هبوط مفاجئ فى سعر الذهب اليوم قبل خفض الفائدة الأمريكية    وزير العمل: مصر وتركيا تمتلكان مقومات لتكونا ركبتين أساسيتين للاستقرار والتنمية    برشلونة يعلن عن إصابة بيدري    منتخب الناشئين يتدرب على فترتين استعدادا للمونديال    أحكام بالحبس والغرامة تطال ميدو وأوتاكا وسوزي وراقصة الساحل    وزارة الداخلية تنفى إغلاق طرق بالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير    الصحة تكشف عن إنجازات تحققت في تمكين المرأة صحيًا واقتصاديًا    رئيس جامعة القاهرة يهنئ أساتذتها بقرار رئيس الوزراء باللجنة العليا للمسئولية الطبية    اختتام دورة تدريبية بمركز بحوث الصحراء بمطروح حول الإدارة المستدامة للمياه والتربة بمشاركة دولية    وزير العمل: الدولة لا تتهاون في تطبيق الحد الأدنى للأجور وحماية الطرفين داخل منظومة العمل    وزير خارجية الصين: مستعدون لتعزيز التعاون مع الجزائر    ليلى علوي تتصدر فعاليات مهرجان الرباط.. ندوات ومؤتمرات تحتفي بالفن والإبداع    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    السفير الفرنسي بالقاهرة يثمن جهود مصر في وقف إطلاق النار بقطاع غزة    مدبولى: حريصون على استقلال «المركزى للمحاسبات» وتمكينه من أداء مهامه    كيف أتخلص من التفكير الزائد قبل النوم؟.. أستاذ طب نفسي يُجيب    مصطفى قمر يطرح أولى أغاني ألبومه الجديد بعنوان "اللي كبرناه"| فيديو    حالة الطقس غدًا الخميس 30-10-2025 على البلاد والأيام المقبلة    وزير خارجية إستونيا: بوتين يختبر الناتو ولا نتوقع اجتياح ليتوانيا    وزيرة الخارجية الفلسطينية: نحاول توجيه البوصلة الدولية حول ما دار في مؤتمر نيويورك    تأجيل حفل افتتاح مهرجان الفضاءات غير التقليدية بأكاديمية الفنون    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    الإمام الأكبر يخاطب المفكرين والقادة الدينيين فى مؤتمر السلام العالمى بروما    مجلس الزمالك.. لقد نفد رصيدكم!    الإسكندرية تستعد ب22 شاشة عملاقة لنقل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    مؤتمر إقليمى لتفعيل مبادرة تمكين بجامعة العريش    شاشات بميادين كفر الشيخ لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    رئيس الوزراء القطري: نحاول الضغط على حماس للإقرار بضرورة نزع سلاحها    سقوط نصاب الشهادات المزيفة في القاهرة بعد الإيقاع بعشرات الضحايا    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    مدافع النصر السعودي يغيب عن لقاء الفيحاء    آرسنال يخطط للتجديد مع ساكا ليصبح الأعلى أجرًا في تاريخ النادي    خلال ساعات.. موعد إلغاء التوقيت الصيفي 2025 في مصر وتأخير الساعة 60 دقيقة    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا في بحر شبين بالمحلة    «الخطيب أخي وأوفينا بما وعدنا به».. خالد مرتجي يزف بشرى لجماهير الأهلي    تعديل موعد مباراة برشلونة وأتلتيكو في الدوري الإسباني    محافظ الدقهلية يتابع من مركز سيطرة الشبكة الوطنية محاكاة التعامل مع مياه الأمطار وحركة المواقف ومستوى النظافة    محافظ شمال سيناء يستقبل عدداً من مواطني إزالات ميناء العريش    مصر تشارك في اجتماع مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي في أديس أبابا    «نرعاك في مصر» خدم أكثر من 24 ألف مريض من 97 دولةً بإيرادات تجاوزت 405 ملايين دولار    كليتى العلوم وتكنولوجيا التعليم ببنى