تسع سنوات مضت علي آخر انتخابات نيابية شهدها لبنان، جرت فيها مياه كثيرة، وخلافات عديدة حول قانون الانتخابات، والفراغ الرئاسي، والتمديد للمجلس من 2013 وحتي وقتنا الحالي،ولم يعد سوي أقل من شهر لينطلق ماراثون الانتخابات في 6 مايو المقبل، ما لم تحدث أزمة جديدة في الشرق الأوسط أو حرب بين حزب الله وإسرائيل، وهو ما يتخوف منه اللبنانيون، خاصة الأوساط الشيعية. هنا فى شوارع لبنان، اكتست الحوائط والأعمدة بصور المرشحين، وصارت الانتخابات ولوائح المرشحين، حديث الشارع السياسي، بينما يصرخ جلّ اللبنانيين من الفساد المتفشي، والحالة الاقتصادية الخانقة، وارتفاع الأسعار غير المبرر، ونسب بطالة التى ترتفع يوما بعد يوم، وأزمة نازحين سوريين تعدى عددهم المليونين، تضغط على اللبنانيين وتهدد المكون الديموجرافي. الانتخابات التى كان من المفترض أن تتم فى 2013 تمّ تأجيلها تباعا، ومدد المجلس لنفسه ثلاث مرات، وذلك بعد تعذر إجراء الانتخابات، على خلفية الصراع السياسى بين الطوائف والأحزاب، الذى لا يزال مشتعلا حتى اليوم خاصة بين حزب الله بزعامة حسن نصر الله وتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري. وفى يونيو الماضى أقر المجلس قانونا جديدا معقدا للانتخابات، وهو قانون النسبية والصوت التفضيلي، حتى إن اللبنانيين يتمازحون بأن « قانون النسبية لأينشتاين أسهل فهما من قانون النسبية للانتخابات»!. وتتميز هذه الانتخابات بظواهر غريبة، فهناك لوائح تنافس بعضها منافسة شديدة فى بعض المناطق، ونفس اللوائح تتحالف مع بعضها فى مناطق ثانية، خاصة التيار الوطنى الحر برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، ولوائح حزب الله. وثانية هذه الظواهر هى ترشح 17 وزيرا من الحكومة فى هذه الانتخابات أبرزهم رئيس الوزراء سعد الحريرى ووزراء الداخلية والخارجية والكهرباء، مما يعد ازدواجا بين مهامهم ومسئولياتهم، وبين تحقيق مطالب دوائرهم. أما ثالثة هذه الظواهر فتظهر فى برنامج حزب الله، إذ لأول مرة يتخلى عن شعار المقاومة وحيدا، فوضع شعارا واحد « نحمى ونبني» فيتحدث عن الاقتصاد والفساد والتنمية والإعمار. ورابعة هذه الظواهر ترشح أولاد الزعماء بدلا منهم، ويأتى فى المقدمة تيمور جنبلاط بدلا من أبيه، وطونى فرنجية ابن النائب سليمان فرنجية، وميشال توينى ابنة جبران تويني، وعمر واكيم ابن النائب نجاح واكيم وغيرهم. وآخر هذه الظواهر هى ترشح عدد كبير من النساء وصل قبل الانسحابات إلى 113 سيدة مقابل 12 فقط عام 2009، أبرزهن على وجه التحديد الكاتبة الصحفية راغدة درغام، والإعلاميتان بولا يعقوبيان وجيسكا عازار، علما بأن الموجود من النساء فى البرلمان الآن أربع سيدات فقط. ولأن الجدل الدائر فى كل الأوساط السياسية هو عن قانون الانتخابات، فإن الخبير الانتخابى اللبنانى محمد شمس الدين يشرح ل «الأهرام» أن هذا القانون جاء على قياس الطبقة السياسية وليس من المتوقع أن يؤدى إلى أى تغيير سياسي، والمستفيد الأكبر من القانون هما حركة أمل وحزب الله ومن بعدهما