كان رئيس الوزراء الأسبق سليم الحص يردد كثيرا مقولة: فى لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية، فحين تسير فى شوارع لبنان وترى يافطات المرشحين للانتخابات النيابية تصدق النصف الأول من المقولة، وحين تسمع خطابات المرشحين تتأكد من نصفها الثاني. فى المعركة الانتخابية عموما، عليك أن تمتلك أمرين: المال، والسلاح، والمقصود بالسلاح هنا، هو سلاح اللغة، ومهارة الخطابة، واللعب ب شطرنج الكلمات، وحبذا لو كانت اللغة تخويفية وتحذيرية، وهو مايجيده بامتياز زعماء الطوائف اللبنانية، ويلعبون على هذه الأوتار وشد عصب ناخبيهم الطائفي. الانتخابات التى تُجرى الأحد المقبل تميزت فى أيامها الأخيرة بحرب الكلمات بين الزعماء، فسعد الحريرى فى 2018 غير سعد الحريرى فى 2009 فقد أصبح زعيما سياسيا عن حق للطائفة السنية، وخطيبا بارعا، يغزل بالكلمات والألفاظ خطابات تلهب حماس طائفته، وتزيد من مخاوفهم وآلام الماضى القريب والبعيد، حزب الله فى أثناء اجتياحه بيروت 2008، وزمن الوصاية السورية فى الحرب الأهلية، أى صوت يبقى بمنزله هو لصالح حزب الله واصفا الانتخابات بأنها «بين خطيْن ومسارين: مسار دولة القانون والمؤسسات ومسار الهيمنة على قرار الدولة والمؤسسات, ليجد على الجبهة الأخرى قصفا مدفعيا من العبارات الحادة على لسان زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله الذى ذكر إن الضعيف سياسيا هو الذى يحول صراعه السياسى إلى صراع طائفى ويستخدم التعبئة الشعبوية والتخوين و الحديث عن دماء الشهداء من أجل استدرار العاطفة الطائفية. بينما تفرغ الزعماء المسيحيون لاستخدام الخطاب الطائفى والعنصرى تجاه النازحين السوريين فى لبنان، وخطر توطينهم، وأشهرهم فى هذا الصدد وزير الخارجية جبران باسيل المعروف بعدائه المستمر للاجئين السوريين وتحريضه الدائم ضدهم، وأخيرا قام سامى الجميّل بمهاجمة السياسة اللبنانية حيث وصف السلطة السياسية بأنها تمارس سياسة القمع بحق المعارضة والصوت الحر، قائلا إننا نواجه دولة بوليسية تبيع البلد لتوطن اللاجئين السوريين فى لبنان. وإذا كان الصوت التفضيلى - للناخب منح صوته التفضيلى لمرشح واحد ضمن اللائحة التى قرر التصويت لها، من دائرته الانتخابية الصغرى قد أحدث هدوءا وتفاهما بين الثنائى الشيعى نبيه برى وحسن نصرالله، فإنه أحدث انقساما وشروخا سياسية بين الطوائف نفسها فلايزال الوزير السابق أشرف ريفى يغمز فى قناة سعد الحريري، واصفا زيارته إلى طرابلس وعكار وقيامه بالتصوير مع المواطنين بأنها حركات سطحية وسخيفة. أما المعركة الأشد ضراوة فى داخل الطائفة نفسها، فهى بين زعماء الموارنة، سمير جعجع زعيم القوات اللبنانية، وسامى الجْميّل زعيم الكتائب، وجبران باسيل وزير الخارجية وزعيم التيار الوطنى الحر، وسليمان فرنجية، فهؤلاء يديرون المعركة الانتخابية على طريقة أنا، أو أحد فهناك تلاسن حاد وحرب ضروس من الكلمات فيما بين هؤلاء الزعماء، وكل ذلك من أجل التنافس على زعامة الموارنة بهدف الوصول إلى قصر بعبدا. الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات رصدت ظواهر تاثير الخطاب الطائفى على الانتخابات والناخبين، وذلك فى أحدث تقرير لها الشهر الماضي، حيث أشارت إلى أنه مع اقتراب موعد الانتخابات بدأ الخطاب التحريضى يتصاعد فى عدة مناطق، وقد ترافق هذا التصعيد مع أعمال عنف، حيث تقوم الأطراف السياسية بعملية تجييش لضمان مشاركة أكبر عدد من مناصريها فى العملية الانتخابية ولرفع حظوظها بالحصول على أكبر عدد من المقاعد، وهى تستخدم لهذه الغاية خطاباً أصبح يتعدى الأطر المقبولة ويصل إلى مراحل التحريض وتخوين الآخر أحياناً كثيرة. وأضافت أن الخطاب يحوى فى طياته عدة مشكلات، حيث يعتمد على الشق العاطفى وعلى الضغط النفسى وتحريك عواطف الناخبين للوصول إلى الغايات المرجوة، ولا يتوجه إلى عقل الناخب بحجج وبرامج انتخابية واضحة، إلا باستثناءات محدودة. المحلل السياسى دكتور توفيق هندى ، يذهب إلى اتهام حزب الله بأنه هو وراء قانون الانتخابات المعيب، وتبعته الحكومة متخيلة أنه سيكون سببا فى ضمان مقاعد أحزابها، لكن هذا القانون أحدث شروخا كبيرة بين الأحزاب، وبين الحزب الواحد، بسبب مادة الصوت التفضيلي، ووصفه، بأنه قانون أرعن وغير أخلاقى يمزق النسيج السياسى فى لبنان.، وبفضل هذا القانون فإن حزب الله وحلفاءه سوف يحصلون على نحو 45 مقعدا من مقاعد البرلمان ال 128، إضافة إلى أصوات النائب وليد جنبلاط لضمان ولائه، فضلا عن تحالفه الاستراتيجى مع التيار الوطنى الحر، وفى اليوم التالى للانتخابات، سوف تعود الأمور إلى طبيعتها، ويجتمع الزعماء مرة أخري، يتعاونون معا، يتقاسمون ويتشاركون السلطة بشكل أو بآخر مع حزب الله، فلا أحد فى لبنان يستطيع مواجهة حزب الله، إما خوفا أو تحالفا أو مساكنة. بينما يرى على شهاب الباحث الإعلامى أنّ العامل المستجد فى هذه الانتخابات تحديدا هو أنها تشهد تركيزا إعلاميا أكثر من سابقاتها خاصة بعد دخول عالم الإعلام الجديد فى طيات المشهد السياسى اللبنانى وبعدما صارت شريحة مستخدمى شبكات التواصل مؤثرة إعلاميا فى السباق نحو البرلمان. وإذا ما استطلعنا آراء اللبنانيين على اختلاف مشاربهم لوجدنا حاليا أنهم يتفقون على الحاجة الى حل المشكلة الاقتصادية بالدرجة الأولى وتعزيز الخدمات الاجتماعية والمعيشية، ومع ذلك، فإن الحملات السياسية الجارية لاتقدم أى برامج عمل حقيقية وتضع الناخب أمام خيار الاختيار السياسى فقط.