سويف يحصلان على جائزة مصر للتميز الحكومى    بعد تداول فيديو.. القبض على متهم بسرقة هاتف فتاة في الإسماعيلية    ب4 آلاف جنيه.. فيلم درويش يتذيل قائمة المنافسة على شباك التذاكر    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء عودتها من الحضانة فى البدرشين    حبس المتهم بقتل شاب بسبب معاكسة الفتيات ببنها في القليوبية    "أتوبيس الفن الجميل" يصطحب الأطفال في جولة تثقيفية داخل متحف جاير أندرسون    بينها «طبق الإخلاص» و«حلوى صانع السلام» مزينة بالذهب.. ماذا تناول ترامب في كوريا الجنوبية؟    دون إبداء أسباب.. السودان يطرد مسؤولين من برنامج الأغذية العالمي    النقل تعلن مواعيد تشغيل المترو والقطار الكهربائي الخفيف بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025    "ADI Finance" توقع اتفاقية تمويل إسلامي بين البنك الأهلي لدعم أنشطة التأجير والتمويل العقاري    سفيرة قبرص لدى مصر: المتحف الكبير.. الهرم العظيم الجديد لعصرنا الحديث    أسقفا الكنيسة الأنجليكانية يزوران قبرص لتعزيز التعاون الإنساني والحوار بين الكنائس    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية «الإنتوساي» ل3 سنوات (تفاصيل)    الكشف عن حكام مباريات الجولة ال 11 بدوري المحترفين المصري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعالوا نقلب معا صفحات كتاب فى حب مصر..
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 05 - 2018

من منا لايحب مصر..؟ بلدى وموطنى وزادى وزوادى ودارى التى تحتضن آمالى وأحلامي.. وشمسى التى منحتنى سمارى وعمارى وقمرى.. وفرحى وسعدى.. ونيلى زارع الخير والحب والدفء والشبع فى الدور والصدور..
مازلت أذكر ذلك المذياع الخشبى الذى يشبه باب الجامع والمعلق فوق الرف بعيدا عن الأيدى فى غرفة الجلوس فى منزلنا فى شبين الكوم أيام الزمن الجميل.. والذى يجمعنا كل مساء على الحب والألفة والود والغناوى التى تصعد بأمانينا وأحلامنا إلى السماء السابعة.. بأصوات أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وأسمهان وليلى مراد.. أجمل الأصوات فى سمع الزمن الجميل الذى حمل عزاله ورحل إلى عالم لا نعرفه وأناس لم نحظ بلقياهم..

أيامها سمعنا وطربنا وسعدنا بأشعار شاعر النيل حافظ ابراهيم وشدو أم كلثوم ولحن رياض السنباطى وقصيده اسمها: مصر تتحدث عن نفسها.. ماذا قالت مصر ياتري؟
لقد قالت بصوت أم كلثوم:
أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق
ودراته فرائد عقدي
أنا إن قدر الاله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
ما رمانى رام وراح سليما
من قديم عناية الله جندي
كم بغت دولة عليّ وجارت
ثم زالت وتلك عقبى التعدي
إننى حرة كسرت قيودي
رغم أنف العدا وحطمت قدي
وهذه الأغنيات الوطنية والأناشيد كما يقول المؤرخ الموسيقى مصطفى عبدالرحمن الموسيقار ما كانت تكاد تبصر النور حتى يحاول الحكام ومن ورائهم الانجليز وصولها إلى الأسماع لخوفهم من سلاحها البتار الذى كم أقض مضاجعهم كما حدث فى ثورة 1935 حينما اعتقلوا الموسيقار «مدحت عاصم»، وعطلوا أناشيده ونشيد أحمد خيرت الذى يحرض على الثورة والذى تقول كلماته:
بنى النيل هبو وكونوا يدا... وردوا عن النيل كيد العدا
وكثير من الأناشيد الثائرة أيها السادة كانت الشرارة التى أيقظت النائمين وأججت الشعور الوطنى قبل ثورة 1952التى حولت الوطن العرربى كله إلى ثورة عارمة ضد الحكام والمحتلين..
