من الأسباب الحقيقية التى جعلت أم كلثوم تتربع على عرش الأغنية فى مصر والوطن العربى ومنحها كبار الكتاب والنقاد لقب كوكب الشرق وسيدة الغناء العربى احتضانها لقصيدة الفصحى التى انتشرت بين كبار الشعراء فى هذا الوقت وقراءاتها المتعددة للمجلات الثقافية والأدبية المتخصصة فى اللغة العربية الرفيعة وكان يتولى رئاسة تحريرها كبار الأدباء والكتاب أمثال سلامة موسى وأحمد حسن الزيات وأحمد الصاوى محمد وطه حسين وغيرهم فرأت أم كلثوم أن تهتم بقصائد الفصحى لتواكب هذه النهضة العظيمة فى اللغة العربية فبادرت باختيار عديد من قصائد أمير الشعراء أحمد شوقى «حوالى عشر قصائد» نذكر منها «ولد الهدى فالكائنات ضياء.. وريم على القاع.. وسلوا قلبى.. ومن أى عهد فى القرى تتدفق من قصيدته عن النيل وقصيدته الرائعة عن الحج» إلى عرفات الله يا خير زائر.. عليك سلام الله فى عرفات.. ويارب هل تغنى عن العبد حجة.. وفى العمر ما فيه من الهفوات «ولم يتوقف احتضانها للفصحى عند أمير الشعراء فقط بل تغنت بأجمل ما كتبه شاعر النيل حافظ ابراهيم عن مصر» وقف الخلق ينظرون جميعاً.. كيف أبنى قواعد المجد وحدى.. إلى أن نصل إلى البيت الشهير أنا إن قدر الإله مماتى لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى «كما تغنت برائعة كامل الشناوى» على باب مصر تدق الأكف ويعلو الضجيج.. رياح تثور.. جبال تدور.. بحار تهيج.. أمعجزة بلا أنبياء.. أدورة أرض بغير فضاء.. أنا الشعب لا أعرف المستحيلا ولا أرتضى للخلود بديلا»، ولم يقف اهتمام أم كلثوم عند الشاعرين الكبيرين شوقى وحافظ فغنت أيضاً لرفيق مشوارها شاعر الشباب أحمد رامى قصائد عديدة بالفصحى نذكر منها «أقبل الليل ونادانى حنينى.. ومصر التى فى خاطرى وفى فمى.. أحبها من كل روح ودمى «وغنت أيضاً لإبراهيم ناجى قصيدته الشهيرة «الأطلال» وأيضاً «أجل ان ذا يوم لمن يفتدى مصر.. فمصر هى المحراب والجنة الكبرى.. سلاما ً شباب النيل فى كل موقف .. على الدهر يجنى المجد أو يجلب الفخرا»، كما اتجهت أم كلثوم إلى كبار الشعراء العرب فغنت للشاعر الكبير الأمير عبدالله الفيصل رائعته «من أجل عينيك عشقت الهوا.. بعد زمان كنت فيه الخلى.. وأصبحت عينى بعد الكرى.. تقول للتسهيد لا ترحلى «وغنت له أيضاً قصيدته الشهيرة ثورة الشك» أكاد أشك فى نفسى لأنى.. أكاد أشك فيك وأنت منى.. يقول الناس أنك خنت عهدى.. ولم تحفظ هواى ولم تصنى» إلى أن نصل إلى قوله « وما أنا بالمصدق فيك قولاً.. ولكنى شقيت بحسن ظنى.. أجبنى إذ سألتك هل صحيح.. حديث الناس خنت؟ ألم تخنى»، واتجهت أيضاً أم كلثوم إلى الشاعر الكبير جورج جرداق وغنت له « هذه ليلتى وحلم حياتى.. بين ماض من الزمان وآت..الهوى أنت كله والأمانى.. فاملأ الكأس بالغرام وهات.. بعد حين يبدل الحب دارا.. والعصافير تهجر الأوكارا.. وديارا كانت قديما ديارا.. سترانا كما نراها قفارا «كما غنت لشاعر السودان الكبير الهادى آدم» أغدا ً ألقاك.. يا خوف فؤادى من غد «وغيرهم من الشعراء الكبار فى كافة الأقطار العربية، ليكون سؤالنا الآن هل ماتت قصيدة الفصحى بعد رحيل سيدة الغناء العربي؟ فإذا كانت الأجيال التى جاءت بعدها اتجهت إلى العامية بعد إهمال اللغة العربية فى مراحل التعليم المختلفة، فالأمل معقود فى الأوبرا المصرية لكونها تملك طاقات خلاقة ومبدعة من المطربين والمطربات الواعدين المتحمسين للغناء بالفصحى ويغنون باقتدار لأم كلثوم وغيرها من الممكن أن يفاجئونا بإحياء قصيدة الفصحى من جديد بعد رحيل أقطابها. لمزيد من مقالات مصطفى الضمرانى;