تضمن بيان الموازنة العامة للدولة عام 2018/2019 أرقاما طموحة فيما يتعلق بأهداف الحكومة خاصة الوصول بمعدل التضخم إلى 10% خلال العام الجديد ورفع نسبة الاحتياطى من النقد الأجنبى إلى أكثر من 6 شهور من الواردات وتحقيق معدل نمو يبلغ 5.8% وخفض معدل البطالة لأقل من 11% وخفض العجز الكلى إلى 8.4% من الناتج المحلي... ورغم حالة التفاؤل التى بثها البيان فى المحيط الاقتصادى العام إلا أن الأكثر أهمية كان إعلان رئيس الوزراء عن اتجاه الحكومة إلى العمل بالتعاون مع مجلس النواب على إقرار حزمة من التشريعات والإجراءات التى تستهدف توسيع وتقوية مظلة الحماية الاجتماعية للفئات المحدودة والأقل دخلاً خاصة مع اقتراب تطبيق المرحلة التالية من إجراءات الإصلاح الاقتصادى فى يوليو القادم... فهذا الإعلان وان كان الغرض الأساسى منه هو بث الطمأنينة خاصة لمجموع المواطنين التى قد ينتابها القلق جراء استكمال هذه الإجراءات الإصلاحية خاصة وإن استكمالها ليس خيارا له بدائل وليس مطروحاً إمكانية الاستغناء عنه بل هو ضرورة حتمية حتى لا يكون هناك آثار سلبية قد تنعكس على الاقتصاد المصرى إذا ما حدث تراجع أو تباطؤ فى تنفيذ حزمة الإجراءات الاقتصادية المتبقية وخاصة فيما يتعلق بجاذبية الاقتصاد المصرى للاستثمارات الخارجية والداخلية... فإعلان رئيس الوزراء جاء مطمئناً ليس فقط للفقراء ومحدودى الدخل وللمواطن العادى بل ولرجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية والشركات الكبرى والمستثمرين الفعليين والمحتملين لأنه يحمل رسالة معناها أن الحكومة عازمة على عدم التراجع أو تأجيل المراحل التالية من الإصلاح الاقتصادى وعن نيتها استكمالها حتى يمكن القضاء على المشاكل والصعوبات الهيكلية والتحديات المزمنة التى يعانى منها الاقتصاد المصرى منذ أمد طويل... والحقيقة فالفرصة حالياً سانحة جداً أمام الحكومة لاستكمال وتنفيذ تلك الإصلاحات وان كان من الأفضل أن يتم إقرار حزمة التشريعات والإجراءات التى أعلن عنها على وجه السرعة وقبل البدء فى تنفيذ المرحلة التالية بما يُكسب إجراءات الحكومة الاجتماعية والاقتصادية مصداقية واضحة ومساندة شعبية تحتاج إليها لتحقيق الاصطفاف الوطنى فى المرحلة القادمة بما يحقق النتائج المتوقعة من عملية الإصلاح على المستوى الإنتاجى والتشغيلى وأيضاً على مستوى العوائد المتوقعة على المدى القصير والمتوسط والطويل... فمما لا شك فيه أن الاقتصاد المصرى حالياً أمام فرصة تاريخية لن تتكرر وأى تراجع لا يضمن وجود مثل هذه الفرصة فحالة الاستقرار التى تشهدها مصر هى أفضل محفز للاستثمار المحلى والعربى والأجنبى صحيح أن هناك عوامل ومؤثرات ومحفزات أخرى لكن يظل الاستقرار الاجتماعى والسياسى والأمنى هو الحد الفاصل الذى لا يمكن لأى مستثمر تجاوزه ويعتبر تحقيقها هو أهم الانجازات قاطبةً لأنه يعنى أن البيئة أصبحت مستقرة لاستثمار رءوس الأموال التى تتصف بطبيعتها بالجبن وهذا الوصف لا ينتقص من قيمة الاستثمار وليس له أى مدلول غير أخلاقى ولكنه صفة ملازمة لطبيعة العمل فلن يكون هناك عمل منتج وناجح فى بيئة غير أمنة أو غير مستقرة وهذه تعتبر من البديهيات التشغيلية. وفى نفس الاتجاه فإن استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادى بغض النظر عن بعض الرؤى المتعارضة فيما يتعلق بطبيعة الإجراءات أو المدى الزمنى لها فإنها فى حد ذاتها رسالة لكافة صناديق الاستثمار والشركات العالمية والإقليمية بأن حالة الاستقرار التى يتمتع بها الاقتصاد المصرى هى وضع دائم وليست حالة عارضة .. وهو ما أكده تقرير مؤسسة فيتش للتصنيف الائتمانى الصادر مؤخراً والذى يتوقع معدل نمو عام لدول شمال إفريقيا بمقدار 3.2% وتأتى مصر على رأس الدول التى يضمها التقرير مستنداً لحالة الاستقرار الاجتماعى والسياسى بها.. كما أن قدرة الحكومة على تنفيذ التزاماتها مع الجهات الدولية هو جزء لا يتجزأ من قدرتها على ضمان الاستقرار الاقتصادى وضمان مصالح المستثمرين أو تحقيق أهدافهم التى هى جزء من أهداف التنمية الاقتصادية بالمنظور الشامل واعتقد أن تنفيذ هذه الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية بشكل فعال ومتوازن وفى التوقيتات المناسبة سوف يجعل الحكومة قادرة على تجاوز توقعاتها المعلنة...