وانطلقت الأغنية الوطنية لنردد كلنا مع أم كلثوم أشعار أحمد رامى وألحان السنباطي:
مصر التى فى خاطرى وفى فمي
أحبها من كل روحى ودمي
أحبها للموقف الجليل
من شعبها وجيشها النبيل
دعا إلى حق الحياة
لكل من فى أرضها
وثار فى وجه الطغاة
مناديا بحقها
وقال فى تاريخه المجيد
يا دولة الظلم امحى وبيدي
وهنا بدأ العصر الذهبى للأغنية الثورية، فقد كانت هذه الفترة ألمع فترة فى تاريخ الأغنية الوطنية، ولأول مرة فى تاريخنا تطغى الأغنية الوطنية على الأغنية العاطفية، ويترقب طلبها الجمهور الذى كان لايطرب ولا يهتز إلا للون العاطفى من الأغاني.
ولأول مرة كما قلت فى كتابي: أيام فى القلب نرى الجماهير تلتهب أكفها بالتصفيق لعبدالحليم حافظ الذى عاش فى أسماعنا منذ بدء الثورة حاملا لنا وقود ثورة مستعيدة ألحان الفنان الكبير كمال الطويل وكلمات صلاح جاهين:
قلنا حانبنى وادينا بنينا السد العالي
يااستعمار بنيناه بإيدينا.. السد العالي..
من أموالنا.. بإيد عمالنا..
هى الكلمة وادى إحنا بنينا..
إخوانى تسمعوا الحكاية..
بس قولها من البداية..
هى حكاية شعب للزحف المقدس قام وثار..
شعب زاحف خطوته تولع شرار..
شعب كافح واتكتب له الانتصار..
ومن بعدها نظم صلاح جاهين ولحن الطويل وغنى عبدالحليم وغنت معهم مصر كلها:
بالأحضان يابلادنا ياحلوة.. بالأحضان..
وهنا نتوقف لنسجل أن الأغنية الوطنية قد استطاعت أن تجتذب قلوب الملايين من أبناء الوطن العربى كله وأن تشعلهم حماسة متقدة.
واستطاعت أم كلثوم ونجاة وشادية وفايزة وصباح من المطربات، وعبدالوهاب والطويل والأطرش والموجى والسنباطى والشريف وبليغ وصدقى وعبدالحق من الملحنين. وأحمد رامى ومحمود حسن إسماعيل ومرسى جميل عزيز وحسين السيد وفتحى قورة وصلاح جاهين وعبدالفتاح مصطفى وأحمد شفيق كامل واسماعيل الحبروك من المؤلفين.. الذين أسهموا فى ترجمة مشاعر أبناء هذا الوطن إلى كلمات وأنغام وأن يقطعوا شوطا بعيدا .
والأناشيد فى هذه الفترة التى يختلط فيها السيف بغصن الزيتون علينا ألا ننسى هنا ماجاء بصحيفة الهيرالد تريبيون الأمريكية أيامها من أن أم كلثوم وعبدالوهاب سلاحان من أخطر أسلحة عبدالناصر.
نعم لقد كانت الأغنية الوطنية من أخطر أسلحة الكفاح، فقد اجتازت الحدود وضربت فى قلب العدو، وأرقت مضاجع الملوك والحكام الذين خرجوا على إرادة الشعوب العربية..
حلو الكلام؟
مازلنا مع حديث الأغنية وحب الوطن.. وكما قلت فى كتابي: أيام فى القلب:
فجاء فى ظلام ليلة 31 من أكتوبر سنة 1956تحرك الاستعمار ليصب نار قنابله علينا، وضربت أساطيل إنجلترا وفرنسا وعميلتهما اسرائيل بورسعيد الباسلة فهبت الأغنية الوطنية مع الجيش والشعب لتحارب من أجل حقنا فى الحياة.. وغنى الشعب مع نجاح سلام: أنا النيل مقبرة للغزاة
وغنى الشعب مع فايدة كامل:
دع سمائى فسمائى محرقة.. وهذه أرضى أنا.. وأبى ضحى هنا..
وغنت مصر يومها مع أم كلثوم:
والله زمان ياسلاحى اشتقت لك فى كفاحي.. انطق وقول أنا صاحي.. ياحرب والله زمان..