التيار الوطنى الحر ومن ثم القوات اللبنانية أما الخاسر الأكبر فهو تيار المستقبل الذى قد يخسر 10مقاعد. أيضا جاء هذا القانون على قياس أصحاب الأموال فهو يشجع على الإنفاق المالى فيحق لكل مرشح إنفاق 150مليون ليرة أى 100الف دولار وأيضا 100الف أخرى كونه مرشحا فى لائحة ومبلغ5 آلاف دولار عن كل ناخب فى الدائرة الانتخابية،وقد يصل حجم الإنفاق فى بعض الدوائر إلى 1.5مليون دولار لكل مرشح. إذن القانون جاء مفصلا على قياس الطبقة السياسية، ومن ثمّ ونحن قبل الانتخابات يمكننا حسم نتائج 110مقاعد من حيث الهوية السياسية والمعركة فقط على 18مقعدا تحسمها التحالفات بين القوى السياسية. ولأن الوضع السياسى والاقتصادى ضاغط بشدة على كل اللبنانيين بسبب الفساد والنزوح السوري، يرى شمس أنه بشكل عام هناك نقمة شعبية كبيرة على كل القوى السياسية من حزب الله إلى القوات اللبنانية مرورا بالمستقبل وحركة أمل والاشتراكى وفى كل المناطق والطوائف احتجاجا على الواقع الاجتماعى والاقتصادى من حيث البطالة وارتفاع كلفة المعيشة وتراجع الخدمات العامة من كهرباء ومياه، وبالتالى فإن الأحزاب مرغمة على التوجه بخطاب وفقا لحاجات الناس، لكن المفارقة أن نقمة الناس لا تترجم فى صناديق الاقتراع رفضا لهذه القوى وذلك بسبب الوضع الطائفى وغياب الدولة إذ إن اللبنانى يعتبر أن الملجأ هو الطائفة وزعماؤها وليس الدولة. مشاركة النساء فى الانتخابات المشاركة النسائية فى هذه الانتخابات هى الأعلى منذ بدء انعقاد هذا المجلس عام 1943، ولذا فإن رندى يسير المستشارة الدولية فى شئون المواطنة رأت أن الإقبال النوعى على الترشح من قبل اللبنانيات فى الانتخابات المقبلة سيسجل سابقة فى تاريخ لبنان لاسيما أن أعلى رقم سجل فى الترشيحات كان فى عام 2013 قبيل التمديد الأول للمجلس النيابي، حيث كان العدد 44 سيدة فقط أما اليوم فقد وصل إلى 113 مرشحة وبعد صدور اللوائح فإن عدد النساء اللواتى سيبقين فى المعركة هو 86 سيدة، لاسيما أن المشاركة السياسية للناخبين من الإناث أعلى من تلك التى للذكور حيث وصلت فى الانتخابات المحلية الأخيرة إلى 53٪ للنساء. لكن التحديات كما تشير رندى ستكون أكبر أمام فوز النساء المستقلات؛ وفى ظل غياب المرشحات اللواتى يتصدرن لوائح الأحزاب السياسية فقد بات من المستحيل خرق المنظومة السياسية التى تقصى المرأة عن العمل السياسى المتمثل فى مقاعد البرلمان المحتكرة منذ سنوات بنسبة تتجاوز 94% للرجال فقط. المجتمع المدني وللمجتمع المدنى نصيب فى هذه الانتخابات، حيث ترشحت نماذج مناضلة من المجتمع المدنى رجالا ونساء ويضاف إليها رموز سياسية واجتماعية لطالما ناضلت فى المجال الحقوقى وتخصص الحشد للمناصرين من الطبقة السياسية والشعبوية منهم من اجتمع فى لوائح ومنهم من انطلق من مؤسسات اعتبرت نفسها أحزابا سياسية جديدة وعصرية، علما بأن لبنان لا يملك قانونا لتأسيس الأحزاب والقانون الذى من خلاله تؤسس الأحزاب, ومن ثم فالقانون الذى تؤسس من خلاله الجمعيات اللبنانية مستمرة منذ عهد العثمانيين.