كنت أتابع باهتمام شاعرنا العبقرى كامل الشناوى خاصة قصيدته الرائعة التى كتبها متأثراً بثورة 23 يوليو وزعيمها جمال عبد الناصر على باب مصر التى يقول مطلعها «على باب مصر تدق الأكف .. ويعلو الضجيج .. جبال تدور .. رياح تثور .. بحار تهيج .. وكل تساءل فى لهفةٍ .. أمعجزة بلا أنبياء .. أدورة أرض بغير فضاء .. أنا الشعب أنا الشعب .. لا أعرف المستحيلا .. ولا أرتضى للخلود بديلا» فقد ولد كامل الشناوى فى 7 ديسمبر 1908 فى «نوسا البحر» مركز أجا – محافظة الدقهلية وعمل بالصحافة مع د.طه حسين فى جريدة الوادى عام 1930 وجاء ميلاده عقب وفاة الزعيم الوطنى مصطفى كامل فسماه والده الشيخ سيد الشناوى رئيس المحكمة الشرعية (مصطفى كامل) تيمنا ً بالزعيم وكفاحه الوطنى وهو ما عرفته من صديقى الشاعر الكبير مأمون الشناوى الأخ الشقيق له، وكنت أعتبره من أفضل شعراء جيله وتربطنى به علاقة وثيقة لدرجة أنه عند إنشاء إحدى شركات القطاع الخاص لإنتاج الأغنية اختارته الشركة مستشار ً لها لخبرته الطويلة فى هذا المجال وكلفنى بكتابة أغنيتين جديدتين باكورة إنتاج هذه الشركة الوليدة، الأولى للفنانة القديرة شادية «لو القلوب ياحبيبى ارتاحوا .. كان يجرى إيه ».. وكانت الأغنية الثانية للفنان فهد بلان «ركبنا على الحصان نتفسح سوى .» واللتان لحنهما الموسيقار خالد الأمير الذى كانت تربطه علاقة طيبة بمأمون الشناوى .. وأعود لشاعرنا الكبير كامل الشناوى الذى كتب كل أشعارا تغنت بها أم كلثوم وكبار النجوم باللغة العربية الفصحى لأنه كان يرى أن قصيدة الفصحى أكثر استقراراً واستمراراً من الأغانى والقصائد المكتوبة بالعامية الراقية وأكبر شاهد على ذلك قصائد أمير الشعراء أحمد شوقى التى لحنها السنباطى لأم كلثوم مثل «ولد الهدى» وقصيدته «إلى عرفات الله ياخير زائر» التى غنتها بمناسبة وقفة عرفات وكذلك قصائد غيره من الشعراء المكتوبة بالفصحى ومنها رائعة شاعر النيل حافظ إبراهيم «وقف الخلق ينظرون جميعا ً كيف أبنى قواعد المجد وحدى .. ألحان السنباطى وغناء أم كلثوم وتعتبر التتر الشهير الذى يستعين بها التليفزيون ويعبر بكل صدق عن الإنجازات التى تحققت بعد ثورة 30 يونيو وكذلك رائعة إبراهيم ناجى العاطفية «الأطلال» لأم كلثوم والسنباطى أيضاً وغيرها من القصائد التى لا يمكن حصرها، وتطالعنا الإذاعة والتليفزيون بتقديمها فى المناسبات الوطنية والاجتماعية، وقد تميز الشاعر الكبير كامل الشناوى بقدرته الفائقة على صياغة أغانيه وقصائده بالعربية الفصحى واستطاع أن يجمع فى رائعته على باب مصر العمالقة الثلاثة هو وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وسيدة الغناء العربى أم كلثوم، ومن روائعه الشعرية التى نذكرها له دائما ً « لست قلبى» و «لا تكذبى» وغيرها من القصائد التى تغنى بها عبد الحليم والفنانة الكبيرة نجاة وفريد الأطرش وغيرهم، ولو كان كامل الشناوى قد أمد الله فى عمره لقدم لنا الكثير والكثير وتفوق على كل شعراء جيله بلا استثناء من شعراء العصر الذهبى للغناء والذى سيظل يعيش فى وجداننا لعشرات السنين، أما قصيدته التى لن ننساها كواحدة من أبدع ما كتب الشناوى «لا تكذبى .. إنى رأيتكما معا ً.. ودعى البكاء فقد كرهت الأدمعا .. ما أهون الدمع الجسور إذا جرى .. من عين كاذبة فأنكر وادعى .. عيناك فى عينيه .. فى شفتيه .. فى كفيه .. فى قدميه .. ويداك ضارعتان .. ترتعشان من لهف عليه» إلى أن يصل إلى قمة إبداعه الشعرى فى المقطع الذى يقول «ماذا أقول لأدمع سفحتها أشواقى إليك .. ماذا أقول لأضلع مزقتها خوفا ً عليك .. أأقول هانت .. أأقول خانت .. لو قلتها أشفى غليلى .. ياوليتى .. لا أقول أنا فقولى». هذه القصائد والأغنيات التى كتبها جيل الرواد من الشعراء الكبار وأساطين الموسيقى وتغنى بها كبار النجوم هى التى تعيش فى وجداننا حتى الآن وتعتمد عليها الإذاعة والتليفزيون كأفضل ما أبدع هذا الجيل العظيم خاصة الأغانى والقصائد الوطنية التى تم إنتاجها من نحو ستين عاماً منذ ثورة يوليو 1952 والعدوان الثلاثى 1956 وحرب الاستنزاف إلى أن نصل إلى عبور أكتوبر 1973 كأكبر انتصار حققه الجيش المصرى فى تاريخ العسكرية المصرية فقد ثبت بالقطع أن هذه القصائد والأغنيات تخاطب كل هذه المناسبات التى يمر بها الوطن.