وانطلقت صواعق تقذف بالحمم وهى تدوى بنشيد:
الله أكبر فوق كيد المعتدي.. لمحمود الشريف الذى أصبح نشيد مصر القومى قبل ظهور نشيد بلادى بلادي..
ولم تسكت الأغنية حتى انطلقت صيحة النصر فى الثالث والعشرين من ديسمبر سنة 1957 فرحنا نغنى كلنا بأعذب الألحان والأناشيد.. لمدينة السلام.. مدينة الرجال.. مدينة بورسعيد.. مع مأمون الشناوى وعبدالوهاب وعبدالحليم:
إنى ملكت فى يدى زمامي.. وانتصر الحق على الظلام.. وغردت حمامة السلام..
تصفيق حاد منى أنا هذه المرة.. ومن كل من يقرأ هذا الكلام!
ولكن أين نحن الآن من هذا الحشد الجماعى للشعب المصرى حول أغنية يتبارى فيها أساطين النغم والشعر والتلحين والغناء؟
أين نحن من نشيد الوطن الأكبر الذى كان يغنيه: عبدالحليم + صباح + فايدة كامل + شادية + نجاة الصغيرة + وردة الجزائرية: والذى لحنه محمد عبدالوهاب وكتب كلماته أحمد شفيق كامل:
وطنى حبيبى الوطن الأكبر.. يوم ورا يوم أمجاده بتكبر.. وانتصاراته مليا حياته.. وطنى بيكبر وبيتحرر..
أين نحن الآن من كلمات الشاعر محمود حسن إسماعيل وألحان رياض السنباطى وشدو نجاح سلام:
أنا النيل مقبرة للغزاة..
أنا الشعب نارى تبيد الطغاة..
ونزحف للنصر..
وأين نحن الآن من كلمات صلاح جاهين وصوت عبدالحليم حافظ:
بالأحضان ياحبيبتى يا أمي.
يابلادى ياغنيوة فى دمي..
على صدرك أرتاح من همى وبأمرك أشعلها نيران
بالأحضان يامصانع يامزارع
بالأحضان ياجناين يامداين..
بالأحضان ياللى انت بترفع راية السلم..
القاعدة أيها السادة.. أن تحب مصر.. هكذا تعلمنا، وهكذا عشنا.. لم نقرأه فى صفحة الإرشادات فى كراسات ولكننا ولدنا وخلقنا كى نحب مصر..!
ولكن الذى جرى ايها السادة والذى حصل.. أننا لم نعد نحب مصر أمنا.. كما كان المصرى قبل الزمان بزمان.. كان يحبها ويعشقها ويهيم بها عشقا وغراما..
وإذا لم تصدقوني.. تعالوا نقرأ ما كتبه المصرى أيام أن كان يصفونه فى كتاب التاريخ: انه صانع الحضارة حبا وتيمنا وتدلها وغراما عن تراب مصر ونيل مصر وشمس مصر:
أيها النيل أنت شريان قلوبنا..
أنت واهب الحياة لسنابل الحنطة فى الحقول..
أنت راسم الفرحة على وجه الطفل الصغير..
ياعازف الناى تحت شجرة التوت..
غن لنا موالا فى حب النيل والنخيل..
مصر هى أمي.. هى ضرعى وزرعي..
ومن يغضب أمى أو يمسسها بسوء فالويل له..
وبعد خمسين قرنا من الزمان.. تغير المصرى وتبدل حاله ومنواله.. أصبح أكثر جحودا ونكرانا للجميل..
ما الذى غيره..؟ ما الذى بدله..؟
هذه دعوة كى يعود المصرى إلى أحضان أمه مصر.. فهى فى انتظاره فى شوق ولهفة لعودة الابن الغائب.. ولا نقول الابن الضال!
آخر أغنية ترددت فى سمعنا وقلبنا فى حب مصر.. وتكاد تكون نسخة حديثة من أغنية سنوحى على شاطئ النيل قبل أربعين قرنا.. من الزمان.. غنتها الفنانة القديرة شادية قبل نحو أربعين عاما وتقول كلماتها التى كتبها العزيز الغالى مصطفى الضمراني:
مصر هى أمي.. نيلها هو دمي..
