخروج من تلك الأزمة.. كان أهم تلك الحلول هو أن يبدأ مشروعاً قومياً فى البلاد لإنتاج زيت النخيل.. فقال لهم: ونحن إلى جوارنا دولة عملاقة تُسمى الصين، وهم يستهلكون يومياً آلاف الأطنان من زيت النخيل، فلو نجحنا فى أن نجعل كل مواطن صينى يتناول كل صباح ملعقة واحدة من ذلك الزيت الذى نُنتجه فى بلادنا، فسنستطيع تحقيق نهضة اقتصادية فى غضون عدة سنوات. وبالفعل بدأ مهاتير محمد فى مشروعه البسيط الذى يعتمد فيه على موارد بلاده المحدودة.. ومع الوقت نجح فى تصدير مئات الآلاف من أطنان زيت النخيل لدولة الجوار الصين.. ليبدأ مشوار النهضة الكبرى من هذه الجزئية التى تبدو ساذجة وبدائية! ولأننا لا نحب مهاتير محمد فى بلادنا لأسباب لا أعرفها.. فلا أحد يتذكر تلك القصة كثيراً!! لم يجد مهاتير محمد وقتها من يُسفّه من فكرته وينتقد تفاهتها وبساطتها.. لم نسمع ذلك الماليزى الذى يقول كيف سيصبر الشعب حتى تنمو الشتلات وتصبح نخلاً.. ثم يطرح النخل ثماراً.. ونعصرها لتصير زيتاً نُصدّره وننتظر العائد من ورائه!! لم نقرأ عن ماليزى واحد قد شهّر ببلاده فى الصحف العالمية والمواقع الغربية.. وعن قصور الرؤية لقائدهم الذى يرغب فى تحقيق نهضة لبلاده.. من بضع نخلات!! لقد آمن الشعب كله بالفكرة.. وتحمّس لها ونسى الصراعات الأزلية بين قومية الملايو والصينيين والتاميل وباقى الأعراق الأخرى.. وأخلصوا جميعاً لوطنهم حتى صارت التجربة الماليزية يتم تدريسها وعرضها، باعتبارها من أنجح تجارب النمو الاقتصادى فى العالم! الطريف أن هناك من يستشهد دوماً بمهاتير محمد تحديداً فى كل مجلس.. ويحكى كيف أنه نجح فى تحقيق التقدُّم لبلاده فى أقل من عشرين عاماً.. حتى أصبحت عملاقاً اقتصادياً وتكنولوجياً يُشار إليه بالبنان!.. دون أن يذكر أن نجاحه قد اعتمد أولاً على تصديق الشعب له.. وإيمانهم بوطنهم أولاً.. ثم إخلاصهم فى العمل من أجله! إن النهضة الاقتصادية لا تحدث بعصا سحرية.. ولا يوجد بلد قد بات فقيراً منهكاً فاستيقظ متقدماً غنياً.. الأمر يحتاج إلى الجهد والعمل المستمر.. والأهم من ذلك.. الإيمان بالوطن.. وبقدرته على النهوض! الأمر لا يتعلق بالنقد الذى يقوم على موضوعية واضحة.. والذى يهدف إلى إصلاح خطأ موجود.. فالنقد أكثر وسائل الحكم عدلاً.. والمعارضة هى ضمير النظام اليقظ.. الذى يُنبّهه فى لحظات الخطر! لكم أشعر بالضيق كلما رأيت السخرية التى تمتزج بالإحباط بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى.. فلا أحد منهم يمتلك الإرادة للعمل.. ولا أحد منهم يؤمن بقدرتنا على تخطى تلك الأزمة الاقتصادية الخانقة! ينبغى أن نتبنى رؤية واحدة.. نؤمن بها ونصدّقها.. ونعمل من أجلها.. بل نصبر عليها.. حتى نتخطى تلك الأيام العصيبة.. باتحادنا وعزيمتنا.. وإيماننا ببلادنا. إننا لقادرون.. وإنّا بإذن الله لمنتصرون!