شمسها فى سماري.. شكلها فى ملامحي..
حتى لونى قمحي.. لون خيرك يامصر..
ما الذى تغير؟
الوطن أم الإنسان؟
مصر أم المصري؟
وجوابي: لم يتغير شئ..
المصرى هو المصري.. طال الزمان أو قصر.. ومن عنده كلام آخر فليتفضل! {
ولكن الذى جرى أيها السادة والذى حصل.. أننا لم نعد نحب مصر أمنا.. كما كان المصرى قبل الزمان بزمان.. يحبها ويعشقها ويهيم بها عشقا وغراما..
تعالوا نقلب معا صفحات كتاب فى حب مصر..

عزت السعدني
Email:[email protected]
H من منا لايحب مصر..؟ بلدى وموطنى وزادى وزوادى ودارى التى تحتضن آمالى وأحلامي.. وشمسى التى منحتنى سمارى وعمارى وقمرى.. وفرحى وسعدى.. ونيلى زارع الخير والحب والدفء والشبع فى الدور والصدور..
مازلت أذكر ذلك المذياع الخشبى الذى يشبه باب الجامع والمعلق فوق الرف بعيدا عن الأيدى فى غرفة الجلوس فى منزلنا فى شبين الكوم أيام الزمن الجميل.. والذى يجمعنا كل مساء على الحب والألفة والود والغناوى التى تصعد بأمانينا وأحلامنا إلى السماء السابعة.. بأصوات أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وأسمهان وليلى مراد.. أجمل الأصوات فى سمع الزمن الجميل الذى حمل عزاله ورحل إلى عالم لا نعرفه وأناس لم نحظ بلقياهم..

أيامها سمعنا وطربنا وسعدنا بأشعار شاعر النيل حافظ ابراهيم وشدو أم كلثوم ولحن رياض السنباطى وقصيده اسمها: مصر تتحدث عن نفسها.. ماذا قالت مصر ياتري؟
لقد قالت بصوت أم كلثوم:
أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق
ودراته فرائد عقدي
أنا إن قدر الاله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
ما رمانى رام وراح سليما
من قديم عناية الله جندي
كم بغت دولة عليّ وجارت
ثم زالت وتلك عقبى التعدي
إننى حرة كسرت قيودي
رغم أنف العدا وحطمت قدي
وهذه الأغنيات الوطنية والأناشيد كما يقول المؤرخ الموسيقى مصطفى عبدالرحمن الموسيقار ما كانت تكاد تبصر النور حتى يحاول الحكام ومن ورائهم الانجليز وصولها إلى الأسماع لخوفهم من سلاحها البتار الذى كم أقض مضاجعهم كما حدث فى ثورة 1935 حينما اعتقلوا الموسيقار «مدحت عاصم»، وعطلوا أناشيده ونشيد أحمد خيرت الذى يحرض على الثورة والذى تقول كلماته:
بنى النيل هبو وكونوا يدا... وردوا عن النيل كيد العدا
وكثير من الأناشيد الثائرة أيها السادة كانت الشرارة التى أيقظت النائمين وأججت الشعور الوطنى قبل ثورة 1952التى حولت الوطن العرربى كله إلى ثورة عارمة ضد الحكام والمحتلين..
وانطلقت الأغنية الوطنية لنردد كلنا مع أم كلثوم أشعار أحمد رامى وألحان السنباطي:
مصر التى فى خاطرى وفى فمي
أحبها من كل روحى ودمي
أحبها للموقف الجليل
من شعبها وجيشها النبيل
دعا إلى حق الحياة
لكل من فى أرضها
وثار فى وجه الطغاة
مناديا بحقها
وقال فى تاريخه المجيد
يا دولة الظلم امحى وبيدي
وهنا بدأ العصر الذهبى للأغنية الثورية، فقد كانت هذه الفترة ألمع فترة فى تاريخ الأغنية الوطنية، ولأول مرة فى تاريخنا تطغى الأغنية الوطنية على الأغنية العاطفية، ويترقب طلبها الجمهور الذى كان لايطرب ولا يهتز إلا للون العاطفى من الأغاني.
ولأول مرة كما قلت فى كتابي: أيام فى القلب نرى الجماهير تلتهب أكفها بالتصفيق لعبدالحليم حافظ الذى عاش فى أسماعنا منذ بدء الثورة حاملا لنا وقود ثورة مستعيدة ألحان الفنان الكبير كمال الطويل وكلمات صلاح جاهين:
قلنا حانبنى وادينا بنينا السد العالي
يااستعمار بنيناه بإيدينا.. السد العالي..
من أموالنا.. بإيد عمالنا..
هى الكلمة وادى إحنا بنينا..
إخوانى تسمعوا الحكاية..
بس قولها من البداية..
هى حكاية شعب للزحف المقدس قام وثار..
شعب زاحف خطوته تولع شرار..
شعب كافح واتكتب له الانتصار..
ومن بعدها نظم صلاح جاهين ولحن الطويل وغنى عبدالحليم وغنت معهم مصر كلها:
بالأحضان يابلادنا ياحلوة.. بالأحضان..
وهنا نتوقف لنسجل أن الأغنية الوطنية قد استطاعت أن تجتذب قلوب الملايين من أبناء الوطن العربى كله وأن تشعلهم حماسة متقدة.
واستطاعت أم كلثوم ونجاة وشادية وفايزة وصباح من المطربات، وعبدالوهاب والطويل والأطرش والموجى والسنباطى والشريف وبليغ وصدقى وعبدالحق من الملحنين. وأحمد رامى ومحمود حسن إسماعيل ومرسى جميل عزيز وحسين السيد وفتحى قورة وصلاح جاهين وعبدالفتاح مصطفى وأحمد شفيق كامل واسماعيل الحبروك من المؤلفين.. الذين أسهموا فى ترجمة مشاعر أبناء هذا الوطن إلى كلمات وأنغام وأن يقطعوا شوطا بعيدا .
والأناشيد فى هذه الفترة التى يختلط فيها السيف بغصن الزيتون علينا ألا ننسى هنا ماجاء بصحيفة الهيرالد تريبيون الأمريكية أيامها من أن أم كلثوم وعبدالوهاب سلاحان من أخطر أسلحة عبدالناصر.
نعم لقد كانت الأغنية الوطنية من أخطر أسلحة الكفاح، فقد اجتازت الحدود وضربت فى قلب العدو، وأرقت مضاجع الملوك والحكام الذين خرجوا على إرادة الشعوب العربية..
حلو الكلام؟
مازلنا مع حديث الأغنية وحب الوطن.. وكما قلت فى كتابي: أيام فى القلب:
فجاء فى ظلام ليلة 31 من أكتوبر سنة 1956تحرك الاستعمار ليصب نار قنابله علينا، وضربت أساطيل إنجلترا وفرنسا وعميلتهما اسرائيل بورسعيد الباسلة فهبت الأغنية الوطنية مع الجيش والشعب لتحارب من أجل حقنا فى الحياة.. وغنى الشعب مع نجاح سلام: أنا النيل مقبرة للغزاة
وغنى الشعب مع فايدة كامل:
دع سمائى فسمائى محرقة.. وهذه أرضى أنا.. وأبى ضحى هنا..
وغنت مصر يومها مع أم كلثوم:
والله زمان ياسلاحى اشتقت لك فى كفاحي.. انطق وقول أنا صاحي.. ياحرب والله زمان..
وانطلقت صواعق تقذف بالحمم وهى تدوى بنشيد:
الله أكبر فوق كيد المعتدي.. لمحمود الشريف الذى أصبح نشيد مصر القومى قبل ظهور نشيد بلادى بلادي..
ولم تسكت الأغنية حتى انطلقت صيحة النصر فى الثالث والعشرين من ديسمبر سنة 1957 فرحنا نغنى كلنا بأعذب الألحان والأناشيد.. لمدينة السلام.. مدينة الرجال.. مدينة بورسعيد.. مع مأمون الشناوى وعبدالوهاب وعبدالحليم:
إنى ملكت فى يدى زمامي.. وانتصر الحق على الظلام.. وغردت حمامة السلام..
تصفيق حاد منى أنا هذه المرة.. ومن كل من يقرأ هذا الكلام!
ولكن أين نحن الآن من هذا الحشد الجماعى للشعب المصرى حول أغنية يتبارى فيها أساطين النغم والشعر والتلحين والغناء؟
أين نحن من نشيد الوطن الأكبر الذى كان يغنيه: عبدالحليم + صباح + فايدة كامل + شادية + نجاة الصغيرة + وردة الجزائرية: والذى لحنه محمد عبدالوهاب وكتب كلماته أحمد شفيق كامل:
وطنى حبيبى الوطن الأكبر.. يوم ورا يوم أمجاده بتكبر.. وانتصاراته مليا حياته.. وطنى بيكبر وبيتحرر..
أين نحن الآن من كلمات الشاعر محمود حسن إسماعيل وألحان رياض السنباطى وشدو نجاح سلام:
أنا النيل مقبرة للغزاة..
أنا الشعب نارى تبيد الطغاة..
ونزحف للنصر..
وأين نحن الآن من كلمات صلاح جاهين وصوت عبدالحليم حافظ:
بالأحضان ياحبيبتى يا أمي.
يابلادى ياغنيوة فى دمي..
على صدرك أرتاح من همى وبأمرك أشعلها نيران
بالأحضان يامصانع يامزارع
بالأحضان ياجناين يامداين..
بالأحضان ياللى انت بترفع راية السلم..
القاعدة أيها السادة.. أن تحب مصر.. هكذا تعلمنا، وهكذا عشنا.. لم نقرأه فى صفحة الإرشادات فى كراسات ولكننا ولدنا وخلقنا كى نحب مصر..!
ولكن الذى جرى ايها السادة والذى حصل.. أننا لم نعد نحب مصر أمنا.. كما كان المصرى قبل الزمان بزمان.. كان يحبها ويعشقها ويهيم بها عشقا وغراما..
وإذا لم تصدقوني.. تعالوا نقرأ ما كتبه المصرى أيام أن كان يصفونه فى كتاب التاريخ: انه صانع الحضارة حبا وتيمنا وتدلها وغراما عن تراب مصر ونيل مصر وشمس مصر:
أيها النيل أنت شريان قلوبنا..
أنت واهب الحياة لسنابل الحنطة فى الحقول..
أنت راسم الفرحة على وجه الطفل الصغير..
ياعازف الناى تحت شجرة التوت..
غن لنا موالا فى حب النيل والنخيل..
مصر هى أمي.. هى ضرعى وزرعي..
ومن يغضب أمى أو يمسسها بسوء فالويل له..
وبعد خمسين قرنا من الزمان.. تغير المصرى وتبدل حاله ومنواله.. أصبح أكثر جحودا ونكرانا للجميل..
ما الذى غيره..؟ ما الذى بدله..؟
هذه دعوة كى يعود المصرى إلى أحضان أمه مصر.. فهى فى انتظاره فى شوق ولهفة لعودة الابن الغائب.. ولا نقول الابن الضال!
آخر أغنية ترددت فى سمعنا وقلبنا فى حب مصر.. وتكاد تكون نسخة حديثة من أغنية سنوحى على شاطئ النيل قبل أربعين قرنا.. من الزمان.. غنتها الفنانة القديرة شادية قبل نحو أربعين عاما وتقول كلماتها التى كتبها العزيز الغالى مصطفى الضمراني:
مصر هى أمي.. نيلها هو دمي..
شمسها فى سماري.. شكلها فى ملامحي..
حتى لونى قمحي.. لون خيرك يامصر..
ما الذى تغير؟
الوطن أم الإنسان؟
مصر أم المصري؟
وجوابي: لم يتغير شئ..
المصرى هو المصري.. طال الزمان أو قصر.. ومن عنده كلام آخر فليتفضل! {
ولكن الذى جرى أيها السادة والذى حصل.. أننا لم نعد نحب مصر أمنا.. كما كان المصرى قبل الزمان بزمان.. يحبها ويعشقها ويهيم بها عشقا وغراما..

Email:[email protected]

لمزيد من مقالات عزت السعدني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.